أقل الجمع بين اللغة والفقه..

هل يخفض ميراث الأم من الثلث للسدس بأخوين فقط؟

د. رمضان فوزي

09 نوفمبر 2025

40

ما أقل عدد يطلق عليه «جمع» في لغة العرب؟

وهل يكفي الأخَوان لحجب الأم من الثلث إلى السدس في الميراث؟

كيف ربط النحاة والفقهاء بين هذه القاعدة اللغوية وهذه القضية الفقهية في المواريث؟

وما دليل ابن عباس، وابن حزم، الذي تمسكا فيه بصحيح اللغة ليخالفا الجمهور في هذه المسألة؟

هذا ما نناقشه في هذا الموضوع.

اختلفت النحاة والفقهاء في أقل الجمع؛ فمنهم من يرى أن أقل الجمع الثلاثة وهو المشهور عند جمهورهم، ومنهم من يرى أن أقل الجمع اثنان، ومنهم من ذهب –وهم قلة- إلى أنه ربما يطلق على الواحد لفظ الجمع.

تحرير مناط الاختلاف

قبل الخوض في تفاصيل آراء النحاة والأصوليين في أقل الجمع ينبغي تحرير محل النزاع والخلاف، الذي يتمثل في أن لفظ الجمع في اللغة له معنيان:

 الأول: الجمع من حيث الفعل المشتق منه الذي هو مصدر: جمع يجمع جمعاً.

والمعنى الثاني: الجمع المعروف نحوياً بأنه اسم العدد.

فعلى المعنى الأول إذا أضيف الواحد إلى الواحد فقد جُمع بينهما؛ فوجب أن يكون جمعاً؛ بل قد يقع على الواحد كما يقال: «جمعت الثوب بعضه على بعض»، ويبقى الخلاف في المعنى الثاني وهو اسم العدد: هل أقله اثنان أم أكثر من ذلك؟

يقول أبو إسحاق الإسفراييني: «وبعض من لم يهتدِ إلى هذا الفرق خلط الباب؛ فظن أن الجمع الذي هو بمعنى اللقب من جملة الجمع الذي بمعنى الفعل، فقال: إذا كان الجمع من الضم؛ فالواحد إذا أضيف إلى الواحد فقد جمع بينهما؛ فوجب أن يكون جمعاً، وثبت أن الاثنين أقل الجمع».

وبناء على ذلك، انقسم النحاة والفقهاء في هذه المسألة أكثر من فريق؛ فمنهم (وهم جمهور النحاة والفقهاء) يرون أن أقل الجمع ثلاثة، ومنهم من قال بأن أقله اثنان، بل وهناك من قال بأن الواحد جمع.

ولكل فريق منهم أدلته العقلية والنقلية، حتى إن القائلين بأن الاثنين جمع انقسموا فيما بينهم إلى أربعة فرق لكل فريق أدلته أيضاً، وهو ما يضيق المقام هنا عن التفصيل فيه.

التطبيق الفقهي في ميراث الأم

من أبرز القضايا الفقهية التي انعكس عليها هذا الخلاف قضية ميراث الأم؛ فرغم أن جمهور الفقهاء من الناحية النظرية يرون أن أقل الجمع ثلاثة؛ فإنهم في هذه المسألة خالفوا من الناحية التطبيقية؛ حيث يرون أن الأم تُرد من الثلث إلى السدس بأخوين فقط في حالة عدم وجود أبناء، إعمالاً للقول بأن «أقل الجمع اثنان» في قول الله تعالى: (فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ) (النساء: 11).

لكن خالف في هذه المسألة ابن عباس (وهي إحدى مسائله الأربع التي خالف فيها جميع الصحابة)، وقد وافقه ابن حزم (مخالفاً رأي أصحابه الظاهرية)؛ حيث تمسكا بردها إلى السدس بثلاثة إخوة فأكثر.

ومرجع الخلاف كما سبق هو القول بأقل الجمع؛ فابن عباس، وابن حزم، متمسكان بدليل لغوي، وهو ظاهر قوله تعالى: (فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ)، فذكر «الإخوة» بلفظ الجمع، وأقل الجمع المطلق في اللغة ثلاثة.

أما جمهور الفقهاء فقد استند بعضهم إلى أن أقل الجمع اثنان، وجعل بعضهم للعدد في الفرض خصوصية عن العدد اللغوي؛ فجعل الاثنين يقومان مقام الجمع؛ حيث يقول الماوردي: «والدليل على صحة ما ذهب إليه إجماع من حجبها بالاثنين من الإخوة والأخوات هو أن كل عدد روعي في تغيير الفرض فالاثنان منهم يقومان مقام الجمع؛ كالأختين في الثلثين، وكالأخوين من الأم في الثلث؛ فكذلك في الحجب».

وذهب بعضهم إلى القياس؛ فقاس المثنى من الأخوات في الحجب على المثنى من الأخوات في الاستحقاق في قول الله تعالى: (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ) (النساء: 176).

ترجيح رأي ابن عباس وابن حزم

ما تطمئن إليه النفس هو ما ذهب إليه ابن عباس وتابعه فيه ابن حزم للأسباب التالية:

1- موافقته صحيح اللغة العربية، وما عليه جمهور النحاة من أن أقل الجمع ثلاثة، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء أيضاً من الناحية النظرية، دون حاجة إلى تأويل أو لجوء للمجاز.

2- لو أراد الله تعالى بالإخوة هنا المثنى لذكر ذلك صراحة، كما تكرر في أكثر من موضع في آيات المواريث؛ حيث فرق سبحانه وتعالى بين الاثنين والجماعة، مثل قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) (النساء: 11)، وقوله تعالى: (وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) (النساء: 12)؛ وذلك لخطورة الأمر وأهمية الدقة فيه؛ نظراً لتعلقه بحقوق الناس من أهل الميراث.

3- القول بأن الاستعمال هنا على سبيل المجاز غير مستقيم؛ إذ يمكن أن يقول البعض: ربما يعبر عن الواحد بلفظ الجمع مجازاً أيضاً، أو على أن المراد بالإخوة هنا هو جنس الإخوة.

4- اعتبار الاثنين جماعة يقتضي طرد ذلك في كل القضايا المشابهة؛ مثل كفارة إطعام مساكين؛ بناء على ذلك يجزئ فيها إطعام اثنين فقط من المساكين وغيرها مما ذكر بصيغة الجمع دون عدد.


اقرأ أيضاً:

-التشريك بين الإعراب والحكم.. «واو العطف» والقول بعدم وجوب الزكاة على الصبي

عطف الجمل المتباينة وحكم الأكل من متروك التسمية

الفصل بين المتعاطفين وحكم غسل الرجلين

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة