7 صور للربا المعاصر

من أكبر الجرائم
التي يرتكبها المسلم في حق نفسه أن يمارس الربا أو بعضاً منه في حياته اليومية،
ظناً منه أن القليل قد يتم التجاوز عنه من قبل الشريعة الإسلامية، أو جهلاً ببعض
أحكامه، أو تهاوناً في حكمه، وقد توعد الله عز وجل آكله بالمقت والغضب والحرب من
الله ورسوله، وقد وردت آيات الله عز وجل محذرة من التعاطي مع الربا من قريب أو من
بعيد، فهو مهدد بحرب الله سبحانه، حيث يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ
اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {278} فَإِن
لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) (البقرة)، قال ابنُ عَبَّاسٍ: «يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
لآكِلِ الرِّبَا: خُذْ سِلاحَكَ لِلْحَرْبِ» (رواه الطبري).
وجعل الله عز
وجل آكل الربا ملعوناً، فعن جابر بن عبدالله قال: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ»،
وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ» (رواه مسلم)، وآكل الربا يأتي بفعل من أفعال اليهود،
فيقول تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ
حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ
اللّهِ كَثِيراً {160} وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ
أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً
أَلِيماً) (النساء)، وآكل الربا متشبه بأفعال كفار الجاهلية، فيقول النبي
صلى الله عليه وسلم: «وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ
رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ»
(رواه مسلم).
وآكل الربا يظل
يسبح في نهر من الدم في البرزخ وحتى تقوم الساعة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ
اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ،
فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ
وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ
الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ
بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ
رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ فَقَالَ:
الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا» (رواه البخاري).
وآكل الربا يبعث
يوم القيامة بلا عقل، يقول تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ
الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا
إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ
الرِّبَا) (البقرة: 275).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في بيان خطورة الربا وكونه من السبع الموبقات: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ» (رواه البخاري ومسلم).
من صور الربا في العصر الحديث
وقد حرص الإسلام
على تحريم الربا بكافة أشكاله وأنواعه، وقد يحسب البعض أن له صورة واحدة، لكن مع
تطور الحياة وتعقد الممارسات الاقتصادية تعددت صور الربا، وقد اتفق العلماء على
تحريمها، وهذه بعض الصور وأشهرها:
1-
الربا في البطاقات الائتمانية:
انتشرت البطاقات
الائتمانية في كافة البنوك التجارية، التي تتلخص فكرة العمل بها على تمكين العميل
من الشراء الآجل، على أن يسدد المبلغ خلال فترة سماح، فإن تأخر احتسب عليه فوائد
تأخير.
وقد أفتى مجمع
الفقه الإسلامي بتحريم هذه الصورة للبيع والشراء؛ لأن الفوائد تفرض بعد انقضاء
الفترة المجانية من جنس ربا الجاهلية، وجاء في قراره رقم (12/ 2/ 108)، أن إصدار
بطاقة الائتمان غير مغطاة يتضمن التزاماً بدفع الفوائد عند التأخر، وهذا ربا محرم
شرعاً، فلا يجوز التعامل بها إلا إذا خلت من الشرط الربوي.
بينما أكدت دار
الإفتاء المصرية الآتي: أن الأصل في استخدام فيزا المشتريات الإباحة، طالما لم
تترتب عليها فوائد ربوية أو غرامات تأخير مشروطة في العقد.
ووضحت أن الفيزا
ليست مالًا في حد ذاتها، بل هي وسيلة دفع يربطها البنك بحساب العميل، ويقوم بدفع
قيمة المشتريات عن العميل للتاجر، على أن يُسدد العميل للبنك لاحقًا، خلال فترة
السماح المحددة(1).
2-
الربا في القروض الشخصية والاستهلاكية:
أجمع الفقهاء
على حرمة الفوائد التي تقرضها البنوك التجارية أو المؤسسات والهيئات المالية، وهي
عبارة عن مبالغ مالية مقابل فوائد شهرية أو سنوية، ويبرر ذلك بغطاء قانوني أو
خدمات أو مصاريف إدارية.
وقد أفتى مجمع
البحوث الإسلامية بالأزهر بقوله: «كل قرض جر نفعاً مشروطاً للمقرض، فهو من الربا
المحرم»(2)، وهذه القروض تزداد شيوعاً في شراء السلع بالتقسيط مع
فائدة، أو تمويل الزواج والسفر، وهي تورط الفقير في ديون مرهقة، وتقوض مبدأ
التكافل الاجتماعي المتعارف عليه في المجتمعات الإسلامية.
3-
الربا في بطاقات التمويل والمرابحة المصرفية المغشوشة:
ومن صور التحايل
على الربا، أن تلجأ بعض المؤسسات التجارية إلى التمويل بالمرابحة شكلياً، حيث
تشتري سلعة بثمن معلوم، ثم تبيعها للعميل بالتقسيط مع ربح، لكنها لا تمتلك السلعة
فعلياً، بل تترك العميل يتصرف مباشرة، وقد حذر العلماء من هذه العمليات، لأنها
تتحول إلى قرض بفائدة باسم البيع، وقد نصت الفتوى على الآتي: «يشترط لصحة المرابحة
أن تكون السلعة مملوكة ملكية تامة قبل البيع»(3).
4-
الربا في البورصات وتداول العملات:
بعض صيغ تداول
العملات أو السهم في البورصات تتضمن معاملات ربوية، منها:
- البيع الآجل
للعملات: كبيع الدولار مثلًا مقابل اليورو على أن يتم التسليم بعد مدة، وهذا يدخل
في ربا النسيئة المحرم بلا خلاف، لأن الشرط في بيع العملات التقابض الفوري.
- بيع ما لا
يملك: حيث يعقد العميل صفقة على سهم أو عملة لا يمتلكها فعليًا، بل يقامر على
ارتفاع السعر أو انخفاضه.
وقد أفتى بذلك
عدد من الهيئات الشرعية، منها فتوى اللجنة الدائمة بالمملكة العربية السعودية
(فتوى رقم 2869)، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي.
5-
الربا في بيع الذهب والفضة:
من المعاملات
المنتشرة اليوم بيع الذهب القديم بالجديد، مع دفع الفرق نقدًا، وهذا محرم بنص
الحديث النبوي: «الذهب بالذهب ربا، إلا هاء وهاء» (رواه مسلم) وذلك سواء كان الذهب
مصوغاً أو غير مصوغ، ومعناه أن الذهب يجب أن يباع وزناً بوزن، على أن يقبض ثمنه في
الحال أو تكون السلعة حاضرة، وقد تلقت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر
الشريف، سؤالاً جاء نصه: أنا تاجر مجوهرات، وأقوم ببيع الذهب بالتقسيط، وسمعت أن
هذه الطريقة محرمة، فما حكم الشرع في ذلك؟
وجاء رد اللجنة كالآتي:
الذهب من الأموال الربوية التي لا يجوز بيعها بجنسها نسيئة لقوله صلى الله عليه
وسلم: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا
الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُفَضِّلُوا بَعْضَهَا
عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ»؛ وعليه، فلا يجوز بيع
الذهب بجنسه بالتقسيط، بل لا بد من تسليم العوضين في مجلس العقد.
6-
فوائد حسابات التوفير والودائع:
وهي الفوائد
الثابتة التي تقدمها البنوك لعملائها على ودائعهم ومدخراتهم داخل تلك البنوك
التجارية التي تعتمد النظام الربوي لها، وهذه الفوائد قد أجمع العلماء على تحريمها
شرعاً، لأن العلاقة بين العميل والبنك في هذه الحالة علاقة قرض، وكل قرض درَّ نفعاً
فهو ربا، وكان نص فتوى مجمع الفقه الإسلامي الدولي: «الفوائد المحددة سلفاً التي
تدفعها البنوك على الإيداعات من قبيل الربا المحرم»(4)، أما الودائع في
الحسابات الجارية بدون فوائد فهي جائزة شرعاً.
7-
الربا في الديون التجارية بين الشركات(5):
ومن صور الربا
التي قد تخفى على البسطاء، تأخر الشركات في سداد ديون بعضها، مقابل فوائد تأخير
تقر في العقود، وهو بقول العلماء من الربا الجلي، وذلك لعموم قول النبي صلى الله
عليه وسلم: «من زاد أو استزاد فقد أربى» (رواه مسلم).
____________________
(1) فتوى دار الإفتاء
المصرية، 28 يونيو 2025م.
(2) نص فتوى
مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر عام 1997م.
(3) نص فتوى
مجمع الفقه الإسلامي (5/ 5/ 41 - 40).
(4) قرار مجمع
الفقه الإسلامي الدولي (دورة جدة 1985م).
(5) الموسوعة
الفقهية الكويتية.