7 قيم تأسيسية للأسرة الناجحة
تبدو محورية دور الأسرة في بناء المجتمع من الأهمية حتى إنه لا يمكننا تجاهلها أو تجاوزها بحال، ويعتمد هذا الدور على مجموعة من القيم الحاكمة والتأسيسية التي يقوم عليها البناء الأسري، وبمقدار ما تكون هذه القيم صحيحة وصادقة وحقيقية تنجح الأسرة وتستطيع القيام بدورها الطبيعي الفطري الذي يشبع حاجيات كل أفرادها.
وفي السطور التالية نستعرض 7 قيم بالغة الأهمية لحياة أسرية ناجحة وسعيدة:
1- قيمة الحب:
الحب هو القيمة النابضة التي تبث الحياة بدفئها وبهجتها في شرايين الحياة الأسرية، فهو القيمة الأكثر جمالاً وتألقاً في منظومة القيم التي تحكم الأسرة الناجحة، هو آية من آيات الله التي أودعها القلوب؛ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم: 21).
المودة هي ذلك الحب الذي يقرب القلوب، هو الشغف بالقرب، هو سبب السكن وثمرته في آن واحد، هو الذي يورث ذلك التعاطف والشفقة في القلوب، حتى إذا تراجع الشغف بقيت الرحمة تلقي بجذورها بعيداً في أعماق الإنسان.
الأسرة الناجحة ترتبط جميعاً برباط الحب سواء بين الزوجين أو بينهما وبين الأولاد، فحاجة الابن للحب بالغة العمق، وإذا أشبعت حاجته من الحب نشأ سوي الفطرة، بينما تعتري الأمراض النفسية من حُرم هذه العاطفة.
ومن الجدير بالذكر أن الحب الصامت يفشل في كثير من الأحيان في الوصول للطرف الثاني؛ لذلك لا بد من التعبير عنه، نلحظ ذلك في جواب النبي صلى الله عليه وسلم الذي ورد في البخاري عندما سئل من أحب الناس إليك؟ فأجاب بوضوح: «عائشة»، وعندما رأى الأقرع بن حابس النبي صلى الله عليه وسلم يقبّل الحسن فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه من لا يَرحم لا يُرحم» (متفق عليه)، من هنا يتضح كيف أن التعبير عن الحب بالكلمات والاحتواء والسلوك هو ما يفعّل هذه القيمة في حياة الأسرة.
2- قيمة التقبل:
قد يعتري القيمة التأسيسية الأولى (الحب) بعض الخلل نتيجة ضغوط الحياة أو بعض الاضطراب الذي يعتري أحد طرفي العلاقة الزوجية أو أحد الأولاد، هنا لا بد من تفعيل قيمة التقبل المانعة للكراهية والإحباط، هذه القيمة النابعة من كوننا بشراً نصيب ونخطئ وتعترينا العلل النفسية قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً {19}) (النساء)، لقد رسخ النبي صلى الله عليه وسلم منهجاً معرفياً لهذا التقبل بقوله: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر» (رواه مسلم).
إنه تقبل الإنسان ككل، ففيه العيوب وفيه المميزات، والأولاد أشد ما يكونون بحاجة للتقبل خاصة في مرحلة المراهقة الجامحة وما يعانونه من عواصف داخلية قد تنعكس على سلوكياتهم فتتوتر العلاقة بينهم وبين الآباء، ولعل تأمل موقف نوح عليه السلام من ابنه حتى اللحظة الأخيرة، وموقف نبي الله يعقوب عليه السلام من أبنائه بعد ما ارتكبوه؛ يؤكد الحاجة الماسة للتقبل.
3- قيمة النصيحة:
وهي لا تتعارض مع الحب والتقبل، بل هي مكملة لهما؛ فمن يحبك ينصحك، ومن يتقبلك رغم عيوبك ينصحك حتى تتجاوز ما تعانيه، ويندرج تحت هذه القيمة كل درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأدواته ومنهجيته، وعندما تمتزج النصيحة الصادقة السليمة بالحب والتقبل تؤتي ثماراً طيبة.
وللنصيحة قيمة عظيمة، حتى إن نبي الله يعقوب عليه السلام وهو على فراش الموت لم يغفل عنها؛ (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي) (البقرة: 133)، وينبغي التأكيد أن هذه القيمة حتى تؤتي أحلى ثمارها داخل النطاق الأسري لا بد من إحاطتها بجو الحنو واللطف وشيء من المرح، ولنتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء» (رواه أبو داود والنسائي).
4- قيمة العطاء وتحمل المسؤولية:
هذه القيمة هي الترجمة العملية لقيمة الحب والتقبل، ولا يمكن أن تستقيم حياة الأسرة ما لم يتحمل كل طرف فيها مسؤوليته كاملة، ويعطي قدر ما يستطيع؛ «ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» (متفق عليه)، والراصد لأحوال الأسر المعاصرة يلاحظ بوضوح تراجع هذه القيمة وارتباطها بارتفاع معدلات الطلاق؛ فالرجل لا بد أن يتحمل مسؤوليته كاملة في النفقة بالمعروف بحسب ما آتاه الله، ويحتسب هذه النفقة ومن ثم يحيطها بسياج من الحب والرحمة؛ «إن المؤمن ليؤجر في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى في امرأته» (رواه البخاري في الأدب المفرد)، والمرأة لا تقل مسؤوليتها عن الرجل في إصلاح شأن الأسرة.
ويندرج تحت هذه القيمة حسن رعاية الوالدين وتحمل مسؤوليتهما خاصة حال الكبر والضعف والمرض، ومزج ذلك بمشاعر اللين والرحمة؛ لأنه في كثير من الأحيان يحتاج الوالد المسن للحب والاهتمام ربما أكثر من الحاجة للطعام والأمور المادية الأخرى.
5- قيمة التعاون والمشاركة:
وهي تتكامل مع القيمة السابقة؛ فإذا كان العطاء وتحمل المسؤولية قيمة فردية، فإن هذه القيمة لا يمكن أن تتحقق إلا بصورة جماعية؛ فالأسرة الناجحة تتآزر فيما بينها، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان في خدمة أهله يتعاون معهم في كل ما يخص المعيشة، وكانت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها تؤازره صلى الله عليه وسلم بما تملك من مال وجهد ودعم نفسي، وها هو عمر بن الخطاب يشرك زوجته أم كلثوم معه فيما يقوم به من خدمات للرعية. (انظر البداية والنهاية لابن كثير السنة الثلاث والعشرين).
إن قيمة التعاون والمشاركة تمنح الأسرة مساحات واسعة من الترابط، وتمنح الحياة الأسرية التجدد الذي يطرد الفتور والملل، وهو آفة الحياة التقليدية التي ينغلق كل فرد فيها على حدود مسؤولياته وواجباته دون محاولة المشاركة والتفاعل والتعاون مع باقي أفراد الأسرة.
6- قيمة الحوار:
الحوار قيمة لا يمكن تجاوزها أبداً من أجل حياة أسرية سعيدة وصحية، وهي قيمة وآلية في آن واحد، فالحوار هو ركيزة القصص القرآني كله.
والحوار يمنح الحياة الأسرية تألقاً وجمالاً؛ فلا أسوأ من حياة أسرية يسودها الخرس، وينعزل كل فرد منها في جزيرة منفرداً، وفي الوقت ذاته هو وسيلة إصلاحية فعالة سواء على مستوى الزوجين أو الأولاد وفي جميع المراحل العمرية.
7- قيمة الشورى:
وهي قيمة حاكمة في النظم الإسلامية بوجه عام؛ (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى: 38)، وهي حاكمة أيضاً في مؤسسة الأسرة حتى في تفاصيلها الصغيرة؛ (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا)(البقرة: 233).
وهي لا تتناقض بحال مع قوامة الرجل، بل تكملها وتمنحها آفاقاً واسعة للتحقق، آفاق التراضي والدعم الفعال.
وفي النهاية، نستطيع القول: إن تدهور هذه الحزمة من القيم السليمة أدى لسيادة قيم فوضوية قاتلة كاللامبالاة والمغالاة في الفردانية والتنافس والاستبداد والعنف النفسي قبل الجسدي، وتحولت كثير من الأسر لفنادق تقدم خدمة الطعام والنوم وانتهى الأمر، في ظل غياب منظومة قيم صحيحة لأسر مفككة، ومعدلات طلاق مروعة، وأولاد يعانون نفسياً حد المرض، ومسنين يعيشون أقصى درجات التهميش والوحدة.