فاطمة المرنيسي.. ودين نسوي جديد!

على الرغم من أن التيار النسوي العلماني يعتبر
عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي أحد رموزه، فإن النتيجة التي يخرج بها قارئ
الإنتاج الفكري للمرنيسي سيكتشف بسهولة أنها وضعت معالم المنهج المعرفي الذي ستعتمده
الفلسفة النسوية الإسلامية وستبني عليه نظريتها.
قبل أن نبدأ باستكشاف أهم ملامح هذا المنهج،
نريد لفت انتباه القارئ إلى أن المرنيسي لم تكتب بالعربية أبداً سوى كتاب واحد، فكل
ما كتبته كان بالإنجليزية أو الفرنسية، والسؤال الذي يطرح نفسه لمن كانت توجه المرنيسي
كتاباتها؟ ولماذا رفضت وهمّشت القارئ العربي؟
وهل كان ذلك استهانة منها بالعقلية العربية،
أم خوفاً من النقد لمن يجيد قراءة المصادر العربية القديمة خاصة وقد اعترفت بمدى الصعوبة
البالغة التي واجهتها عند قراءة كتب التراث سواء في التفسير أو الحديث؟
هذه الصعوبة في الفهم التي تحولت لأغلاط فكرية
فادحة فيما كتبته وسنحاول توضيحها في السطور القادمة، أم أنها كانت تتوجه للقارئ غير
العربي (مسلماً كان أو غير مسلم) كي يسهل عليها تقديم دين نسوي جديد غير ذلك الذي تعلمه
العرب في المدارس الابتدائية كما تسخر دائماً!
القرآن والنبي
تبدو المرنيسي كمدافعة عن النبي صلى الله
عليه وسلم التي قدمته كصاحب مشروع مساواتي حلم حلماً كبيراً لم يتمكن من تحقيقه بسبب
التيار الذكوري الذي كان يتآمر على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى مشروعه، ولا يتفهم
سر هذه الرحمة والعدالة التي ينتهجها مع النساء.
ولعل جدة المرنيسي الأمية هي السبب في حبها
للنبي صلى الله عليه وسلم حيث كانت تغني الأغاني التي تمدحه وتحلم أن تذهب للحج لزيارة
قبره (الذي كان في رأيها أهم ركن في الحج!).
ترى المرنيسي أن الإسلام هو «ملحمة تاريخية
لرجل سعيد حلم بعالم مختلف في شبابه وحقق كل أحلامه في فترة نضجه..»(1)،
وهي ترى أن فشل مسيلمة وبقية مدعي النبوة الآخرين بسبب أنهم «لم يضبطوا الإيقاع بين
الإلهي والبشري»(2)، وفي الإطار ذاته لا تتورع عن إثبات حديث الغرانيق كنتيجة
لضغط قريش أو تتحدث عن زواجه بزينب فتصفه بـ«صعقة الحب».
إذا كانت المرنيسي ترى أن مشكلتها مع الصحابة
الذين رووا حديث النبي صلى الله عليه وسلم وليس مع النبي نفسه، فهي كذلك ترى أن المشكلة
جاءت من المفسرين وليس من النص المقدس (القرآن الكريم) الذي تتحدث عنه باحترام وتقديس
بوجه عام، وهي إحدى الركائز المميزة لمنهج النسوية الإسلامية بحيث يوجه كل اللوم للمفسرين
الذكوريين الذين اختطفوا النص القرآني.
المقاومة الذكورية
في كتابها «الحريم السياسي»، تقدم المرنيسي
منهجين تم استخدامهما من قبل التيار الذكوري لضرب المشروع المساواتي الذي كان يسعى
إليه القرآن، فبينما كان القرآن يتحدث عن القيم العليا كالعدالة والإحسان، وبينما التيار
النسوي الصاعد في المدينة الذي تقوده أم المؤمنين أم سلمة يحقق المكاسب بعد آية (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِمَاتِ) (الأحزاب: 35)، التي أطلقت عليها المرنيسي «آية أم سلمة»؛
لأنه جاء في أسباب النزول أن السيدة أم سلمة هي من قالت للنبي صلى الله عليه وسلم:
ما بال النساء لا يذكرن مع الرجال في الصلاح؟!
ثم جاءت آيات المواريث التي منحت المرأة حق
الميراث وهي التي لا تحارب ولا تركب الفرس؛ ما أثار حالة من الاستياء الشديد بين صفوف
الذكوريين الذين حاولوا الضغط على النبي صلى الله عليه وسلم كي يغير هذه الآيات، ولما
لم يتحقق لهم ما أرادوا استخدموا المنهج الأول وهو الالتفاف على المعنى من خلال التفسير؛
«انقضوا على تفسير النص كوسيلة للتخلص منه وذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم»!
كما تقول.
وكأن المرنيسي كانت تقوم بإسقاط منهجها النسوي
على الصحابة ثم تقوم بالربط بين الآيات التي تعطي النساء الحق في الميراث؛ (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء) (النساء:
5)، فتأتي لآراء بعض المفسرين الذين ذكرهم الطبري ممن قالوا: إن السفهاء هم
النساء لكي تدعي أنه بهذا التفسير أبطلوا حق النساء في الإرث!
والتاريخ الإسلامي يشهد أنه لا الفقهاء ولا
المفسرين منعوا النساء من الإرث منذ نزلت آياته، فهي قضية متخيلة تماماً، نعم بعض الرجال
اندهشوا لكنهم لم يكن أمامهم إلا التسليم.
أعرضت الكاتبة عن التطبيق الفعلي للآية وعن
رأي الطبري، وابن عباس، والكثيرين ممن رفعوا اللبس عن المعنى المقصود، بل وتجاهلت أسباب
النزول التي تأخذ بها المرنيسي فقط عندما تريد دعم رأيها المسبق، وهذا ما قامت به في
المنهجية الذكورية الثانية التي يمكن أن نطلق عليها «الضغط الذكوري على إله المسلمين
ونبيهم»!
فمن خلال عمر بن الخطاب الناطق باسم المقاومة
الذكورية كما تصفه المرنيسي! تم فرض آية الحجاب التي أنهت حلم النبي المساواتي عن طريق
إلغاء الحدود بين الخاص والعام!
تم استغلال انتشار المنافقين الذين يتعرضون
للمؤمنات عندما يخرجن في الليل لقضاء الحاجة، فكانت الحاجة للأمن وسد الذريعة السبب
في نزول آيات الحجاب، لكن المرنيسي تقوم بخلط مجموعة أخرى من الأمور غير المتجانسة،
فهزيمة المسلمين في «أُحد» وخوفهم أثناء «الخندق» أضعف النبي صلى الله عليه وسلم عسكرياً،
و«حديث الإفك» وما مثل من ضغط نفسي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تحليل نفسي رديء
للنبي صلى الله عليه وسلم العجوز المنهك! بينما الاتهام الباطل نال شاباً في ريعان
شبابه كزوجات النبي صلى الله عليه وسلم الشابات والمرموقات، فتم استغلال مشاعر الخوف
لتكريس اللامساواة وفرض الحجاب كما أراد عمر بن الخطاب!
الموقف من الحديث
لم ترفض المرنيسي الحديث كله كما يتصور البعض،
وإنما قامت برفض بعض الأحاديث والقبول بالبعض الآخر بطريقة لا علاقة لها بالمنهجية
العلمية، فبينما تشكك في قدرة الصحابة على التذكر بعد مرور نحو 25 سنة مثلاً على واقعة
ما مثل الصحابي أبي بكرة راوي حديث: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، بل تشكك في دوافعه
للتذكر.
وبينما تشكك في كل ما رواه الصحابي أبو هريرة،
وترى أنه كان لديه مشكلات نفسية متعلقة بالنساء تجعله يروي مثل هذه الأحاديث، ثم هي
لا تقدم أي دليل علمي يبرهن على ذلك إلا بعض الأفكار المتعسفة، كأن يقول: «أنا أبو
هر»، أو كونه يساعد في تقديم بعض الخدمات لبيوت النبي صلى الله عليه وسلم، فاعتبرت
ذلك دليلاً على عقد نفسية دفينة تمنع أخذ الحديث عنه!
بينما تتعامل مع الأحاديث التي جاءت لتخدم
فكرتها كحقيقة مؤكدة حتى لو كان راويها قائد المقاومة الذكورية كما تصف عمر بن الخطاب!
الأدهى أن المرنيسي تتعامل مع كتاب الأغاني
كأنه حقائق تاريخية، وتحتج به، بل وصل الأمر أنها حاكمت هارون الرشيد وحريمه بناء على
حكايا «ألف ليلة»!
فإذا أردنا أن نلخص جوهر منهج المرنيسي فيكون «عمل تنقيبات منهجية في الأدب الديني سوف يغني نظرتنا للنصوص القديمة التي تركن حتى الآن لرجال اللاهوت والقانون وحدهم وهم ليسوا معنيين بالضرورة بالمنظورات المساواتية تلك التي تهمنا»(3).
اقرأ أيضاً:
لماذا لا تكون المرأة نبياً أو رسولاً؟!
التأويل النسوي للقرآن الكريم
كيف يتعامل المربُّون مع أطروحات النسوية الإسلامية؟
___________________
(1) الحريم
السياسي، فاطمة المرنيسي، ص39.
(2) المرجع السابق، ص166.
(3) المرجع السابق ، ص185، 186.