«مؤسسة غزة الإنسانية».. أداة أمريكية لتقويض غزة عبر المساعدات المشروطة

سيف باكير

22 يونيو 2025

179

بينما كانت الأمم المتحدة تحذر من مجاعة جماعية في قطاع غزة، ظهرت ما تُعرف بـ«مؤسسة غزة الإنسانية» بوصفها مبادرة جديدة لتوزيع المساعدات، لكن خلف هذا الاسم الإنساني البراق، تبرز شبكة معقدة من المصالح العسكرية والسياسية والأمنية، تديرها شخصيات ذات ارتباط مباشر بالمؤسسة العسكرية الصهيونية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، في تجاوز صريح لكل الأطر الإنسانية المتعارف عليها دولياً.

منصة إذلال أم مركز إغاثة؟ قراءة في المخطط الصهيوأمريكي برفح |  Mugtama
منصة إذلال أم مركز إغاثة؟ قراءة في المخطط الصهيوأمريكي برفح | Mugtama
في مشهد يعكس أقسى صور الإذلال الجماعي، اندفع آلاف...
mugtama.com
×

التأسيس.. التفاف على المنظومة الأممية

تأسست «مؤسسة غزة الإنسانية»، في فبراير 2025م، وهي شركة أمريكية وتتخذ من جنيف السويسرية مقراً رئيساً لها، معلنة أن هدفها يتمثل في «تخفيف الجوع في قطاع غزة» من خلال توزيع المساعدات الإنسانية مباشرة للسكان، مع وضع شرط صريح يقضي بضمان عدم وصول هذه المساعدات إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وقد بدأت أنشطتها الفعلية في الميدان أواخر مايو 2025م، وسط جدل متصاعد حول طبيعة الدور الذي تؤديه والجهات التي تقف خلفها.

بدا من الوهلة الأولى أن المؤسسة جاءت كبديل للمنظمات الأممية، في وقت كانت فيه سلطات الاحتلال تمارس تضييقاً واسعاً على عمل وكالات الإغاثة، خصوصاً وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

الاحتلال يقتل 450 في غزة خلال أقل من شهر أثناء حصولهم على المساعدات

لكن تقريراً لصحيفة «نيويورك تايمز»، كشف الخلفية الحقيقية للمؤسسة، وأوضح أن المشروع نشأ داخل تل أبيب، حين اجتمع عدد من رجال الأعمال «الإسرائيليين»، وضباط الاحتياط، بموقع مدرسة «مكفيه إسرائيل» بتل أبيب في ديسمبر 2023م، وعرفوا باسم «منتدى مكفيه إسرائيل».

وقد حمل الاجتماع عنواناً تقنياً إنسانياً، لكنه كان سياسياً عسكرياً بامتياز، حيث طرح الحاضرون خطة لتجاوز الأمم المتحدة في توزيع المساعدات، وإيجاد آلية خاصة تحت السيطرة «الإسرائيلية» والأمريكية.

بعد الحصول على دعم سياسي وعسكري «إسرائيلي»، تواصل «منتدى مكفيه إسرائيل» مع فيليب رايلي، وهو ضابط أمريكي سابق في العمليات شبه العسكرية لدى وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، ليشرف على الجوانب الأمنية للعملية.

وتم تطوير آلية عمل تعتمد على فحص هويات الفلسطينيين عبر تقنيات التعرف على الوجه والمقاييس الحيوية (البيومترية)، وهي تقنيات اقترح استخدامها الضابط «الإسرائيلي» السابق تانكمان، أحد قيادات الوحدة «8200» المتخصصة في الاستخبارات الإلكترونية.

كما انضم إلى المشروع مايكل آيزنبرغ، المستثمر «الإسرائيلي» الأمريكي، الذي عبّر مراراً عن رفضه للنظام الأممي في توزيع المساعدات، معتبراً أن آليات «الأونروا» تغذي ما سماه «شبكات المقاومة»، وتحديداً حركة «حماس»، وأن هناك حاجة لهندسة جديدة لمنظومة المساعدات في غزة، ويُعتقد أن آيزنبرغ كان من أبرز الممولين الأوائل للمشروع، وسعى لإقناع دوائر أمريكية رسمية بدعم الخطة.

«مركز التوزيع الأمريكي».. فخ صهيوني لحصد أرواح الجياع في رفح! |  Mugtama
«مركز التوزيع الأمريكي».. فخ صهيوني لحصد أرواح الجياع في رفح! | Mugtama
في جريمة تفضح زيف الادعاءات الإنسانية وتكشف عن وجه...
mugtama.com
×

آلية العمل.. توزيع مشروط وقيود أمنية

بحسب تقارير نشرتها «بي بي سي»، تقوم «مؤسسة غزة الإنسانية» بتوزيع المساعدات عبر 4 مراكز رئيسة جنوب ووسط القطاع، وتحت إشراف شركات أمريكية خاصة تؤمن هذه المراكز، بينما تسيّر قوات الاحتلال «الإسرائيلي» دوريات عسكرية في محيطها.

ويتم فحص الفلسطينيين قبل الدخول باستخدام بصمات الأصابع والتعرف على الوجوه، في إجراء يستبعد تلقائياً أي شخص تُشتبه علاقته بحركة «حماس».

ويُجبر آلاف المدنيين يومياً على عبور مسافات طويلة، مكشوفة وخطرة، للوصول إلى مراكز التوزيع، ليحصلوا في النهاية –في حال نجوا من القصف– على صناديق غذائية بالكاد تكفي لبضعة أيام.

وتشير شهادات ميدانية إلى أن بعض العائلات تضطر لإرسال أطفالها أو النساء للاحتماء من نيران القناصة؛ ما يزيد من حجم المأساة الإنسانية المحيطة بهذه الآلية.

المرصد الأورومتوسطي: «مؤسسة غزة الإنسانية» شريكة في الإبادة الجماعية

ومنذ بدء تشغيل هذه الآلية، في 27 مايو وحتى 21 يونيو 2025م، استشهد ما لا يقل عن 450 فلسطينياً، وأصيب أكثر من 3400 آخرين، أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات، وفق ما أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، ويُعتبر هذا الرقم الصادم دليلاً على فشل هذه المنظومة الإغاثية الجديدة، بل وتحولها إلى وسيلة إضافية للقمع والتجويع.

وقد أعلن مدير المؤسسة جيك وود استقالته، في 26 مايو، في بيان مقتضب قال فيه: إن المؤسسة لم تعد قادرة على الوفاء بمبادئها الإنسانية، في إشارة واضحة إلى حجم التسييس والتدخل العسكري الذي بات يطغى على عملها.

من جانبه، صرح المفوض العام لـ«الأونروا» فيليب لازاريني، خلال الدورة (51) لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، بأن آلية المساعدات الجديدة تحولت إلى فخ للموت، مضيفاً أن مليوني فلسطيني في غزة يُجردون من إنسانيتهم، وتُستخدم في حقهم أدوات التجويع والعقاب الجماعي دون محاسبة، منتقداً بشدة التجاوز الدولي عن هذه الانتهاكات، ومحذراً من أن صمت العالم يشجع على الإبادة.

وقالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في بيان: إن الاحتلال يستخدم مراكز توزيع المساعدات الواقعة تحت سيطرته كمصايد لاستدراج الجوعى، ويمارس أبشع صور القتل والإذلال والتنكيل بحقهم، مؤكدة أن إغاثة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحرب إبادة وتجويع منذ نحو 20 شهراً، وإمداده بما يلزم من مساعدات إنسانية ومواد ضرورية للحياة؛ هي حقّ إنساني، يفرض على المجتمع الدولي وقف آلية العار الدموية التي يفرضها الاحتلال المجرم.

وطالبت «حماس» المجتمع الدولي والأمم المتحدة والدول العربية والإسلامية بالتحرك لوقف هذه الجرائم الوحشية بحق الشعب الفلسطيني، والتصدي لحالة الاستهتار بالإنسان والإنسانية، والعمل لمحاسبة قادة الاحتلال المجرم ومنع إفلاتهم من العقاب.

جرائم ممنهجة وتواطؤ مباشر

المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مستقل، ومقره جنيف) حمّل «مؤسسة غزة الإنسانية» المسؤولية المباشرة عن استدراج المدنيين نحو مراكز الموت، مؤكداً أن الآلية التي تتبناها تُدار بتنسيق كامل مع جيش الاحتلال، وتحول نقاط التوزيع إلى كمائن تُستهدف فيها الحشود بالقصف والأسلحة الثقيلة.

آلاف المدنيين يضطرون لعبور مسافات طويلة مكشوفة وخطرة للوصول لمراكز التوزيع

وفي بيان صحفي، أكد المرصد أن المؤسسة تتحمل مسؤولية قانونية وجنائية عن مقتل مئات المدنيين خلال أسابيع قليلة، وأن استمرارها في العمل رغم توثيق هذه الجرائم يُعد تواطؤاً في الإبادة الجماعية، مطالباً بفتح تحقيق دولي مستقل، ووقف جميع أشكال الدعم للمؤسسة، وإدراجها في القوائم السوداء للمنظمات المتورطة بانتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي.

وأضاف المرصد أن المدنيين يُجبرون على السير لمسافات طويلة قرب محور نيتساريم ومدينة رفح، ليواجهوا القصف العشوائي من الطائرات والمدفعية، مشيراً إلى أن الروايات «الإسرائيلية» عن استهداف مشتبه بهم لا تستند إلى أدلة، وأن معظم الضحايا من النساء والأطفال وكبار السن.

تجربة «مؤسسة غزة الإنسانية» تكشف انحداراً خطيراً في العمل الإغاثي الدولي، حين تتحول المساعدات إلى أدوات للفرز الأمني، ويُقايض الجائع على حياته بلقمة خبز مشروطة بالولاء، فقد تحولت هذه المؤسسة، التي رُوّج لها كأمل لسكان غزة، إلى نموذج إجرامي في توظيف العمل الإنساني لخدمة أجندات الاحتلال، وانتهت لتكون جزءاً من منظومة القتل الجماعي والتجويع الممنهج.

وفي وقت تُمنع فيه «الأونروا» والمنظمات المحايدة من الوصول إلى السكان، تبقى غزة رهينة مساعدات مشروطة، وأرواح تُحاصر بين نار القصف وجوع الإذلال، وسط غياب العدالة الدولية، وتواطؤ صريح تُختم به صفحات إنسانية كانت –في زمن ما– تحاول أن تحمي الضعفاء.

الرابط المختصر :

كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة