22 فبراير 2025

|

إدارة ترمب.. ومقاربة جديدة للملف السوداني

وائل علي

20 فبراير 2025

904

عاد ترمب إلى البيت الأبيض مظفراً بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي على عكس ترجيحات استطلاعات الرأي؛ فارتبكت حسابات النخب السياسية السودانية، وهي التي كانت تتوقع استمرار الإدارة الديمقراطية السابقة عبر نائبة بايدن؛ كمالا هاريس، وأزمة التعامل مع ترمب أنه رئيس لا يمكن التنبؤ بأفعاله، فهو لا يعتمد على تقارير المؤسسات الأمنية ومراكز التفكير الأمريكية، بل على قناعته الشخصية ووعوده الانتخابية، وبمنطق الصفقة التجارية.

إدارة ترمب والقطيعة مع إدارة بايدن 

تختلف إدارة الرئيس ترمب في مقاربتها بكل الملفات مع إدارة بايدن، فالأولى تجعل المصالح القومية لأمريكا أهم أولويات السياسة الخارجية، بينما الأخرى كانت تقدم قضايا مثل التنوع الثقافي وحقوق الأقليات على بعض ملفات الأمن القومي الأمريكي، ومن هنا نعلم أن وصول الرئيس ترمب زلزال في السياسة الخارجية ليس في أمريكا فقط، بل في كل العالم 

كيف ترى إدارة ترمب السودان 

ترى إدارة ترمب السودان من خلال التركيز على حماية المصالح القومية للولايات المتحدة، وتقليل التورط المباشر في نزاعات السودان المستمرة؛ وذلك عبر احتواء النفوذ الصيني والروسي بمنع المحاولات الروسية لإقامة قواعد عسكرية على البحر الأحمر؛ لأن ذلك يعتبر تهديداً للأمن القومي الأمريكي ومصالحه البحرية في المنطقة، ودعم حكومة مستقرة وغير معادية للولايات المتحدة تستمر في التطبيع مع «إسرائيل» و«الاتفاق الإبراهيمي» لضمان عدم تحول السودان إلى ملاذ آمن لمن تصفهم الولايات المتحدة بالإرهابيين الذين ينشطون في منطقتي الساحل الأفريقي والقرن الأفريقي.

كيف دمرت إدارة ترمب حكومة حمدوك؟

يمكن القول: إن إدارة ترمب تسببت في تدمير الاقتصاد السوداني خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت البشير، وتحريك الشارع ضد حكومة حمدوك عندما أجبرت حكومة مفلسة على دفع تعويضات باهظة إلى أسر ضحايا المدمرة كول وتفجير السفارات وأسر أحداث 11 سبتمبر في شكل يشابه ما حدث للحكومة الألمانية ما قبل هتلر التي أجبرتها الدول الأوروبية على دفع تعويضات الحرب؛ ما تسبب في سقوط الحكومة الألمانية وفتح الطريق أمام هتلر للوصول إلى الحكم. 

فانخفضت قيمة الجنيه السوداني من 60 جنيهاً أمام الدولار في آخر أيام البشير، إلى 480 جنيهاً في عهد حكومة حمدوك؛ ما تسبب في تحرك الشارع ضد الحكومة وتأييد الجيش لهذه التحركات؛ الأمر الذي قوض بشكل كامل المرحلة الانتقالية، ولذلك يمكن القول: إن ترمب هو الذي أسقط التجربة الانتقالية في السودان. 

تاريخ صعب في التفاوض مع ترمب

كان بداية تعامل ترمب مع الملف السوداني عندما اتخذ قرار رفع العقوبات التنفيذية عن السودان، مقابل عدم التعامل مع كوريا الشمالية ومكافحة الإرهاب في عام 2017م، وهي خطوة لم يقم بها أي رئيس أمريكي سابق، بل كانت تلك العقوبات تستخدم للضغط على الحكومة السودانية السابقة لتقديم تنازلات باستمرار مرة لقطع العلاقات مع إيران، ومرة أخرى لتوقيع السلام مع جنوب السودان. 

ورغم أن السودانيين استبشروا خيراً بخطوة ترمب، لكن تبين أن قرار رفع العقوبات كان بدون تأثير؛ لأن السودان ظل في قائمة الدول الراعية للإرهاب لتبدأ مفاوضات ماراثونية بين الحكومة السودانية وإدارة ترمب التي أصبحت تطالب بمزيد من التنازلات السياسية والاقتصادية، وهو الشيء الذي فشل فيه نظام البشير لتأتي ثورة ديسمبر 2018م بإرادة سودانية مختلفة وفكر جديد، لكن إدارة ترمب ظهر أنها لم تكن ترحب بالثورة على البشير، وكانت الإدارة الأمريكية آخر المهنئين للشعب السوداني. 

دخلت الحكومة السودانية الانتقالية في مفاوضات ماراثونية مع إدارة ترمب من أجل رفع اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب، إلا أن إدارة ترمب كانت تستخدم مع السودان طريقة المائدة المتحركة؛ حيث كلما نفذ السودان خطوة كانت الإدارة الأمريكية تطالب بالمزيد، حتى استطاع رئيس مجلس السيادة السوداني مقابلة رئيس الوزراء «الإسرائيلي» في أوغندا، وقد تبين له أن الجهة التي تعرقل المفاوضات السودانية الأمريكية هي «إسرائيل»، وأظهر لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» استعداده للحوار مع «إسرائيل»، عند ذلك أعلنت إدارة ترمب عن مطالبها الحقيقية؛ وهي التطبيع مع «إسرائيل»، ودفع تعويضات لضحايا هجمات إرهابية مقابل رفع اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب. 

إدارة ترمب وتحديات مواجهة الحرب السودانية 

لم يتحدث ترمب عن الملف السوداني خلال حملته الانتخابية إطلاقاً، وذلك يشير إلى أن ملف الحرب السودانية الذي لم يعتبر أولوية لدى إدارة بايدن السابقة سيكون بنفس الحال في فترة ترمب، مع وجود فارق ربما يكون فيه مصلحة للسودانيين؛ وهو ترمب يرى أن التدخل المباشر في النزاعات قد يؤدي إلى زيادة تعقيدها، ويدعو في مثل هذه الحروب الأهلية إلى تشجيع الحلول السياسية المحلية، ودعم جهود الوساطة التي تقوم بها الدول الإقليمية مثل مصر، والمنظمات الدولية مثل الاتحاد الأفريقي والإيقاد، على عكس إدارة بايدن التي كانت تهدد عبر مجلس الأمن والفصل السابع، وقد يكون هذا الشيء إشارة جيدة رادعة لمليشيات «الدعم السريع» ينهي محاولاتها التهرب من تنفيذ اتفاق جدة عام 2023م.


كلمات دلاليه

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة