23 فبراير 2025

|

الحقوق السياسية لغير المسلمين في الدولة الإسلامية

عامر شماخ

20 فبراير 2025

922

أسهب التشريع الإسلامي في بيان حقوق غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، كإخوة لنا في الإنسانية ويضمنا وطن واحد، ويُسمَّوْن «أهل الذمة»، والذمة تعني العهد والحماية، سُمُّوا بذلك لعهد الله ورسوله وجماعة المسلمين أن يعيشوا بيننا آمنين؛ وعلى هذا فالذمّيُّ، كما قال فقهاؤنا: مواطن من «أهل دار الإسلام» يحمل جنسية بلده الإسلامي.

وتحت مظلة الكرامة الإنسانية وعهد الذمة وجب معاملة هؤلاء الناس بالحسنى؛ (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة: 8)، وحماية أنفسهم وأبدانهم وأموالهم وأعراضهم، وعدم التعرض لما يعتقدونه؛ (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة: 256)، وعدم ظلمهم؛ «ألا مَن ظلم مُعاهَدًا، أو انتقصه، أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طِيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة» (أبو داود)، ويسوّي الإسلام بين الذمِّيين والمسلمين في كل شيء إلا فيما يتصل بالعقيدة، فلكلٍّ معتقده، وقاعدة الإسلام في ذلك: لهم ما لنا وعليهم ما علينا.

حقوق عامة

رتَّب الشرع الحنيف العديد من الحقوق العامة لغير المسلمين في دولة الإسلام؛ فأعطاهم الحق فيما يدينون، ونهى عن حملهم على ترك عقائدهم، أو إجبارهم على الإيمان؛ (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس: 99)، ولهم بذلك الحق في ممارسة شعائرهم، وإحياء طقوسهم من زواج وميراث، كما لا يُعاقبون فيما يرونه حلالًا في شرعهم، ويشهد الواقع بأن الأقليات غير المسلمة في بلداننا حظيت بحرِّية في هذا الجانب لم تحظ به أقلية أخرى على مدار التاريخ.

وللذمي في ظل دولة الإسلام الحق في العمل والتجارة والكسب المشروع، وأن يُحمى مالُه فيُحرم أخذُه أو الاستيلاء عليه بغير وجه حق؛ «ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله، على أموالهم وملتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير) (البيهقي)، وأن يُدفع عنه شبح البطالة إن وُجد، وأن تؤمِّنه الدولة في حالات الفقر والعجز والمرض، وألّا تفرض عليه ما يرهقه، وله الحق في الحصول على قسط وافر من التعليم، وله الحق في الرعاية الصحية وفي العلاج على نفقتها.

حقوق المواطنة

ولا تعارض -من ثمَّ- بين ما رتّبه الشرع لغير المسلم من حقوق وبين ما جاءت به «المواطنة الحديثة»، بل تبدو قيم المواطنة الثلاث: الحرية والمساواة والمشاركة، أكثر تحققًا في النظام الإسلامي عن أي نظام آخر، فللفرد في دولة الإسلام حقوق شخصية وقضائية وسياسية وفكرية إلخ، جاءت صريحة في آيات القرآن وسُنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان «دستور المدينة» تطبيقًا عمليًّا لهذه القيم؛ إذ اعتبر اليهود مواطنين من مواطني الدولة الإسلامية، وجعل حرياتهم مصونة، وجعل الجميع آمنين على أنفسهم، ونصَّ على تحقيق العدالة والمساواة بين كل طوائف المدينة، مسلمين وغير مسلمين.

بل تتجاوز قيم الإسلام في حقوق الإنسان –أي إنسان- قيم المواطنة المعاصرة بكثير؛ فأفسحت له الحرية في الرواح والمجيء، وحمايته من أي اعتداء، وعدم جواز القبض عليه أو معاقبته إلا بمقتضى الشرع، وأعطاه الشرع الحق في الحياة، وحرّم إيذاءه وتعذيبه، أو أن توجه إليه إساءة، أو يُؤاخذ بشبهة، أو يتم تخويفه أو إرهابه أو التجسس عليه، ولبيته حُرمة لا يجوز انتهاكها.، إلخ هذه الحقوق، أما من يدّعون أن تطبيق الشريعة يتنافى مع مبدأ المواطنة فهذا عين الباطل؛ فإن أحكامها لا تُقدَّم لغير المسلمين كدين يؤمنون به، بل تقدم كقانون إصلاح مجتمعي، وهو حق الأمة، أما حرية عقائدهم وعباداتهم وشعائرهم فهي مكفولة لهم –كما سبق.

الحقوق السياسية

في دولة الإسلام ليس هناك تمييز بين مواطنيها في الحقوق والواجبات على أساس الدين أو اللون أو الجنس أو العرق، بل الجميع سواسية أمام قوانين الدولة، وفرصُهم فيها متكافئة، وهذا مما يحقق العدالة ويعمّق الانتماء، وعلى هذا الأساس فلغير المسلم حقوق سياسية، يُمْنَحُها باعتباره مواطنًا، ويمارسها كشريك في الارتقاء بوطنه، ومن هذه الحقوق:

- حق الانتخاب والترشُّح: فللذمي الحق في اختيار من يمثله لمباشرة سلطات عامة، فيشارك –كمواطن ودون الإضرار بهُوية الدولة- في انتخاب رئيس الدولة، وأعضاء البرلمان، وأعضاء المجالس المحلية والبلدية وغيرها، كما له حق الترشح للمناصب العامة فيما عدا رئاسة الدولة؛ للإجماع الفقهي على ذلك استنادًا إلى قول الله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) (النساء: 41)، فيمكنه الترشح للبرلمان والمجالس المحلية وما شابهها.

- الحق في التعبير وإبداء الرأي: تضمن الدولة الإسلامية لمواطنها غير المسلم حرية التعبير والمعارضة وإبداء الرأي، ضمن الضوابط الشرعية ودون إساءة لثوابت الأمة أو تهديد السلم العام، فله حق النقد والمشاركة في الحوار المجتمعي بما يثري القرار العقل الجمعي ويحرره من الخوف وسيطرة الآخرين، والإسلام –في جميع الأحوال- حريص على تقوية أعضاء مجتمعه، مسلمين وغير مسلمين؛ «لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا» (رواه الترمذي).

- الحق في تشكيل الأحزاب: في إطار الدولة الإسلامية يمكن لغير المسلمين تشكيل أحزاب ومنظمات مجتمع مدني، باعتبارها من الأركان الأساسية في الدول المعاصرة، وتعد جزءًا من حقوق الإنسان التي تكفل حرية التعبير والتجمّع، وكأداة من أدوات تداول السلطة التي تسهم في التعددية والمشاركة في صنع القرار، غير أنه يُشترط أن يكون ولاء تلك الأحزاب للنظام الإسلامي القائم، محافظةً على استقرار ووحدة الدولة بما يضمن عدم تهديد الأمن العام أو النظام الدستوري.

- الحق في تولي الوظائف العامة: الغرض من الوظيفة العامة هو مصلحة الأمة، وتقوم على مبدأ تكافؤ الفرص والحقوق المتساوية للمواطنين، وبالتالي فلغير المسلم الحق في أن يتولاها، وباستثناء الولاية العامة الكبرى، وهي بالمصطلح الحديث الوظائف السيادية، وهي رئاسة الدولة (أو الخلافة) ورئاسة الحكومة والجيش ووظائف القضاء والوظائف الدينية –يجوز إشراك الذميين في تحمّل أعباء الدولة وإسناد الوظائف العامة إليهم، وذلك إذا تحققت فيهم شروط الكفاية والأمانة والإخلاص للنظام الإسلامي.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة