الخيارات الأردنية الصعبة في مواجهة الأطماع الصهيونية

محمد العودات

07 أكتوبر 2025

472

رغم تأكيدات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أنه لن يدعم ضم الضفة الغربية لـ«إسرائيل»، ورغم تصريحات رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو أن الوقت غير مناسب لضم الضفة الغربية، فإن الحكومة «الإسرائيلية» في سباق مع الزمن لضم الأرض ولتحقيق التفوق الديموغرافي الصهيوني على الوجود الفلسطيني.

تدرك الحكومة «الإسرائيلية» أن التفوق الديموغرافي عنصر حاسم في جميع تجارب الاحتلال الاستيطاني عبر التاريخ؛ ففي جميع التجارب عندما كانت ديموغرافيا السكان الأصليين تتفوق على المحتل، استطاع سكان تلك الدول إنهاء الاحتلال رغم امتداده لقرون طويلة، أما في الحالات التي تفوقت فيها ديموغرافيا المستعمرين على السكان الأصليين، تمكن فيها المحتل من إقامة أنظمة سياسية ودمج السكان الأصليين تحت سيطرتهم أو التخلص منهم؛ ما يدفع الحكومة «الإسرائيلية» إلى السعي المحموم لضم الضفة الغربية والتهام الأرض والتخلص من الكتلة السكانية الفلسطينية.

أطماع توسعية معلنة ضد الأردن

لم يعد الحديث عن الأطماع الصهيونية مجرد تحليلات تقوم بها جهات سياسية أو أكاديمية، فما يُقال على لسان أعضاء الحكومة «الإسرائيلية» من رئيسها إلى جميع أعضاء حكومة اليمين المتطرف يكشف بوضوح عن أطماع الصهيونية في الضفة الغربية وبناء «إسرائيل الكبرى» من النيل إلى الفرات، ففي هذا الصدد صرح رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية وقال: «أشعر أنني في مهمة تاريخية وروحانية، فأنا مرتبط جدًا برؤية «إسرائيل الكبرى» التي تشمل فلسطين وجزءًا من الأردن ومصر»، كما صرح في فبراير الماضي أنه يسعى مع الإدارة الأمريكية الحالية لتغيير وجه الشرق الأوسط.

كما تشير وثائق مسرّبة ومراسلات تبادلها الوزير الصهيوني المتطرف سموتريتش مع مؤسسات «إسرائيلية» مختلفة، يسعى فيها لطرح خطة تعتبر كل من يحمل وثيقة أردنية، بما في ذلك جوازات السفر الأردنية المؤقتة أو غير المزودة برقم وطني، بمثابة «مقيم غير شرعي» في أراضي الضفة الغربية التي يسعون لضمها، وكما في وقت سابق اعتلى سموتريتش منصة عليها ما تُسمى «خارطة أرض إسرائيل» تتضمن الأردن لإلقاء كلمة له في باريس.

فيما اقتحم الوزير بن غفير المسجد الأقصى عدة مرات، ويطالب بإنهاء الوصاية الأردنية ويرفض أي تطمينات تُعطى للأردن بخصوص الوصاية الهاشمية على المقدسات الدينية في القدس؛ إذ صرح بن غفير: «أنا لا أدير سياستي وفقًا للأردن»، وأضاف: «صعدت وسأواصل الصعود إلى الحرم القدسي، هو المكان الأكثر أهمية للشعب اليهودي».

أعضاء الحكومة «الإسرائيلية» يهددون الأردن تهديدًا مباشرًا من خلال التصريح بالأطماع في الأرض الأردنية واستكمال إقامة دولة «إسرائيل» عليها، كما يصرحون برغبتهم بإنهاء الوصاية الهاشمية على المقدسات الدينية ورغبتهم في تهجير الشعب الفلسطيني من الضفة إلى الأردن وأنه لا دولة فلسطينية تقام غرب نهر الأردن.

وضع الضفة الغربية وانعكاسه الخطير على الأردن

تشكل الضفة الغربية 22% من مساحة فلسطين التاريخية؛ إذ عملت «إسرائيل» على تجزئة أراضي الضفة الغربية إلى 3 أوضاع قانونية بموجب اتفاقية أوسلو؛ منطقة «أ» وتشكل 18% من مساحة الضفة الغربية وتخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية مدنيًا وأمنيًا؛ منطقة «ب» تشكل 21% من مساحة الضفة الغربية وتخضع لسيطرة مدنية فلسطينية وأمنية مشتركة فلسطينية-«إسرائيلية»؛ ومنطقة «ج» تشكّل 61% من مساحة الضفة الغربية وتخضع لسيطرة «إسرائيلية» مدنيًا وعسكريًا.

بخصوص الديموغرافيا، يبلغ عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية حوالي 3.5 ملايين نسمة، يتوزعون ديموغرافيًا؛ إذ يقيم 90% من سكان الضفة الغربية في المنطقتين «أ» و«ب»، بينما يعيش 10% فقط من الفلسطينيين في المنطقة «ج».

رغم أن حكومة اليمين «الإسرائيلي» لم تحدد بوضوح أطماعها المرحلية في مناطق الضفة الغربية التي تسعى إلى بسط سيادتها القانونية عليها وضمها إلى دولة «إسرائيل»، فإن طبيعة العمل «الإسرائيلي» المتدرج وطويل الأمد، ووضوح الخريطة الديموغرافية والجغرافية، يشيران إلى أن الحكومة ستبدأ بالخطوة الأولى والأقل تكلفة سياسيًا والأكثر تحقيقًا للمكاسب الجغرافية.

فمن المرجح أن تركز «إسرائيل» على ضم أراضي المنطقة «ج»، التي تتميز بمساحتها الواسعة وقلة كثافتها السكانية، وستكون المشكلات والإفرازات السياسية السلبية على الحكومة «الإسرائيلية» أقل كلفة؛ إذ إن عدد السكان الذين يعيشون على تلك البقعة الجغرافية، والذين يقدَّر عددهم بنحو 300 ألف فلسطيني، تخطط «إسرائيل» للتعامل معهم بعدة أوضاع قانونية، وأهمها تهجير بعضهم إلى الأردن، وخاصة من يحمل «الكرت الأصفر» مع الجنسية الأردنية، أو الذين يحملون «الكرت الأخضر» ويحملون جواز السفر الأردني بدون رقم وطني، وما تبقّى من هذا العدد يمكن أن تقوم «إسرائيل» بمنحهم الجنسية «الإسرائيلية» على غرار عرب الـ48، أو منحهم إقامة دائمة على غرار الحالة القانونية التي مُنحت للفلسطينيين في القدس الشرقية، أو التعويض المالي المناسب لتسهيل نزوحهم داخل أراضي الضفة الغربية إلى المناطق «أ، ب»، أو تسهيل هجرتهم الطوعية إلى أوروبا وأمريكا والدول الحليفة لـ«إسرائيل».

وفي الوقت نفسه محاصرتهم اقتصاديًا على الأراضي الخاضعة للضم، كما لا يستبعد أن تعمد «إسرائيل» إلى تهجير ما تبقّى منهم قسريًا إلى الأردن من خلال الاعتداء المباشر على الأراضي الأردنية في الغور واحتلالها وترحيل تلك الأعداد إلى تلك المناطق المحتلة، ومن ثم الانسحاب.

خيارات الأردن في مواجهة الأطماع «الإسرائيلية»

قد تبدو الخيارات الأردنية في مواجهة الأطماع «الإسرائيلية» محدودة وصعبة وقاسية جدًا، ويمكن إجمال هذه الخيارات بالتالي:

1- الاعتماد على تدخل الولايات المتحدة الأمريكية من أجل كبح جماح حكومة اليمين «الإسرائيلي» في سياساتها التوسعية ومنع ضم الضفة الغربية، رغم تعهد ترمب الأسبوع الماضي أنه لن يسمح لـ«إسرائيل» بضم الضفة الغربية، إلا أن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» قال: إنه ليس من المناسب الآن ضم الضفة، وهذا يعني أن الظرف الزماني هو العائق وليس المبدأ، فمن يرصُد سلوك الرئيس الأمريكي يجد أن ترمب لا يمكن الاعتماد عليه في تحقيق السلام ولا إقامة دولة فلسطينية، كما أنه متقلب في تصريحاته ومواقفه، مما يترك هذا الملف مفتوحًا على كل الاحتمالات التي تضر بالدولة الأردنية وتهدد هويتها ووجودها.

2- إلغاء اتفاقية «وادي عربة»، اتفاقية السلام بين الأردن و«إسرائيل» التي مضى عليها 3 عقود وصفها وزير الخارجية الأردني بأنها «وثيقة على الرف يملؤها الغبار»، تلك المعاهدة التي لم تحترم «إسرائيل» بنودها فيما يتعلق بالمياه والأمن والاقتصاد؛ وهذه الوثيقة ولّدت عنها مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية أبرزها استيراد الغاز واتفاقية الطاقة مقابل المياه التي لم تنفذ بسبب الحرب على غزة.

خيارات الأردن فيما يتعلق بطرح اتفاقية «وادي عربة» من جديد على الطاولة تبدو ورقة غير مجدية وغير واقعية في مواجهة «إسرائيل»؛ لأن إلغاء هذه الاتفاقية سوف يضع الأردن في موقف دبلوماسي صعب مع الإدارة الأمريكية والحكومات الأوروبية، وسوف يضغط على الأردن في ملف المياه والطاقة ويفتح شهية اليمين الصهيوني في التحرك من أجل خوض حرب التوسع الجغرافي على حساب الأردن، خصوصًا في ظل الاختلال في القوة العسكرية، بالإضافة إلى الإشكاليات الأمنية على الحدود الغربية، التي تُعتبر أكبر خط حدودي بين «إسرائيل» والحدود العربية.

3- زيادة الضغط والتصعيد الدبلوماسي ضد «إسرائيل»، يبدو حتى الآن هذا الخيار الأكثر فاعلية بيد الأردن؛ فما يقوم به وزير الخارجية الأردني يشكل حالة من الصداع السياسي لـ«إسرائيل» ويعري موقف اليمين المتطرف، صحيح أن هذا الجهد وهذا التصعيد يؤثر في الحكومات الأوروبية، لكنه بالوقت نفسه الخيار الذي وتر العلاقة بين أمريكا والأردن؛ ما يجعل هذا الخيار محدود الفاعلية رغم أهميته، فالتصعيد الدبلوماسي إذا لم يملك أوراق ضغط عسكري أو اقتصادي يبقى عملاً مقلقاً للكيان، لكنه لا يترك أثرًا على أرض الواقع في ظل وجود إدارة أمريكية داعمة لـ«إسرائيل» بشكل كبير.

4- إعلان الحرب، هذا الخيار الذي لوّح به وزير الخارجية الأردني أكثر من مرة بأن التهجير يشكل للأردن إعلان حرب، كما صرّح العاهل الأردني قبل أيام أنه إذا استمر العدوان على غزة فكل الخيارات مفتوحة ولن يقف الأردن مكتوف الأيدي.

لكن خيار استخدام القوة العسكرية تجاه «إسرائيل» يشوبه الكثير من التوجّس في ظل اختلال ميزان القوة وخصوصًا قوة السلاح والدفاع الجوي؛ فـ«إسرائيل» تتفوّق تفوّقًا كبيرًا من خلال ما تمنحها أمريكا من تكنولوجيا متطورة في الهجوم والدفاع الجوي، كما أن الوضع العربي المحيط يجعل الأردن مكشوف الظهر في أي صدام عسكري مع الكيان، رغم أن للأردن تجربة مواجهة مسلحة مع الكيان الصهيوني وانتصار في حرب الكرامة عام 1968م، فإن الظرف السياسي والقدرات تغيّرت كثيرًا؛ ما يجعل الأردن يفكر بحذر شديد جداً في هذا الخيار عندما يصبح لا بديل عنه لحماية الجغرافيا والديموغرافيا الأردنية وينعدم أمامه خيارات أخرى أقل تكلفة.

الخيارات الأردنية خيارات صعبة أحلاها مرّ، ووعود ترمب بمنع ضم الضفة الغربية لا ضامن لها في ظل رئيس كثير التقلبات في المواقف؛ ما يتوجب على الأردن الإعداد بشكل جيد لخيارات المواجهة مع «إسرائيل» وإعطاء هذا الخيار اهتمامًا كبيرًا في المرحلة القادمة، والإعداد له بشكل جدي مع التنوع في مصادر السلاح وتهيئة الساحة الداخلية لمثل هذا الخيار الصعب والحساس فأطماع «إسرائيل» التوسعية انفلتت من عقالها.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة