القضية الفلسطينية في ظل التحولات العالمية الكبرى

القضية الفلسطينية إحدى القضايا الدولية المعقدة التي تمتد لعقود طويلة من الزمن، قضية تاريخية تتعلق بحقوق الفلسطينيين ووجودهم في دولتهم فلسطين المحتلة ومنطقة الشرق الأوسط، وتُعتبر واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في العالم، حيث تعكس التاريخ الطويل من النزاع والتوتر بين الفلسطينيين والصهاينة، وتترك آثاراً عميقة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
في السنوات الأخيرة، شهدت الساحة السياسية العالمية تحولات كبيرة أثرت على قضية فلسطين، بدءاً من تغيُّرات في السياسة العالمية الأمريكية والأوروبية، وصولاً إلى تغيرات في علاقات الدول العربية مع دولة الكيان، وما واكبها من أحداث سواء على صعيد الضفة الغربية والتغول الصهيوني على الأرض والإنسان الفلسطيني والتوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي، أو على صعيد قطاع غزة بعد حرب الإبادة التي شنتها دولة الكيان وجيشها النازي على كل مناحي الحياة بدعم أمريكي لا محدود وتواطؤ غربي.
أولاً: التحولات السياسية العالمية:
- التحولات الأمريكية: يلاحظ المتابع لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وموقفها من القضية الفلسطينية بشكل عام، ومن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بشكل خاص، أنها اتسمت بسمات أساسية على مدار أكثر من 6 عقود خلت، يمكن وصفها بقلة المتغيرات وقوة الثوابت، وقد ارتبط ذلك بمجموعة من الاعتبارات والمصالح الإقليمية والدولية للولايات المتحدة الأمريكية، وقد عملت على احتواء الصراع العربي– الصهيوني، وبالتالي جوهره المتمثل بالقضية الفلسطينية، وذلك لتحقيق الأهداف المختلفة، وفي مقدمتها الحفاظ على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
كلما توطدت علاقات الإدارات الأمريكية مع دولة الكيان تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية
ويمثل موقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة من قضية الفلسطينية انعكاساً لمدى العلاقة مع دولة الكيان، فكلما توطدت علاقة الإدارة معها؛ تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وبقيت أسيرة الصراع الدائر بين قوى الضغط المؤيدة لدولة الكيان والإدارات الأمريكية المتعاقبة لجهة دعم المواقف الصهيونية؛ ما أثر على فرص السلام، وزاد من التوترات في المنطقة.
- السياسات الخارجية الأوروبية: الحقيقة الثابتة في موقف الأوروبيين أنهم يتحملون المسؤولية التاريخية والأخلاقية والقانونية الكاملة عن نشوء القضية الفلسطينية، وقيام دولة الكيان على أنقاض الشعب الفلسطيني وأرضه بشكل مخالف لكل الأعراف والقوانين الدولية.
فمنذ تأسيس كيانهم المزعوم ودولتهم المغتصبة بعد قرار «وعد بلفور» المشؤوم، مروراً بقرار التقسيم، ثم إعلان دولة الكيان واحتلال الأرض الفلسطينية، وصولاً إلى أيامنا الراهنة والدعم اللامحدود لدولة الكيان والتصريحات العنصرية ضد الشعب الفلسطيني وحق دولة الكيان في الدفاع عن نفسها، في تجاهل واضح لحقوق الشعب الفلسطيني وإنكار عدالة القضية الفلسطينية.. رغم إدراكهم ذلك، تجعل من أوروبا ومن خلفها المجتمع الدولي مسؤولين عن تهجير الشعب الفلسطيني وقتله وسلب واغتصاب أرضه وتفجير منطقة الشرق الأوسط بكاملها، وتعريضها للحروب المستمرة وعدم الاستقرار.
الأوروبيون يتحملون المسؤولية التاريخية والأخلاقية والقانونية الكاملة عن نشوء القضية الفلسطينية
- الصين وروسيا: تؤدي الدولتان دوراً متزايداً في الشرق الأوسط، حيث تحاولان تقديم بدائل للنفوذ الأمريكي التقليدي، وقد أعربتا عن دعمهما للقضية الفلسطينية.
- أزمات العالم المعاصر: النزاعات في أوكرانيا، والأزمات الاقتصادية، وتأثير التغير المناخي، كلها قضايا قد تؤثر على أولويات الدول في التعامل مع القضية الفلسطينية.
ثانياً: التحولات العربية والإسلامية:
- «الربيع العربي»: أدت الثورات التي شهدتها الدول العربية عام 2011م إلى تغييرات في الأولويات السياسية، حيث أصبح الاهتمام بقضايا الداخل أكثر من القضايا الإقليمية، وهذا أثّر على الدعم التقليدي الذي كانت توفره بعض الدول العربية لفلسطين، بالإضافة إلى ظهور قيادات جديدة قد تكون أقل انشغالاً بالقضية.
- التطبيع العربي مع دولة الكيان: قيام بعض الدول العربية بتطبيع العلاقات مع دولة الكيان، أثر على التضامن العربي التقليدي مع القضية الفلسطينية، هذا التطبيع قد يُعتبر تراجعاً في وضع فلسطين، ولكنه أيضاً يمكن أن يُعدّ فرصة لدفع النقاشات حول السلام في المنطقة.
- الدول الإسلامية: منظمة التعاون الإسلامي ومنظمات أخرى تحاول تعزيز الدعم لفلسطين، إلا أنه في ظل الانقسامات السياسية، لم تحقق نتائج ملموسة.
ثالثاً: التحولات الاقتصادية والاجتماعية:
- تعزيز التبعية الصهيونية: أدت سياسات دولة الكيان الاستعمارية إلى إحداث تشوهات بنيوية تراكمية في الاقتصاد الفلسطيني، وخلقت فجوة في الموارد واختلالاً في سوق العمل منذ احتلال فلسطين عام 1948م، وما واكبها بعد ذلك من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م، وفرض الحكم العسكري المباشر، حيث سعت إلى تعزيز التبعية الاقتصادية للمجتمع الفلسطيني عبر السيطرة على الموارد الطبيعية والمالية والاقتصادية، وقطعت العلاقات التجارية الفلسطينية مع الخارج، وعملت على تحويل المجتمع الفلسطيني إلى سوق استهلاكية للبضائع الصهيونية.
«الربيع العربي» أدى إلى تغيير الأولويات والاهتمام بقضايا الداخل على حساب القضية الفلسطينية
- إعادة تشكيل التحالفات: شهدت المنطقة إعادة تشكيل تحالفات وصراعات جديدة، حيث أصبحت بعض الدول تبحث عن مصالحها الاقتصادية على حساب القضايا السياسية التقليدية؛ ما قد يؤدي إلى تقليل الضغط على دولة الكيان أو حتى دعم قضاياها.
ولقد شهدت القضية الفلسطينية تطورات كبيرة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أهمها:
- العملية السياسية: منذ انتهاء مفاوضات السلام في عام 2014م، لم تُحقق أي اختراقات حقيقية، بينما تستمر محاولة الفلسطينيين الحصول على اعتراف دولي بدولة فلسطين، بما في ذلك الحصول على اعتراف في الأمم المتحدة.
- التوسع الاستيطاني: في السنوات الأخيرة، تزايدت وتيرة الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية؛ ما ساهم في تفاقم الوضع الإنساني وأوضاع اللاجئين الفلسطينيين.
- الاصطفاف الدولي: يختلف الموقف الدولي تجاه القضية الفلسطينية، حيث تدعم العديد من الدول حقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، بينما تتبنى دول أخرى مواقف مؤيدة لدولة الكيان.
- تصعيد الصراعات: شهدت السنوات الأخيرة موجات من التصعيد، مثل التصعيد في غزة بين المقاومة الفلسطينية ودولة الكيان، وما أعقبه من تداعيات إنسانية واجتماعية.
كل ذلك أثَّر بشكل كبير على الوضع الراهن في الضفة الغربية وقطاع غزة، وزاد من سوء الأوضاع المعيشية والإنسانية على النحو التالي:
- يعيش الفلسطينيون في غزة تحت حصار صارم يعوق حياتهم اليومية، بينما تشهد الضفة الغربية تزايداً في عمليات الاعتقال والاقتحامات الصهيونية، ويعانون من معدلات بطالة مرتفعة، ونقص في الموارد؛ ما أدى إلى تدهور الظروف المعيشية.
إذا استمر التوتر الحالي قد يزداد النزاع تعقيداً ما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والسياسية
- الانقسام الفلسطيني المستمر منذ 18 عاماً وتداعياته الخطيرة على مستقبل القضية الفلسطينية، والتفرد الصهيوني بغزة من جهة والضفة الغربية من جهة أخرى، يفرض الحاجة الملحّة لإنهائه كشرط أساسي لتحقيق تقدم في القضية الفلسطينية.
وتبقى القضية الفلسطينية تراوح مكانها طالما بقي الدعم الأمريكي والغربي الأوروبي اللامحدود لدولة الكيان، وطالما بقي العرب صامتين متفرجين لا يملكون من أوراق الضغط لتحريك ملف القضية الفلسطينية ضمن عملية السلام العربية، وتبقى تتأرجح بين عدة مآلات محتملة، منها:
- استمرار الوضع الراهن: إذا استمر التوتر الحالي؛ قد يزداد النزاع تعقيداً؛ ما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والسياسية.
- حل الدولتين: لا يزال هذا الخيار الأكثر اقتراحاً، إذا تمكّنت الأطراف المعنية من التوصل إلى توافقات حقيقية حول قضايا رئيسة، مثل حدود الدولة الفلسطينية والقدس واللاجئين.
- المزيد من الدعم الدولي: قد تسعى بعض الدول والمنظمات الدولية لتعزيز الجهود لخلق بيئة مواتية لحل النزاع، لكنه يتطلب وجود إرادة سياسية من جميع الأطراف.
- التغيير الديمغرافي والوصاية: قد تؤدي السياسات الصهيونية إلى تغيير ديمغرافي في المنطقة؛ ما يزيد من تعقيد الحلول المستقبلية.