وداعاً لرمز وطني بارز.. العم يوسف محمد النصف

في لحظات تختلط فيها مشاعر الحزن بالفخر، ودّعت الكويت، في 11 فبراير 2025م، أحد رجالاتها الأوفياء، الذين سطروا بأعمالهم ومواقفهم صفحات مشرقة في تاريخ الوطن، فقد رحل العم يوسف محمد النصف، تاركاً خلفه إرثاً من العطاء والإخلاص للوطن، ومسيرة حافلة بالمواقف المشرفة في مجالات السياسة والاقتصاد والعمل الاجتماعي.
لقد كان الفقيد نموذجاً للرجل الوطني الذي حمل هموم الكويت وساهم في نهضتها، مجسداً أسمى معاني النزاهة والحكمة والشجاعة.
مسيرة حافلة بالعطاء
وُلد العم يوسف النصف عام 1934م، ونشأ في بيئة تجارية عريقة، حيث تنتمي عائلته إلى إحدى الأسر الكويتية التي أسهمت في نهضة البلاد اقتصادياً وسياسياً، حيث تلقى تعليمه الأساسي في مدرسة الأحمدية، ثم في المدرسة الشرقية، قبل أن ينطلق في مسيرة حافلة بالإنجازات.
ساهم النصف في تأسيس العديد من المؤسسات الوطنية، وكان أحد مؤسسي «جمعية الإرشاد الإسلامي» عام 1952م، التي مثّلت إحدى البدايات الأولى للعمل الخيري المنظم في الكويت، كما كان له دور بارز في تأسيس «جمعية الإصلاح الاجتماعي» التي استمرت في تقديم خدماتها الخيرية والإنسانية على المستوى المحلي والدولي.
تجربة قصيرة في العمل الوزاري
تولى الراحل منصب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل عام 1985م، لكن فترته الوزارية لم تتجاوز 11 يوماً، إذ استقال سريعاً بسبب قناعاته الإصلاحية التي لم تتماشَ مع النهج الحكومي آنذاك، ورغم قصر مدة توليه الوزارة، فإن استقالته شكّلت حدثاً سياسياً مهماً، وعكست تمسكه بمبادئه.
دوره في الإصلاح السياسي والاقتصادي
عُرف النصف بمواقفه الإصلاحية ورؤيته الاقتصادية الواضحة، حيث كان رافضاً لمركزية القرار الإداري، وداعماً لتطوير منظومة العمل السياسي والاقتصادي في الكويت، وقد أدى دوراً مهماً في الأزمات السياسية، وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، ودعم الاستقرار السياسي في البلاد.
بصماته في العمل الصحفي
كان الفقيد أحد المساهمين في تأسيس صحيفة «القبس» عام 1972م، وتقلّد منصب رئيس مجلس إدارتها بين عامي 2019 و2023م، حيث شهدت الصحيفة خلال فترة رئاسته نقلة رقمية نوعية، عززت من مكانتها الإعلامية على المستوى المحلي والإقليمي.
مواقف وطنية مشرفة
لم يقتصر دور النصف على المجال السياسي والاقتصادي، بل كانت له إسهامات اجتماعية بارزة، حيث كان مرجعاً يُلجأ إليه في الأزمات، وله العديد من المبادرات الخيرية التي امتدت داخل الكويت وخارجها، وعُرف بوطنيته العميقة، ونزاهته المشهودة، وكان من رجال الدولة الذين حملوا همّ الوطن بإخلاص وتجرد.
إشادة وتقدير
وقد أشاد العديد من الشخصيات الوطنية بجهود الفقيد، حيث نعاه رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي د. خالد المذكور، مستذكراً دوره الفاعل في العمل الخيري، كما عبّر رئيس مجلس الأمة الأسبق مرزوق الغانم عن خالص تعازيه، مؤكداً أن الراحل كان نموذجاً للوطني المخلص، كما أشار النائب السابق أسامة الشاهين إلى دوره الريادي في تأسيس الجمعيات الهادفة، ومساهماته الوطنية التي يذكرها التاريخ.
رحل العم يوسف النصف، لكنه ترك إرثاً خالداً من العطاء والمواقف المشرفة، سيظل محفوراً في ذاكرة الكويت وأبنائها، فقد كان نموذجاً للإنسان المخلص لوطنه، الذي لم يسعَ إلى منصب أو جاه، بل كان همه الأول خدمة الكويت وأهلها، نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، ويجزيه خير الجزاء على ما قدم، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.