جولة إبحار بين «تأملات في الدين والحياة»

يضم كتاب «تأملات في الدين والحياة» بين طياته مجموعة من خطب الجمعة التي ألقاها المفكر الإسلامي الراحل د. محمد فريد عبدالخالق، أواخر التسعينيات من القرن الماضي، معتبراً أن خطبة الجمعة إحدى أهم صور الخطاب الديني والدعوة إلى الإسلام.
ربما كان عبدالخالق سباقاً في هذا الطرح، الذي يتداوله الكثيرون حديثاً بدعوى تجديد الخطاب الديني، مبيناً أن كل المؤسسات والمنظمات المدنية والمجالس التشريعية تدخل في عموم المأمورين بالدعوة إلى الخير، بمفهومه الواسع، سياسياً كان، أو اجتماعياً، أو ثقافياً، أو إعلامياً، درءاً للمفاسد، وجلباً للمنافع.
يقدم المؤلف، في كتابه الصادر عام 2003م، رؤيته للتأصيل القرآني للخطاب الديني، وكيفية الدعوة على بصيرة، وإبراز أن الإسلام دين إحياء وبعث حضاري، وأنه دعوة للإصلاح، فضلاً عن شمولية هذا الدين، ووسطية الرسالة المحمدية، وجمالية التيسير والرفق في الإسلام.
وتحت عنوان «مراجعات في واقعنا»، يتناول المؤلف ارتباط النجاح بالإيمان، وأن الكفران يجلب الخسران، وكيف أن يقظة المسلمين مصلحة للبشرية، وأن التفوق المادي ليس دليل سعادة؛ لأن إنسان العالم المعاصر يعيش حياة شقية برغم ترفه المادي؛ لأن الروح مريضة والقلب معتل، وهو ما يجعل من الإسلام منقذاً للبشرية.
يسلط الكاتب الضوء على المحرمات، مستعرضاً حقوق الأشهر الحرم، وأصناف المحرمات بشكل عام، ومعالم الصراط المستقيم، وآثار الذنوب والمعاصي، مشيراً إلى أن الأمانة أساس العمران، والعدل أساس الحكم، وأن رد النزاع إلى الكتاب والسُّنة سيحسم الأمر وينهي الفتنة في مهدها.
يقول عبدالخالق: إن اللجوء إلى الله فطرة، مستعرضاً أمثلة على ذلك، من حال المؤمن والكافر في الشدائد، وكيف تكون تقلبات الحالة النفسية للإنسان، وأن المبتلى قد يشعر شعوراً خفياً أو معلناً بأن الأقدار تضطهده، وهذا عيب في الفهم وانحراف في توجيه العواطف، متغافلاً عن الحكمة من الابتلاء كالتمحيص والاختبار والتربية والإعداد، وهذا خير تأتي به الشدائد.
يضيف الكاتب المصري الراحل عن عالمنا عام 2013م، أن كل إنسان أياً كان دينه ووطنه يبحث عن الحياة الطيبة ويفر من شقاء العيش، وقد بصرنا الله تعالى بالطريق إلى السعادة في الدنيا والآخرة، مبيناً شروط الحياة الطيبة، وعلامات طريق الثبات الذي يمكن أن نرجع إليه إذا أصابنا الوهن والحزن.
يواصل عضو الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين، عضو مكتب الإرشاد الأسبق، مدير عام دار الكُتب والوثائق القومية سابقًا، إبحاره في تأملاته عن الدين والحياة، متناولاً آثار ومظاهر وخطورة الانسلاخ عن الدين، وواقع المسلمين بين الكيد والتقصير، وكيفية التوازن في حياة المسلم، وأهمية المحاسبة والمراجعة في السر والعلن، وأن التوبة نجاة للعالمين.
ويستعرض المؤلف، في كتابه الذي يضم 320 صفحة، سبل إنقاذ أمة الإسلام، وكيفية استحقاق نصر الله، ومسؤولية الفرد تجاه الأمة، وضرورة الانشغال بالخطة المناسبة لانتشال الأمة من وضعها المهين التي هي عليه.
ويتجول عبدالخالق بين معالم الخارطة الواجب اتباعها لتحقيق ما سبق، مبيناً وسائل تزكية النفس، وثمار التقوى، وصفات أهلها، وحاجة البشرية للتقوى، ومركزية الوسطية في تربية الأمة الإسلامية، وكيف عالج الإسلام مشكلات المجتمع، وأنه دين قائم على العلم والعمل، إضافة إلى تبيان صفات الدولة المسلمة.
وتحت عنوان «الضمير الديني وطريق الخلاص»، يقول المؤلف: إن رقابة الله تصاحب العبد في ليله ونهاره، وفيما أسر من عمله وما أعلنه، داعياً إلى تعزيز مراقبة الله وإصلاح النفس، حتى يصل المرء إلى الخلاص، مضيفاً أن الإسلام عظيم ولا يصلح لحمله إلا عظماء ينشرون المعروف، وينهون عن المنكر، ينشرون الخير والفضيلة أينما حلوا.
ويؤكد الراحل أهمية الدين في حياة البشر، وأن العالم يعيش «أزمة تدين»، مؤكداً أن العلم إذا فُصل عن الدين زاغ وتخبط، بل دمر وأهلك، فالذين فتتوا الذرة استخدموا عقولهم الجبارة، ولكن بمنأى من الدين، فصنعوا من ذلك الإنجاز العظيم مصائب كبرى أضرت بالبشرية، تسمى القنابل الهيدروجينية والنووية.
ويقدم الكتاب أيضاً مجموعة من الخطب حول المولد النبوي الشريف، والإسراء والمعراج، والصلاة، والحج، وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف بنى النبي الكريم مجتمع المدينة المنورة، وكيف أرسى قواعد الشورى والحكم، ورسخ في وعي المسلمين حقيقة وعوامل النصر والهزيمة، بالإضافة إلى تقديم وجبة دسمة من دروس تربوية مستقاة من غزوات الرسول، كما تناول المؤلف شهر رمضان، ومقاصد الصيام، والعديد من الخواطر الإيمانية التي تصلح أن تكون غذاء روحانياً للمسلم، ومادة ثرية للدعاة على طريق الدعوة إلى الله.