زواج خارج الصندوق!
«45 عاماً..
ولم أتزوج؛ لأنني لا أمتلك شقة»، «تجاوزت الثلاثين ولا أفكر في الزواج فليس لي
وظيفة»، «دخلي الشهري لا يلبي احتياجاتي الشخصية فكيف أتكفل بنفقات زوجة»، هذه
عينة من آراء شباب حالت الظروف الاقتصادية والاجتماعية بينهم وبين الزواج.
المبالغة في
المهور، والتكلف في تجهيزات الزواج، ومتطلبات العروسين، باتت عوائق حقيقية،
وتحديات صعبة أمام الشباب، في سبيل الوصول إلى عش الزوجية، ونيل العفاف، وتحقيق
حلم بناء أسرة مستقرة متماسكة.
يفاقم الضغوط
الحياتية الملقاة على عاتق الشباب، وارتفاع أسعار الوحدات السكنية في كثير من
البلدان، وتزايد القيمة الإيجارية شهرياً، إضافة إلى تنامي المطالب الاستهلاكية من
أثاث ومجوهرات (شبكة) ونفقات حفل الزفاف، وغيره، بما قد يكلف الشاب مبالغ مالية
طائلة، قد تزج به إلى دوامة الديون والقروض، أو يظل حبيس قفص العزوبية والعنوسة.
مظاهر استهلاكية
نسمع كثيراً
عبارة «التفكير خارج الصندوق»، لكن الواقع يفيد بأن الكثير من الآباء والأمهات ما
زالوا أسرى العادات والتقاليد والمظاهر الاجتماعية الفارغة، يتشبثون بالماضي،
ويصرون على المفاخرة بسلوكيات ومظاهر مادية واستهلاكية، دون إدراك لمتغيرات
الواقع، أو مرونة مع مستجدات العصر.
نظل كأفراد
ومجتمعات ندور في حلقة مفرغة من البحث عن حلول، ونحن نوجه الاتهامات للآخر، ونبحث
عن شماعة لما يكابده الشباب من معاناة لاغتنام الحلال، بينما أبواب الحرام مفتوحة
على مصراعيها.
إلغاء بند
المهور، والاكتفاء بهدية ذهبية بسيطة، وتأثيث غرفة نوم أو غرفتين لا أكثر، والتخلي
عن «النيش» (خزانة عرض الأواني)، وتوفير الضروري من الاحتياجات المنزلية، والتخلي
عن المظاهر الاستهلاكية الفارغة، والحد من لوازم وطقوس الفرح، بداية حل لمن أراد.
إستراتيجية
«التفكير خارج الصندوق» تحتم على الجميع طرح أفكار جديدة ونوعية لتيسير الزواج،
منها استعارة المجوهرات وفستان العروس، وإقامة حفل الزفاف في الفناء الخلفي
للمنزل، أو على سطح مبنى، أو في أماكن غير تقليدية مثل الحدائق والمتاحف والشواطئ،
والاستعانة بالأصدقاء في التجميل والتصوير، وتوظيف مواهب العائلة في الإنشاد
والغناء وإحياء الحفل.
كذلك يمكن تقليل
قائمة المدعوين، وتوجيه الدعوة إليهم عبر وسائل التواصل بدلاً من طباعة بطاقات
دعوة باهظة الثمن، أو إقامة حفل زفاف افتراضي، يحضره عدد قليل من الضيوف، بينما
يشارك البقية عبر تقنيات التواصل والبث المباشر.
وهناك أفكار
مبتكرة، قد يفكر البعض باللجوء إليها، على غرار حفلات «البوتلاك»، حيث يطلب
العروسان من كل ضيف إحضار طبق مميز من إعداده للمشاركة في بوفيه جماعي، أو تقديم
وجبات خفيفة بدلاً من إقامة الولائم الضخمة، لا سيما مع الارتفاع المتواصل في
أسعار اللحوم.
مبادرات إيجابية
لنطلق مبادرات
مجتمعية وخيرية لتقسيط الزواج، وخفض الإيجارات، وتوفير مساكن متنقلة للمتزوجين
حديثاً بديلاً عن شراء بيت أو وحدة سكنية باهظة الثمن، واستبدال الفضة بالذهب،
وإعادة تدوير الأثاث القديم، وإقامة حفلات الزفاف الجماعي، والتكفل بزواج اليتيمات
وذوي الإعاقة.
بإمكان
المتطوعين وأهل الخير إقامة «سوق التبادل» للوازم الزواج، وهو تطبيق إلكتروني أو
موقع على الإنترنت يتيح للشباب من الجنسين تبادل السلع والخدمات المتعلقة بالزواج،
ضمن ما يعرف بالاقتصاد التشاركي، مثلاً تأجير ملابس الزواج وفساتين وديكورات
الزفاف وإكسسوارات الزينة بأسعار رمزية.
وعلى الأجيال
الجديدة أن توظف تقنيات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة في تقليل تكاليف
الزواج، وخفض المهور، ومكافحة الغلاء، والحد من مظاهر البذخ والإسراف، التي تسببت
في تزايد طوابير العنوسة والمضربين عن الزواج.
قد يتاح مستقبلاً
خدمات «تأجير التجربة» الشاملة، من خلال شركات تقدم حزمة خدمات كاملة لتوفير
متطلبات الزفاف، حيث يتم التوصيل والتركيب والإزالة بالكامل من قبل الشركة؛ ما
يقلل بشكل كبير من أعباء الشراء والتخزين بعد الزواج، وقد تمتد الخدمات إلى تأجير
الأثاث لفترة معينة، أو طرح برامج تتيح للزوجين الحصول على الأساسيات، والدفع على
أقساط مريحة جداً وممتدة لسنوات طويلة.
وقد تتولى قريباً
أنظمة الذكاء الاصطناعي التفاوض نيابة عن الزوجين، مع مقدمي خدمات الزواج من أثاث
ومجوهرات ومصورين ومتعهدي الطعام وغيرهم؛ للحصول على أفضل الأسعار بناء على
ميزانية العروسين.
أيضاً يمكن
إعادة تدوير المواد المستخدمة في حفلات الزفاف، بما يحد من تلوث البيئة، وتراكم
القمامة، ويدر دخلاً على العروسين من خلال بيع المواد المعدنية والبلاستيكية
والورقية المستخدمة خلال مراحل الحفل، بما يدعم الاقتصاد المحلي.
وقبل كل شيء،
لنصارح أنفسنا، بأن الحل بين أيدينا، وفي كتاب ربنا عز وجل، وسُنة نبينا الكريم،
سيد الخلق وخاتم المرسلين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون
دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» (رواه الترمذي)، وقال
صلى الله عليه وسلم: «أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً»
(رواه أحمد).
لنأخذ بيد من
حديد على من يصدون عن آية من آية الله، ويجعلون الحلال صعب المنال، ولنيسر الزواج
على شبابنا وفتياتنا؛ لنقيهم شر الفتن، ولنحصنهم من غواية الشهوات، فيربحون العفة،
ونربح معهم مجتمعاً مستقراً متماسكاً قوياً بإذن الله.
اقرأ
أيضاً:
جيل خليجي
يختار العزوف عن الزواج!
السؤال الصعب..
ماذا عن حق «الجنس الحلال»؟!