عقل السوق وتأثير العواطف على القرارات الاقتصادية
يقول مايكل
شيرمر، في كتابه «عقل السوق»: لقد اتضح أن تفضيلات المستهلك الشخصية المرتكزة على
تصنيفات المستهلكين الآخرين النسبية يمكن أن تلغي -وهي غالبًا ما تلغي- تأثير
التصنيفات الأكثر موضوعية لجودة المنتج، ويبدو أن الأسواق التي تستخدم التصنيفات
والتقييمات وقوائم الأكثر مبيعًا تعمل بملء إرادتها، ككائن حي جماعي تقريبًا.
وفي الحقيقة،
هذا واحد من العديد من التأثيرات التي سنتطرق إليها في هذا الكتاب التي توضح مدى
تأثير العقل بالسوق، وبمعنى أوسع؛ إنها توضح كيف يبدو أن للأسواق عقلاً خاصاً بها.
مفارقة المصرفي.. لماذا يزداد الأثرياء ثراءً؟
ثم يقول مايكل:
تخيل أنك مصرفي تمتلك مبلغًا محدودًا من المال للإقراض، إذا قدمت قروضًا لأشخاص
يُعدُّون مخاطرة ائتمانية فادحة، فأنت تُقْدم على مجازفة كبيرة، إذ سيتخلفون عن
سداد قروضهم فتوقف أنت نشاطاتك.
ينشأ عن هذا
مفارقةٌ؛ فمن يكونون في أمسّ الحاجة إلى المال هم أيضًا أسوأ أخطار الائتمان،
وبالتالي لا يمكنهم الحصول على قرض، في حين أن الأشخاص الذين يكونون أقل حاجة إلى
المال هم أيضًا أفضل أخطار الائتمان، وبالتالي مرة أخرى يصبح الأثرياء أشد ثراءً، يسمي
عالما النفس التطوري جون توبي، وليدا كوزميدس هذا بـ«مفارقة المصرفي».
ثم يؤكد مايكل:
إذا فكرنا في الحياة كاقتصاد، وإذا اعتبرنا الموارد كأي شيء لدينا يمكنه أن يساعد
الآخرين من خلال منطق مفارقة المصرفي، علينا اتخاذ خيارات صعبة عند تقييم أخطار
الائتمان للأشخاص الذين نقابلهم، في هذا الكتاب، أود التعمق أكثر في تأثير الأكثر
مبيعًا لأجادل بأن الأسواق لها عقل خاص بها، وأنه يمكننا فهم ذلك العقل من خلال
علوم نظرية شواش ونظرية التعقيد.
نقد النظريات التقليدية في علم الاقتصاد
يقول مايكل: من
الآراء التي أكتب ضدها في هذا الكتاب، على نحو ساخر، هو الاعتقاد بأن داروين
ونظرية التطور لا مكان لهما في العلوم الاجتماعية، ولا سيما في دراسة السلوك
الاجتماعي والاقتصادي للإنسان، ففي حين أن العلماء ساخطون على محاولات تدريس
التصميم الذكي في فصول البيولوجيا بالمدارس العامة، ومذهولون من الوضع الكئيب
لتعليم العلوم وعدم قبول نظرية داروين، حيث إن معظم العلماء -ولا سيما علماء
الاجتماع- قاوموا بحمية المؤيدين محاولة تطبيق التفكير التطوري على علم النفس وعلم
الاجتماع والاقتصاد.
وهم «الرجل الاقتصادي» العقلاني
ثم يقول مايكل:
أما وجهة النظر الثانية التي أكتب ضدها، فهي نظرية الإنسان الاقتصادي، التي تنص
على أن «الرجل الاقتصادي» يتسم بعقلانية غير محدودة، ومصلحة ذاتية، وإرادة حرة،
وأننا أنانيون، ونعظّم ذاتنا، وأكفاء في اتخاذ قراراتنا واختياراتنا.
عندما نُطبَّق
التفكير العقلاني ونظريات علم النفس وتقنياته الحديثة على دراسة السلوك البشري في
السوق، نجد أن نظرية الإنسان الاقتصادي -التي كانت حجر الأساس للاقتصاد التقليدي-
غالبًا ما تكون خاطئة أو تفتقر بشكل يُرثى له إلى القوة التفسيرية، ويتضح أننا
مخلوقات غير عقلانية بشكل ملحوظ، مدفوعة بالعواطف العميقة واللاواعية التي تطورت
عبر الدهور.
هل الاقتصاد علم كئيب؟
ويقول مايكل:
ووجهة النظر الثالثة التي أكتب ضدها هي الاعتقاد، الذي طرحه المؤرخ البريطاني
توماس كارليل لأول مرة في عام 1849م، بأن الاقتصاد هو «العلم الكئيب»، فعلى مدار
قرن ونصف قرن بعد طرحه، فكر معظم الناس به بتلك الطريقة، إذ لم يعتبروه سوى مجال
عالق في النماذج الرياضية والتحليلات المالية والتمثيلات النظرية للناس كأنهم آلات
حسابية عقلانية وأنانية إلى أقصى حد.
في الواقع،
عندما نمحّص هذه الآراء الثلاثة معًا، نجد أن علم الاقتصاد ليس كئيبًا على الإطلاق،
بادئ ذي بدء، إنه يخوض الثورة الأكثر ديناميكية مذ أسس آدم سميث ذلك العلم في عام
1776م مع كتابه «ثروة الأمم»، وتظهر علوم هجينة غنية متعددة التخصصات لتبث روحًا
جديدة في علم عفّى عليه الزمن، كعلم اقتصاد التعقيد، وعلم الاقتصاد السلوكي، وعلم
الاقتصاد العصبي، وما أسميه «اقتصاد الفضيلة».
ثانيًا، وأكثر
أهمية من ذلك، يحرص الأشخاص والشركات والأمم بعمق وحماس على شؤونهم المالية،
ودائمًا ما حرصوا عليها، على هذا المنوال، لم يكن علم الاقتصاد يومًا كئيبًا.
الاقتصاد للجميع
أخيراً يؤكد
مايكل: لقد اكتشفت من خبرتي أنه من ناحية الإزعاج، لا يُعلى على علم الاقتصاد في
التقلب الانفعالي، وإذا احتجنا يومًا إلى الحياد في تقييمنا للحقائق -خاصة عندما
لا تتحدث الحقائق عن نفسها- فإننا نجده في علم الاقتصاد، هذا الكتاب عبارة عن رحلة
فكرية هدفها تحسين فهمنا للطبيعة الأخلاقية والمادية للإنسانية، وتحقيقًا لتلك
الغاية، الاقتصاد للجميع.
___________________
للتواصل: zrommany3@gmail.com.