عش سعيداً

يقدم الخبير في مجال التنمية البشرية، الراحل الدكتور "إبراهيم الفقي"، نظرة على النفس الإنسانية في كتابه "عش سعيدا"، من خلال استعراض أنماط السلوك، وأنماط الشخصيات التي تواجهنا في المجتمع، والتي قد نكون واحدا منها.
من هذه الشخصيات، الأكثر انتشارا في مجتمعاتنا، الشخصية غير الملتزمة التي تتأخر عن المواعيد، وتبحث عن ألف عذر لتأخرها، والشخصية المأساوية التي دائما ما تحكي عن المآسي التي تمر بها، والشخصية المتمارضة، وهناك الشخصية الفوضوية الذين يعيشون دائما في حالة فوضى في محيط منزلهم أو مكتبهم.
ومن الشخصيات التي يستعرضها الكتاب، الشخصية المفلسة؛ بسبب نمط الإنفاق المسرف الذي يسيطر عليها، والشخصية المغرورة التي تبالغ في تقدير قيمتها، والشخصية الملولة التي لا تثبت على وظيفة وتحب التغيير دائما.
وهناك الشخصية التشاؤمية التي ترى الناس أشراراً، والحياة لا تطاق، والشخصية العاجزة، والشخصية المتشائمة التي يرى صاحبها أن كل حياته بؤس وشقاء، بينما هناك الشخصية الناجحة والإيجابية والمستمتعة بما تقوم به من عمل، والواثقة في قدراتها، وفي الناس من حولها.
من الممكن أن نغير أنماطنا الشخصية وسلوكياتنا، إذا سرنا في طريق التغيير، شريطة الجدية في اتخاذ القرار، والرغبة في الوصول للهدف بحسب "الفقي".
على سبيل المثال، إذا قررت الاهتمام بأولادك وأسرتك، فإنك سوف تزيد فترة بقائك في البيت، وستلغي جلساتك الطويلة مع أصدقائك في المقهى، وستختار مجموعة من الكتب حول تربية الأولاد، وبذلك تكون قد ضربت عصفورين بحجر واحد، زدت من ثقافتك، واعتنيت بأسرتك.
يتناول الكتاب، في الفصل الأول، مراحل تكون الشخصية، ونظرتك لنفسك، ومعرفة نقاط القوة والضعف، وكيف يرانا الآخرون، ومن أين تأتي قيمتك، والعلاقة بين الجسد والعقل، وخطورة المشاعر السلبية، وكيف نشكل ظروفنا بأنفسنا، وكيف نغتنم الفرص، وكيفية هزيمة السلبية والفشل.
أما الفصل الثاني من الكتاب، الصادر عام 2011، فيحمل عنوان "عش حياتك الآن"، يقول الكاتب: إن الأطفال يتمتعون بالسعادة؛ لأنهم يستطيعون الحياة بكل جوارحهم في اللحظة الحاضرة، فينهمكون فيما يفعلون أيا كان، إنهم لا يفكرون في الماضي؛ لأنهم لا يرون فيه ما يستحق الاهتمام، ولا يشغلهم المستقبل.
يتابع: ويبدأ الإنسان في خسارة سعادته الطفولية، عندما يفقد قدرته على الاشتغال بالحاضر وحده، فهو يبدأ في التفكير في الماضي، والخوف مما يحدث في المستقبل، عندها يتحول من إنسان سعيد إلى إنسان تعيس عاجز.
ويحذر "الفقي" من آفة الترقب، قائلا إن انتظار قدوم الأشياء يؤخر قدومها، لذا لا تضيع وقتك في الانتظار، واشغل نفسك بعمل مفيد، حتى يحدث ما تتمناه، فعدم انشغالك بالانتظار يجعل الوقت يمر سريعا.
ويتحدث الكاتب عن فضيلة التسامح مع النفس، محذرا من يمضون حياتهم في معاقبة مستمرة لأنفسهم نفسيا وجسديا؛ لأنهم يعتقدون أنهم قصروا، فإذا علمنا ان هذا الشعور لن يفيدنا شيئا، فلنجتهد في التخلص منه؛ لأن تمتعنا بحالة نفسية جيدة يستحق بذل الجهد.
ويتناول الكتاب، معاني السعادة، والمثالية، والتسامح مع الآخرين، وكيفية التعامل مع الإحباط، وكيفية التصرف في الأوقات الصعبة، وكيفية النظر إلى الجانب المشرق في المحنة، ودورنا في أن نسعد أنفسنا ونسعد الآخرين.
اقرأ أيضاً: 10 خطوات تُحسِّن الحياة الزوجية
ويتناول الفصل الثالث من الكتاب، البالغ عدد صفحاته 117 صفحة، كيفية استخدام العقل بطريقة جيدة، وتعزيز الإيجابيات، وتوجيه العقل نحو التصرفات الإيجابية، مشيرا إلى ان العقل يتكون من جزئين، عقل ظاهر يتحكم في أفكارنا، وعقل باطن غير مرئي، هو مصدر القوة الحقيقية لحياتنا، وهو المسؤول عن النجاح والفشل، فإذا كنا دائما نتوقع لأنفسنا النجاح، وإذا كانت كل أفكارنا تدور حول توقع المرض والخوف منه سيفترسنا المرض.
وينصح "الفقي" بمضاعفة القدرات الذهنية والنفسية ومساعدة الجسم والعقل على الانتصار وكذلك في كل مواجهة في حياتك، إذا قلت مثلا والله لأربين أبنائي تربية صالحة، أو والله لأعاملن الناس معاملة حسنة، عندها ستنجح في أداء ما تريد.
اقرأ أيضاً: البرنامج اليومي للسعادة
ويختتم المؤلف، كتابه "عش سعيدا" بالفصل الرابع الذي حمل عنوان "الهدف"، وفيه يقول، إن الهدف ليس مجرد حلم نتمناه أو خيال لنعيش فيه، بل الهدف هو القاطرة التي تدفع مراحل حياتنا إلى الأمام، ولعل الصورة الأوضح التي نراها كثيرا في حياتنا، هذا الشخص الذي يحال للتقاعد فيموت بعد أيام قلائل؛ لأنه فقد القوة الداخلية الدافعة للحياة، وهي الرغبة في تحقيق الهدف.