جاء إعلان البيت الأبيض، أمس الثلاثاء، عن عزم إدارة الرئيس دونالد ترمب تصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً أجنبياً -بالتنسيق مع زعماء بعض الدول العربية- ليجدد الجدل داخل واشنطن بشأن مستقبل علاقة الحكومة الأمريكية بأقدم وأكبر جماعة للإسلام السياسي في العالم، وتداعيات ذلك على مسلمي أمريكا.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز: إن “الرئيس تشاور مع فريقه للأمن القومي وزعماء بالمنطقة يشاركونه القلق، وهذا التصنيف يأخذ طريقه عبر الإجراءات الداخلية”.
ولم تذكر المتحدثة اسم أي من “زعماء بعض الدول العربية” الذين ينسق معهم ترمب بهذا الشأن؛ ما يستدعي التذكير بأن دولاً حليفة لواشنطن مثل مصر والسعودية والإمارات قد صنفت الجماعة منظمة إرهابية بعدما أطاح الجيش المصري بالرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب.
ولم توضح تصريحات البيت الأبيض تعريفاً للجماعة، وهل المقصود بها تنظيم الجماعة المصري فقط؟ أم يتخطاه للتنظيم الدولي؟ وهل سيقتصر التصنيف على أشخاص أو مؤسسات تابعة للجماعة، أم سيكون تعريفاً فضفاضاً يمكن استخدامه واستغلاله طبقاً لمستجدات الأمور؟
التوقيت
إعلان البيت الأبض أمس جاء بعد ثلاثة أسابيع من زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى واشنطن ولقائه بترمب في البيت الأبيض، حيث تجاهل الثاني الانتقادات الموجهة إلى ضيفه، خصوصاً المتعلقة بسجل السيسي في مجال حقوق الإنسان رغم الدعوات العديدة الصادرة عن مشرعين في الكونجرس.
وبدلاً من ذلك وصف ترمب، السيسي بـ”الرئيس العظيم”، وتحدث خلال اللقاء عن “تقدم كبير أحرزته مصر في محاربة الإرهاب”.
ورداً على سؤال عن سعي السيسي إلى تعديل الدستور لتمكينه من البقاء في الحكم بصلاحيات شبه مطلقة، قال ترمب: “أعتقد أنه يؤدي مهمة عظيمة، لا أعرف شيئاً عن هذه الجهود، يمكنني أن أبلغكم أنه يؤدي مهمة عظيمة، رئيس عظيم”.
عقوبات
وفي حال تم تصنيف الإخوان جماعة إرهابية، فإن ذلك سيجعلها هدفاً للعقوبات والقيود الأمريكية على الفور، بما فيها حظر السفر وقيود قانونية، ويحظر على المواطنين الأمريكيين تمويل أي أنشطة للجماعة، سواء داخل أو خارج الولايات المتحدة.
وعلى الفور كذلك يحظر على البنوك أي معاملات مالية لها، فضلاً عن منع من يرتبطون بالإخوان من دخول الولايات المتحدة.
وسيؤثر ذلك بدوره على مشاركة عدد من قادة جماعة الإخوان في الخارج في فعاليات دورية تشهدها واشنطن وتنظمها مؤسسات بحثية فيما يعرف بـ”المسار الثاني”، حيث تعقد اجتماعات بين أطراف سياسية متنافرة للتباحث في مستقبل المنطقة بعيداً عن الأضواء وخلف أبواب مغلقة.
قانونية القرار
لتصنيف أي جماعة أو منظمة جماعة إرهابية يشترط القانون الأمريكي ثلاثة شروط، هي “أن تكون المنظمة غير أمريكية، وأن تكون متورطة في أنشطة وعمليات أو أن تمتلك الإمكانيات والنية على القيام بأنشطة إرهابية، وأن تهدد تلك الأنشطة الإرهابية الأمن القومي للولايات المتحدة وسلامة مواطنين أمريكيين”.
كما يتطلب التصنيف أن ينشر وزير الخارجية الأمريكي قراره بهذا الشأن في الجريدة الرسمية، إلا أنه يحق له -حسب القانون- ألا ينشر حيثيات التصنيف باعتبارها “أسرار أمن قومي”، ويحق للمنظمة المصنفة إرهابية أن تعترض على ذلك أمام محاكم العاصمة واشنطن.
ويتطلب تمرير التشريعات في الكونغرس الأمريكي أن يؤكد وزير الخارجية للكونجرس أن الجماعة تقابل المعايير اللازمة لتصنف جماعة إرهابية، لكن يمكن للرئيس الأمريكي أن يصدر أمراً تنفيذياً يأمر فيه وزارة الخارجية بتصنيف الجماعة جماعة إرهابية.
فشل سابق
وتخلو تقارير وزارة الخارجية الأمريكية السنوية بشأن الإرهاب العالمي من أي دلائل على تورط جماعة الإخوان المسلمين في اعتداءات إرهابية على مواطنين أو مصالح أمريكية.
هذه الحقيقة جعلت الفشل مصير المحاولات التي قام بها السيناتور الجمهوري من ولاية تكساس تيد كروز الذي قدم مشروع قرار إلى الكونجرس العام الماضي لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، دون أن يلقى استجابة واسعة من أعضاء المجلس، كما لقيت محاولات أعضاء في مجلس النواب لتمرير مشروعات قوانين مشابهة المصير نفسه.
ويرى الخبيران في معهد بروكينغز بواشنطن بنجامين ويتس وويل ماكونت أنه بدون “امتلاك أدلة على تبني جماعة الإخوان المسلمين الإرهاب سيعتبر تصنيف التنظيم جماعة إرهابية قائماً على أساس أيديولوجي فقط، وهذا غير قانوني”.
أما الباحثة في “مشروع ديمقراطية الشرق الأوسط” إيمي هاوثرون فترى قرار ترمب “إذا اتخذ سيكون في النهاية أغبى قرار تتخذه الولايات المتحدة في السياسة الخارجية”.
تعقيدات ومخاوف
ويزيد من تعقيدات الموضوع وجود أعضاء منتمين إلى أفرع الجماعة في عدد من الدول الحليفة لواشنطن مثل الأردن والكويت وتونس والمغرب وتركيا، إلا أن التأثير الأكبر حال تمرير التصنيف سيكون من نصيب نشطاء مسلمي أمريكا.
وقال أحد المقربين من جماعة الإخوان المسلمين ممن يحملون الجنسية الأمريكية لـ”الجزيرة نت”: سيعيق التصنيف الكثير من الأعمال الخيرية التي تقوم بها منظمات وأشخاص محسوبون على الجماعة داخل وخارج الأراضي الأمريكية.
وفي هذا الصدد، أشار إلى أن جماعة الإخوان المسلمين والكثير من المتعاطفين معها لديهم نفوذ واسع في الكثير من المساجد والمراكز الإسلامية بمختلف الولايات الأمريكية كما هي الحال في مركز ومسجد دار الهجرة في شمال ولاية فيرجينيا المجاور للعاصمة واشنطن.
وأعرب معارض مصري يقيم في فيرجينيا عن مخاوفه من تبعات القرار حال اتخاذه قائلاً: “الكثير من المحسوبين على الإخوان هربوا من مصر وقدموا للولايات المتحدة، وقدم بعضهم طلبات للجوء السياسي اعتماداً على اضطهاد السلطات في القاهرة لهم باعتبارهم أعضاء في جماعة الإخوان، وهكذا قد يتم اعتبارهم أعضاء في جماعة إرهابية بما يعرقل سعيهم للإقامة في الولايات المتحدة بطرق شرعية.
______________
المصدر: “الجزيرة.نت”.