قبل أن أدخل في القيل والقال حول الإنسانية، أقول وجهة نظري الشخصية: الإنسانية هي التي تُنقذ الإنسان في حياته وآخرته، وإلا فهي إنسانية مبتورة ويعتريها الخلل.
الإنسانية هي الصفات التي من خلالها نشير لهذا المخلوق أنه إنسان، وهي الصفات التي تميز هذا الإنسان عن غيره من أنواع أو بقية المخلوقات، وهي ترتبط بقيم إنسانية راقية مثل الإيثار والاحترام والحب، والأخوة، والتفكير في المستقبل ما بعد الحياة الدنيا، وإلا يكون الإنسان كالأنعام أو أضل.
والإنسانية لا يمكن أن تعكر قيم التعايش الإنساني، وإلا هي بعيدة عن الإنسانية، وحينها لا تسعى إلا للفساد في الأرض، فالإنسانية محورها حسن الخلق والعدالة والنزاهة، وهذا خير ما نجده في دين الإسلام العالمي للإنس والجن.
حينما نقول إنسانية في الدين، نعني بها الحقوق المتكاملة للإنسان، وحقوق الإنسان بالجملة لا تتجزأ، مثل الحرية والتعايش السلمي للبشرية بكل طيوفها العرقية والنوعية والفكرية والاعتقادية، ولا يوجد في تاريخ الإنسانية خير من دين الإسلام حافظ على هذا التعايش والتكامل الإنساني، فلذلك الإسلام هو أرفع وأعلى في نظرته لاحترام الإنسانية من التعاريف التي نسمعها ونقرؤها هنا وهناك في تعريف الإنسانية، ومحاولة تحديد الإنسانية حسب الفكر الإنساني المختلق والمخلوق، لا حسب إنسانية الإنسان الذي خيَّره الله تعالى وقال فيه: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد: 10)، فالإنسانية لا تُجزأ، كما نرى اليوم في فلسطين المحتلة وغزة وأفعال بني صهيون فيهم!
إذا أردنا أن نحترم ونقدر إنسانية الإنسان بإنسانية بعيدة عن نظر الإسلام فهذا يكون خروجاً عن إنسانية الإنسان، فالإنسان حياته في الدنيا والآخرة، وإلا لما قال الإنسان المنحرف يوم الحساب: (يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً) (النبأ: 40)، فالإسلام أرقى في تعامله الإنساني وتعريفه، فهو يشمل الحياتين الدنيا والآخرة، وكل الأقوال الفلسفية في هذا الموضوع الذي يدعي البعض فيه الإنسانية، لم ولن يسيؤوا لأحد كما يسيؤون إلى الإنسان والإنسانية بفلسفاتهم من غير الإسلام.
فالإسلام احترم وقدر إنسانيتك في الأولى والآخرة، وحثك على العيش باحترام وتقدير لذاتك ولغيرك في الدنيا، وجعل الدنيا هي القنطرة التي تعبر من خلالها نجاة في الآخرة، ما أعظمها من إنسانية تنجيك وتعزك في الدنيا والآخرة، وإلا لو كانت إنسانية أدعياء الإنسانية هي المنجاة لكان حاتم الطائي ممن له المكانة في الآخرة لإنسانيته الكريمة، وأيضاً ابن جدعان الذي كان في الجاهلية كما قالت أم المؤمنين عائشة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه؟ -تعني بالآخرة- قال صلى الله عليه وسلم: “لا ينفعه أنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين”، ومثلهم من هو أكثر منهم إنسانية أبو طالب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه لن تنفعه إنسانيته لتخليه عن الإسلام والدين والتوحيد.
نعم الإسلام يحث على التعامل بالتي هي أحسن مع الناس عموماً بكل طيوفهم، ولكن لا يعني أن يتم التنازل عن ثوابت الدين من أجل أدعياء الإنسانية التي يدعيها بعض أدعياء الإنسانية.
نعم يجب الحفاظ على الدين وعدم خدش أصوله وثوابته باسم الإنسانية المزعومة، لأن الدين بكل محاوره وتفاصيله يسعى إلى الارتقاء في الإنسانية التي يزعمها البعض، لأن الدين بكل محاوره وتفاصيله يسعى ارتقاءً بالإنسانية خلقاً وعقيدة وفكراً حتى صحة جسدية وعافية، والبعض من السفهاء أصبح ينادي بالإنسانية قبل الدين، بل يعزلها من وعن الدين، وأنها هي الأصل لا الدين، حتى وإن كان من يزعم هذه الإنسانية كافراً أو يهودياً أو ماسونياً صهيونياً.
إنه معول ناعم المفعول من أجل إقصاء الدين والعقيدة عن إنسانية الإنسان، وما علم هؤلاء التفهاء أن الدين والتوحيد هو المنقذ للإنسانية والإنسان، وهؤلاء حكروا الدين في بعض المتدينين الذين هم من صنعهم من أجل تشويه الدين والإسلام.
أخيراً، لا إنسانية بلا إسلام.
لم يأت الإسلام إلا ليؤكد حقيقة الإنسانية الحقة، واستكمالها خلقاً وكمالاً، ولم يأت لتحويل الإنسان إلى تابع للعقل مرة، وللمزاج أخرى، وللهوى ثالثة، وكلها خدمة للشيطان الرجيم.