كلف الرئيس العراقي الجديد برهم صالح مساء، أمس الثلاثاء، السياسي المخضرم وزير النفط الأسبق عادل عبدالمهدي بتشكيل حكومة جديدة للبلاد خلال مهلة دستورية لا تتخطى شهراً، وهي مهمة تبدو شاقة وسط سعي ائتلافات عدة داخل البرلمان إلى تقديم نفسها بوصفها الأكثر حضورا وبالتالي الأحق في تمثيل أكبر.
وينحدر عبد المهدي من عائلة برجوازية ويتمتع بخبرات اقتصادية وسياسية كبيرة، وقبولا واسعا من الأطراف السياسية الرئيسية. والمفارقة أنه سبق أن صدر ضده حكم غيابي بالإعدام جراء نشاطاته المعارضة في ستينيات القرن الماضي، ليصل به الحال اليوم إلى مكلف بقيادة حكومة البلاد.
وعبدالمهدي مرشح توافقي فيما يبدو -وليس عن طريق الكتلة الأكبر- من تحالف الإصلاح والإعمار بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ورئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي من جهة، وتحالف البناء الذي يضم ائتلاف الفتح برئاسة هادي العامري المدعوم من إيران، وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي من جهة أخرى.
الولادة والدراسة
ولد عادل عبدالمهدي المنتفكي عام 1942 في بغداد لأسرة متعلمة برجوازية، حيث كان والده وزيراً خلال عهد ملك العراق فيصل الأول، وأيضاً نائباً في مجلس الأعيان العراقي ممثلاً عن المنتفك، وهي قبيلة عربية تستوطن جنوبي العراق.
أكمل دراسته الثانوية في كلية بغداد بمنطقة الأعظمية شمالي بغداد، ونال شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة بغداد عام 1963، ثم حصل على الماجستير في العلوم السياسية من المعهد الدولي للإدارة العامة بباريس عام 1970، والماجستير في الاقتصاد السياسي من جامعة بواتييه في فرنسا عام 1972.
فرغ من كتابة أطروحة دكتوراه في جامعة السوربون، لكنه لم يناقشها بعد أن رفض إملاء المشرف بتغيير بعض آرائه فيها، ونشرها بالعربية مركز دراسات فلسفة الدين ببغداد، والدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت عام 2009 بعنوان “الثوابت والمتغيرات في التاريخ الاقتصادي للبلاد الإسلامية”.
عمل في فرنسا بمركز البحث الإقليمي الاقتصادي في جامعة بواتييه عام 1973، ثم في المعهد القومي للتنمية العربية في بيروت حتى وقت الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وعاد بعدها إلى فرنسا مرة أخرى. وهو يجيد التحدث بالإنجليزية والفرنسية.
نشاطه السياسي
انتمى عادل عبدالمهدي في بداية شبابه إلى حزب البعث عندما كان في سنوات تأسيسه الأولى، لكنه ترك الحزب عام 1963.
وعلى خلفية نشاطاته كمعارض تعرض للسجن لفترة وجيزة، وعندما أفرج عنه سافر إلى فرنسا، حيث واصل نشاطاته المعارضة في المهجر، وبسبب ذلك صدر ضده حكم غيابي بالإعدام في ستينيات القرن الماضي.
تأثر بالأفكار القومية العربية والاشتراكية، ثم الشيوعية الماوية أثناء وجوده في فرنسا، ثم انخرط في التيار الإسلامي الشيعي بعد الثورة الإيرانية.
عمل منذ بداية الثمانينيات مع زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق محمد باقر الحكيم، وكان قياديا فيه ومثله في العديد من الدول والمناسبات، لكنه جمد نشاطه الحزبي منذ العام 2015 وبات مستقلاً.
تقلد منصب رئيس المعهد الفرنسي للدراسات الإسلامية، كما ترأس تحرير عدة مجلات باللغتين العربية والفرنسية.
عاد إلى العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، وصار عضوا مناوبا عن عبد العزيز الحكيم بمجلس الحكم في مرحلة سلطة الإدارة المدنية التي عينها الحاكم الأميركي للبلد آنذاك بول بريمر.
شغل عبد المهدي عدة مناصب في الحكومات التي تشكلت بعد عام 2003 في العراق، من أبرزها منصب وزير المالية في الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة إياد علاوي عام 2004، ومنصب نائب رئيس الجمهورية بين عامي 2006 و2010، ووزير النفط في حكومة العبادي التي تشكلت عام 2014، قبل أن يستقيل من منصبه في مارس 2016.
لكن هذا الرجل الذي تنقل في دوائر دبلوماسية عدة في العراق، يعتبر اليوم مستقلا. ويُحسب له اليوم أنه شخصية إجماع دولي، في بلد يجد نفسه -شاء أم أبى- في خضم التوتر بين الخصمين اللدودين إيران والولايات المتحدة، كما أنه مقرب من الأكراد الذين صوتوا قبل عام على الانفصال.
ولطالما كان هذا الخبير الاقتصادي واحدا من القياديين في حزب مقرب من إيران، لكنه مع ذلك يحظى بتأييد الأمريكيين والأوروبيين.
ووفق الدستور العراقي، أمام عبدالمهدي 30 يوماً يشكل خلالها الحكومة، وفي حال فشله يكلف رئيس البلاد شخصاً آخر.
بتصرف في العنوان.