بدأت إجراءات تحفيزية واسعة لتعديل الدستور في مصر بشكل غير رسمي، عبر المسارين الإعلامي والبرلماني، فيما حافظت السلطات المصرية على صمتها الرسمي ولم تصدر تصريحات تؤكد أو تنفي التوجه الأبرز للصحف والشخصيات الموالية للنظام.
ونقلت وسائل إعلام خاصة عن مصادرها عقد ائتلاف “دعم مصر” اجتماعاً طارئاً، أمس السبت، بمقره بالتجمع الخامس لمناقشة آلية تقديم التعديلات المنتظر إدخالها على الدستور للبرلمان في جلسته المقبلة.
وكشف موقع “مدى مصر”، وفق مصادر برلمانية، بعضوية المكتب السياسي للائتلاف، عن أن الائتلاف سيدرس مسارين لتقديم التعديل، الأول متمثل في تقديم التعديلات باسم أحد نوابه، بطلب يحمل توقيع الـ120 نائبًا، وفي هذه الحالة يحيله رئيس المجلس للجنة التشريعية، أو تقديمه كطلب من النواب الـ120 مجتمعين، دون ذكر اسم أحدهم، ومن ثم إحالته للجنة العامة بمجلس النواب -المكونة من رؤساء الهيئات البرلمانية والأحزاب- لدراسة الأمر، ليأخذ مساره في المناقشة لحين الاستفتاء الشعبي عليه.
وكان عبدالهادي القصبي، رئيس ائتلاف دعم مصر وزعيم الأغلبية البرلمانية، كشف عن رأيه خلال حواره في برنامج “الحياة اليوم”، مع الإعلامي خالد أبو بكر، على قناة “الحياة” نهاية العام الماضي قائلاً: “تعديل الدستور بحاجة إلى بحث دقيق، فبعض مواده بحاجة إلى تعديل”.
يأتي ذلك بالتزامن مع حملة إعلامية بارزة تعززها حوارات وتصريحات من شخصيات عديدة تدعم تعديل الدستور.
وكثف موقع “اليوم السابع” المحسوب على النظام، من هذا الاتجاه خلال الأيام الأخيرة، ونقل عن النائبة لميس جابر في حوار معها موافقتها مد فترة الرئاسة للرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي وصولاً لبقائه إلى 40 سنة بحسب رغبتها.
وأبرز في حوار ثان مع د. صلاح فوزي، عضو لجنة إعداد دستور 2014، ما أسماه “باعتراف فوزي” بأن التجربة أثبتت أن الدستور الحالي به أمور غير منطقية ودعمه لتعديله.
وأعلن سامح عاشور، نقيب المحامين عضو لجنة الخمسين لإعداد الدستور، بالتزامن كذلك في حلقة مع الإعلامي وائل الإبراشي في برنامج “كل يوم” على فضائية “on e” موافقته على تعديل الدستور طالما أنه لا مساس بالمواد فوق الدستورية، وأن هناك إرادة شعبية لذلك، واصفاً الدستور بأنه ليس مثالياً وكان له حسابات ثورية ومبني على دستور 2012 المحسوب على نظام د. محمد مرسي.
ولم يمانع المرشح الرئاسي السابق عمرو موسى في حوار مع الإعلامي المحسوب على السلطة عمرو أديب من تعديل الدستور بشرط أن يكون باحترافية، مؤكداً أن الدستور نص على التعديل من خلال خُمس أعضاء البرلمان أو بطلب من رئيس الجمهورية بجانب أن يكون في إطار حوار قومي ووطني.
التذرع بأن دستور 2014 مجرد تعديل لدستور 2012 المحسوب على الإخوان المسلمين طريقة رائجة في الدعاية للتعديل المرتقب، وفي هذا الإطار، صرح ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، أن الدستور الحالي ليس دستوراً جديداً، لكن اسمه “التعديلات الدستورية على دستور عام 2012 وهو دستور الإخوان”، بحسب تعبيره.
وأعلن ضياء رشوان دعمه للتعديل بحسب موقع “اليوم السابع” مبرراً ذلك أيضاً بأن لجنة الخمسين وضعت الدستور في ظل تزايد وتيرة الأعمال الإرهابية.
“ليس مثالياً”، هكذا الوصف الجديد للدستور الذي شهد دعاية كبيرة في العام 2014، وهو ما صرح به طلعت عبدالقوي، رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، وعضو لجنة الخمسين لصياغة الدستور، مؤخراً إلى الإعلامية لبنى عسل، ببرنامج “الحياة اليوم”، المذاع عبر فضائية “الحياة”.
وقال: كان دستوراً موائماً للمرحلة ولم يكن مثاليًا أو أحسن دستور في العالم، والناس خرجت و98.8 قالوا: نعم لهذا الدستور، وأقسم عليه الرئيس والوزراء ومجلس النواب، ولكن الآن بعض مواد الدستور بحاجة لتعديل وإعادة نظر.
الأمر استلزم في 29 يناير الماضي عقد مؤتمر صحفي داخل مكتبة الإسكندرية، صرح فيه د. مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، بأن الدستور وثيقة يجب أن تحترم وتظل محل قداسة، لكن لسنا عبيداً للدستور، فإرادة الناس هي التي تحدد، مشيراً إلى أن هناك آليات وضوابط معينة حتى لا نرى تعديلاً يشبه تعديل المادة (76) في منتصف عام 2005 و2007 في إشارة إلى تعديلات الرئيس المخلوع حسني مبارك لتمديد فترات الرئاسة.
بدوره، صرح المهندس موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد والمرشح المنافس للرئيس الحالي في الجولة الانتخابية الأخيرة لرئاسة الجمهورية، خلال مداخلة هاتفية في برنامج “رأي عام”، مع الإعلامي عمرو عبدالحميد، على قناة “ten”، بأنه مع تعديل الدستور والمدد الرئاسية لأنه أمر مطلوب، دون توضيح أسبابه.
أصوات للمعارضة
وفي المقابل، ما زالت جبهة المعارضة للتعديلات تسجل رفضها رغم ضراوة المواجهات التي أسفرت عن اعتقالات بمعسكر التيار الليبرالي والناصري قبل أيام، حيث وجهت 9 من المنظمات الحقوقية المصرية المستقلة نداءً إلى رئيس الجمهورية بعدم المساس بالدستور والامتثال لأحكامه.
ووقع على النداء كل من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، و”كوميتي فور چستس”، ومركز النديم، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، والمنظمة العربية للإصلاح الجنائي، ومؤسسة بلادي للحقوق والحريات.
وطالبت منظمات حقوق الإنسان المستقلة الموقعة كافة الأقلام المصرية الحرة بحسب وصفها بالضغط من أجل التزام الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية بأحكام الدستور ومغادرة منصبه بمجرد انتهاء مدة ولايته الثانية والأخيرة في يونيو 2022، مؤكدة رفضها التدخل بأي صورة في مسار الانتخابات الرئاسية القادمة، حتى يتمكن المصريون من اختيار رئيسهم القادم بإرادتهم الحرة ودون وصاية.
وقالت في بيانها: الأولى أن تُمنح الأولوية خلال الفترة المتبقية من حكم عبدالفتاح السيسي لمهام إنقاذ البلاد من المسار الكارثي الذي آلت إليه، بفعل إغلاق الحكومات المتعاقبة –بما فيها الحكومات التي عينها- سبل الإصلاح التي تطلع لها الشعب منذ يناير 2011، واللجوء لأعمال القمع على نحو غير مسبوق، بما في ذلك ارتكاب المذابح الجماعية وإصدار أحكام إعدام بالجملة وقتل المئات خارج نطاق القانون وسجن عشرات الآلاف فضلاً عن التوسع في ممارسات التعذيب والإخفاء القسري.