يثير موقف الصومال المحايد في أزمة بناء سد “النهضة” بين مصر وإثيوبيا جدلًا واسعا بين الصوماليين.
بعضهم يرى أن هذا الحياد يمثل نهجا مغايرا لسياسة الصومال الخارجية المتجانسة مع القضايا العربية، بينما يعتبر آخرون أنه يخدم المصلحة الوطنية، بغض النظر عن الانتماءات، وبعيدًا عن الاستقطابات السياسية في المنطقة، حيث يسعى الكل إلى مصالحه.
وتتخوف القاهرة من تأثير سلبي محتمل للسد (قيد الإنشاء) على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر معكب، بينما تقول أديس أبابا إن السد ضروري للتنمية، ولا تستهدف الإضرار بمصر.
وأيّد الصومال، مطلع مارس/آذار الماضي، قرارًا تبنته جامعة الدول العربية يؤكد على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، ويرفض أية إجراءات إثيوبية أحادية في ملف السد.
لكن سرعان ما تبدل موقف مقديشو، حيث أعلن وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، أحمد عيسى، أن موقف الصومال في النزاع المائي بين مصر وإثيوبيا هو إمساك العصا من الوسط، ومساعدة البلدين لتسوية خلافاتهما، لا سيما بشأن عدد سنوات ملىء وتشغيل السد.
** المصالح وليس الانتماءات
التشبث بالموقف المحايد، وفق خبراء، في ظل التجاذبات السياسية بالمنطقة، ينأى بالصومال على الأقل في هذه المرحلة عن صراعات جديدة، أو أن يكون رأس حربة ضد أي دولة، وهو ما يضعه بمأمن من ارتدادات سياسية وأمنية عند انحيازه لأحد الطرفين.
وفق محمد عمر طلحة، نائب في البرلمان الصومالي، عضو لجنة السياسية والخارجية والأمن القومي بالبرلمان العربي، فإن “المصالح هي التي تحدد القرارات في أي دولة، بغض النظر عن العلاقات والانتماءات، وموقف الصومال المحايد، بالوقوف على مسافة واحدة بين مصر وإثيوبيا، ليس بعيدًا عن العرف السياسي المعمول به دوليًا”.
وأضاف طلحة للأناضول أن “على الصومال لعب دور الوسيط في الصراع المائي الجديد بين دول المنطقة، ليحمي طرف ثوبه السياسي من نيران الصراعات المتأججة، ويحافظ على استقراره النسبي وتوازنه السياسي بين تكتلات المنطقة، بعد سنوات من انتهاجه سياسة تبعية الأعمى”.
وتابع: “الصومال ليس طرفًا في صراع نهر النيل، وانحيازه لطرف على حساب الآخر لا يخدم مصالحه في هذه المرحلة ولا يتناغم مع المرحلة السياسية التي يمر بها، وخاصة في ظل استعداداته لدخول انتخابات رئاسية ستكون بمثابة معركة كسر العظام”.
واعتبر طلحة أن “الرؤى تتشابك وتتضارب داخل البيت العربي بشأن قضايا عديدة في المنطقة، وهو ما يبدد احتمالية أن يواجه الصومال وحده تداعيات سياسية جراء موقفه الحيادي”.
** “انحياز” و”تهور”
يرى محللون أن قرار الصومال المتذبذب تجاه ملف سد “النهضة” هو “بمثابة انتحار سياسي” قد يرسم منحى جديدًا للعلاقات المصرية الصومالية، بعد عقود كانت فيها متجانسة بشأن قضايا مصيرية على المستويين العربي والإفريقي.
وقال مهد صلاد، برلماني صومالي، إن “القرارات السياسية غير المستقرة للصومال في محاور عدة هي نتاج تهور قادة البلد، بحيث لا تراعي المبادئ والثوابت السياسية للصومال في القضايا العربية”.
وأردف صلاد للأناضول أن “موقف الصومال تجاه ملف سد النهضة تفوح منه رائحة انحياز تام لإثيوبيا على حساب مصر، دون دراسة تداعيات هذا القرار، الذي قد يمس حصة مصر من مياه النيل، وهو شريان حياة للشعب المصري”.
واستطرد: “مصر دعمت قضية الصومال طيلة السنوات الماضية، ولديها مواقف داعمة للصومال في مختلف الأصعدة، بما فيها السياسية والأمنية، وموقف الصومال المنحاز مشين ولا يرقى إلى العلاقات التاريخية والثقافية بين البلدين”.
** توازن دون إضرار
ويعتبر مراقبون أن إيفاد مصر مسؤولًا على مستوى مساعد وزير الخارجية إلى مقديشو، منتصف مارس/آذار الماضي، في ظل تحركات دبلوماسية مصرية لكسب تأييد الدول الإفريقية، يعكس إدراك القاهرة لمحدودية قدرة الصومال على التأثير في هذا الملف.
ورأى أويس حسن، صحفي ومحلل سياسي، أن “الزج بالصومال في ملف سد النهضة، رغم أنه ليس من دول حوض النيل، ما هو إلا استثمار لمصالح القاهرة على حساب مقديشو، بحكم موقعها الجغرافي الذي يشهد تحولات سياسية سريعة”.
وأضاف حسن للأناضول أن “الصومال يسعى بموقفه المحايد إلى تحقيق توازن في علاقاته مع البلدين، مرعاة لمصالحه الوطنية دون الإضرار بمصالح الآخرين”.
وتابع أن “تراجع الصومال عن موقفه المؤيد للقاهرة، واختياره الحياد، يأتي ضمن حرص الصومال على شراكته مع إثيوبيا في ملفات إقليمية سياسية وأمنية، فأوراق الضغط الإثيوبي أكثر بكثير مما تملكه مصر حاليًا، في ظل تراجع ملحوظ للدور العربي في الصومال”.
** صفر مشاكل
وفق محمد عبدي شيخ، وهو صحفي ومحلل سياسي، فإنه “في ظل العلاقات التاريخية بين مصر والصومال، فإن موقف مقديشو المحايد في ملف السد، لا يعني فك الارتباط مع القاهرة، نظرًا للمواقف الصومالية السابقة الداعمة لها، كما حدث حين وقعت مصر اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل 1978، حيث انحاز الصومال إلى مصر عندما قررت الدول العربية مقاطعتها”.
واستدرك: “لكن بحكم التحولات السياسية في منطقة القرن الإفريقي، بعد وصول آبي أحمد لسدة الحكم في إثيوبيا، وتغير السياسة الخارجية الإثيوبية تجاه الصومال، بدأت العلاقات الصومالية مع أديس أبابا تتناغم بشكل غير مسبوق تجاه ملفات سياسية وأمنية بالمنطقة، ولا تريد مقديشو خسارة تلك العلاقات دفعة واحدة”
وأضاف أن “غياب الدور العربي، بما فيه مصر، في حلحلة الأزمة السياسية الصومالية طيلة العقود الماضية، جعل الصومال يرتمي في أحضان دول أخرى، بحثًا عن مخرج لأزمته السياسية والأمنية، وهو ما أدى إلى تراجع الدور العربي بالملف الصومالي”.
وتابع عبدي شيخ: “الدول العربية استثمرت مليارات الدولارات في إثيوبيا وكينيا، بينما كان الصومال ساحة للصراعات في كل الاتجاهات، وهو ما يبرز تقاعس وإهمال الدول العربية للقضية الصومالية”.
واعتبر أن “مصلحة الصومال تقتضي اتخاذ مبدأ (سياسة صفر مشاكل) مع دول الجوار في هذه المرحلة، بعد نحو ثلاثة عقود كان فيه البلد مرتعًا لصراعات مع دول الجوار، وخاصة مع إثيوبيا، التي كانت لها اليد الطولى في تأجيج الصراعات في الصومال”.