تزايدت أعداد المتسولين في لبنان، خاصة بالعاصمة بيروت وضواحيها في الآونة الأخيرة، تتركز بفئة الأطفال الذين ينتشرون على التقاطعات المرورية والطرقات المزدحمة.
يتحرك هؤلاء بخفة يستجدون عطف المارة طلبا للمال، بقصص وروايات مؤثرة، تقنع البعض دون تردد بتقديم يد العون، فيما يغالب آخرون عواطفهم، بالقول: إن المتسولين يعلمون ضمن شبكات تنظم عملهم.
يتذكر اللبنانيون قصة المتسولة اللبنانية “المليونيرة” فاطمة عثمان، التي توفيت في مايو 2018، وتبين أن رصيدها بلغ عند وفاتها 5.5 مليون دولار في أهم المصارف اللبنانية.
تقول سيما معاوية، مديرة المشروع الوطني لمكافحة التسول في وزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان: إن أكثر من 15 ألف متسول ينتشرون على الأراضي اللبنانية.
وتضيف معاوية في تصريح لوكالة “الأناضول”، أن 76% منهم يحملون الجنسية السورية، و8% فلسطينيين، ومثلهم لبنانيون، والنسبة المتبقية (8%) من جنسيات أخرى.
وذكرت أن أيادي مشبوهة تمثل المسار اليومي لهذه الظاهرة المتنامية، تبدأ مع شروق الشمس وتختفي ليلاً.
وذكرت “الأناضول”: هناك أناس مجهولون يوزعون الأطفال توزيعاً مدروساً على مفترقات الطرق والساحات، كبضائع بشرية صالحة للاستثمار.
يتم توزيع هؤلاء الأطفال على مواقعهم، فيقضون النهار كله متنقلين بين سيارة وأخرى لجني المال.
يعتمد بعضهم التسوّل المقَنّع من خلال بيع البضائع كالورود، وبعضهم يمد يده لينال عطف المواطنين، بعبارات مثل “عطشان أعطيني ثمن زجاجة ماء”.
يجبر مروان أولاده الأربعة على التسوّل، ويعلل فِعلته بسعي عائلته وراء لقمة العيش، أما سبب امتناعه عن العمل، فيتذرّع والد المتسوّلين بمرضه.
لم يُرسل مروان أولاده إلى المدرسة، فهو يقول: إنهم يعملون في بيع الورود في الحمراء، أحد الشوارع الرئيسة بالعاصمة.
ويعتبر الرجل أن العمل بالنسبة له ضروري أكثر من العلم، فهو مصدر رزق، أما كلفة تعليم أولاده فتشكل عبئاً إضافياً عليه، لذلك يدفع بالأولاد إلى العمل لأنها أفضل من السرقة على حد قوله.
ويوزّع مروان أولاده في المنطقة، لافتاً إلى أن أصغرهم يجني يومياً مبلغاً يتراوح من 50 ألفاً إلى 75 ألف ليرة لبنانية (34 إلى 50 دولار تقريباً).
هذا الواقع المرير، يمثل واقعاً قائماً بذاته، ينسحب على عدد غير قليل من العائلات، وهذه المشاهد تمثل جزءاً بسيطاً من شبكة التسوّل، التي تتشعّب لتبلغ حدّاً لا يمكن تصوّره.
المشهد نفسه يتكرر في مختلف شوارع بيروت، حيث يتوزع المتسولون يومياً على الطرقات، ويبتكرون أفكاراً وأساليب جديدة لاستعطاف المارّة.
يركض طفل ويقول في أحد شوارع بيروت: أنا من سورية، أُقيم مع عائلتي في بيروت، ولا نملك مالاً لشراء الدواء لوالدي ولا لشراء الطعام، ولا أحد يقدّم لنا المساعدة”.
بينما طفلة سورية أيضاً تحمل أكياساً من المناديل، وتقف عند الإشارة في محيط المدينة الرياضية ببيروت، البعض يعطف عليها ويشتري منها، والبعض الآخر لا يبالي.
وعندما التقطت مراسلة الأناضول أطراف الحديث مع الطفلة، ردت الأخيرة: أنا يتيمة الوالدين، أهلي قُتِلوا في حلب السورية، وأعيش مع جدّتي في بلدة جنوب مدينة بيروت، كل يوم أقوم ببيع أكياس المناديل أنا وأختي كي نعيش.
مشهد وحزن
يترك مشهد هؤلاء المتسوّلين شعوراً قاسياً لدى المارّة، الذين باتوا لا يعرفون من يستحق ممَّنْ يمتهن ذلك عملاً، علماً أن مساعدات الدول المانحة لا تغطي جميع اللاجئين السوريين في لبنان.
ويقدر لبنان عدد السوريين اللاجئين على أراضيه جراء الحرب المستمرة بهذا البلد منذ عام 2011، بنحو مليون ونصف المليون، بينما تقول الأمم المتحدة: إنهم أقل من مليون.
وقالت ليزا أبو خالد، المسؤولة الإعلامية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: “حالياً وضمن برنامج المساعدات النقدية، نساعد 30% من العائلات اللاجئة، قيمة المساعدة 173 دولاراً شهرياً للفئات الأكثر حاجة، ويقدرون بنحو 280 ألف شخص”.
وأضافت في تصريحات صحفية، فبراير الماضي: “برنامج الأغذية العالمي يدعم 695 ألف شخص بالمساعدات الغذائية.. كل شخص يحصل على مبلغ 27 دولاراً.. وثمة 857 ألف لاجئ يحصلون على مساعدة بقيمة 370 دولاراً للتدفئة وغيرها من الحاجات محددة بأشهر فصل الشتاء”.
الوضع القانوني
قانونياً، يؤكد المحامي بالاستئناف زكريا يحيى الغول، أن المواد التي تتطرق للتسول تندرج تحت المادة (610) وما يليها من قانون العقوبات اللبناني.
ويقول الغول لـ”الأناضول”: تنص المادة (610) على أن من كانت له موارد، أو كان يستطيع الحصول على موارد بالعمل، واستجدى لمنفعته الخاصة الإحسان العام في أي مكان كان، أما صراحة أو تحت ستار أعمال تجارية، عوقب بالحبس مع التشغيل لمدة شهر على الأقل وستة أشهر على الأكثر.
ويتابع: يمكن فضلاً عن ذلك، أن يوضع في دار للتشغيل وفقاً للمادة (79)، مضيفاً: ويقضي بهذا التدبير وجوباً في حالة التكرار.
مكافحة التسول
بدورها، تقول مديرة المشروع الوطني لمكافحة التسوّل في لبنان سيما معاوية: إن عمل 10 أطفال لمدة 8 ساعات في اليوم، وعلى فترة 30 يوماً، قادر على تأمين حوالي 800 دولار يومياً، وما يوازي الـ24 ألف دولار في الشهر.
وتضيف: مشكلة التسول هي مشكلة كبيرة تحتاج إلى سياسة دولة لذلك تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بتشبيك علاقاتها مع كل الوزارات المعنية، لتأمين أمن وسلامة هؤلاء الأطفال.