تغير لافت لنائب رئيس الجمهورية المصري الأسبق محمد البرادعي في متابعة الشأن المصري في الفترة الأخيرة عبر تسليط الضوء على معاناة الصحفيين والحقوقيين وقيادات الإخوان والمعارضة ومحمد مرسي، أول رئيس منتخب بعد ثورة 25 يناير، فضلاً عن رفض الإعدامات المتواصلة بحق المعارضين، وهو ما أثار الجدل مجدداً بين قيادات بارزة في المشهد وعلى مواقع التواصل الاجتماعي من ناحية وهجوم حكومي من ناحية أخرى.
تضامن ملحوظ
ففي الساعات الأخيرة، انتقد البرادعي منع الزيارة عن محمد مرسي، وقيادات جماعة الإخوان المسلمين بمحبسهم وخاصة منهم محمد البلتاجي، قائلاً عبر حسابه الموثق بـ”تويتر”: “إذا كان صحيحاً، وأرجو أن أكون مخطئاً، أن د. مرسي ونجله، ود. البلتاجي وكثيرين غيرهم قد مُنعت عنهم الزيارة لمدد تتراوح بين شهور وسنوات، فإننا نكون أمام وضع بشع أخلاقياً وقانونياً لا يمكن فهمه ولا يمكن أن يستمر، مَن المسؤول؟ وهل سيحاسب؟ ولماذا الغضب من تقارير منظمات حقوق الإنسان؟”.
وسبق هذه التغريدة، انتقاد البرادعي الجمعة الماضية كذلك لإصابة البلتاجي بجلطة دماغية، وقال في تغريدة له: “الحق في العناية الطبية هو حق أساسي من حقوق الإنسان (المادة (25) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)، ويجب أن يكون متاحاً لكل إنسان حتى وإن كان مقيد الحرية، ينطبق هذا على د. محمد البلتاجي وأي إنسان في حاجة إلى رعاية صحية، إنسانيتنا واحدة ليست انتقائية ولا تتجزأ”.
وغرد البرادعي في 12 فبراير الماضي كذلك على حسابه داعماً للكاتب الصحفي الموقوف في مصر هشام جعفر قائلاً: “لا أعرف هشام جعفر، ولكني أقرأ عن حالات كثيرة مماثلة -حبس احتياطي بالمخالفة للقانون- إذا كان هذا صحيحاً، فنحن نسير في طريق لا ندرك عواقبه! إذا لم تحترم الدولة القانون فمَن سيحترمه؟ وكيف يمكن أن تكون دولة؟”.
ودخل البرادعي كذلك في توافق بارز مع محمد محسوب، وزير الشئون البرلمانية في حكومة محمد مرسي العام 2012، حيث دارت نقاشات بينهما مطلع العام الجاري عبر تغريدات على حسابيهما بـ”تويتر” حيث توقع محسوب في تغريدات متبادلة مع البرادعي، أن “يكون عام 2019 بداية تغيير للأفضل”، ولكنه اشترط على البرادعي الوحدة قائلاً: “بشرط أن نكون معاً.. نتعلم مما مضى ولا نجعله سبباً لفرقتنا.. فلم تولد بعد الدكتاتورية التي تكسر شعباً موحداً حول هدف واحد”، كما اقترح إصدار وثيقة تعاون، مؤكداً أنه لا غنى لأي شعب عن وثيقة تترجم آماله وتضع صيغة لتعايش مكوناته متساويين في الحقوق والواجبات، فالتمييز واضطهاد المخالف في الرأي أو العقيدة جزء من ميراث الاستبداد الذي علينا هزيمته ومواجهة هذه التركة الثقيلة بشجاعة سيكون تصحيحا للماضي وتأسيسا لمستقبل يجمعنا ويفتخر به أبناؤنا.
في المقابل، رجح البرادعي أن تكون نقطة البداية لأي توافق هي الاتفاق التفصيلي على أرض الواقع على مفهوم حرية العقيدة ومفهوم المساواة بين المواطنين، معتبراً أنها أمور أساسية في مجال الحقوق والواجبات دائماً ما نتجنب مواجهتها، متسائلاً: هل حان الوقت أن ننظر إلى المستقبل وألا نقبع أسرى للماضي؟
من جانبه، ثمن الكاتب المعارض وأحد ممثلي جماعة الإخوان في “الجبهة الوطنية المصرية” قطب العربي ما وصفه بـ”المواقف الإيجابية الجديدة للبرادعي، مؤكداً أنها مواقف تستحق التحية والتشجيع، وليس الصد والتخوين، حيث إن الكل أخطأ، والكل مطالب بتجاوز خلافات الماضي من أجل المستقبل الذي لن يستطيع فريق واحد بناءه منفرداً.
وأضاف في حديث لـ”المجتمع” أنه من الأهمية بمكان توحيد الصفوف وتثمين المواقف الإيجابية ودعوة الجميع لتوحيد الصفوف من أجل إنقاذ مصر والتغيير، وأنتظر من آخرين من رموز التيار الليبرالي أن يسيروا على خطى البرادعي لا أن يعرقلوا خطواته، وأنتظر من رموز التيار الإسلامي أن يعلنوا موقفاً داعماً للاصطفاف في مواجهة نظام السيسي.
وأعرب نائب رئيس اتحاد طلاب مصر ورئيس اتحاد طلاب الأزهر الأسبق أحمد البقري عن أهمية توحيد الجهود، خاصة أن مصر في ظل الظروف الراهنة تحتاج للجميع، ورغم أن مشاركة البرادعي في 3 يوليو 2013 أمر لا يصح في تاريخه، ولكن هناك الكثير من المواقف الإيجابية للرجل كرفضه مجزرة رابعة واستقالته وما تلاها من مواقف، ولكن عليه الكثير الآن لعمله تجاه الوطن الذي يدمر حاضره ومستقبله.
ودعا البقري في حديث خاص ممثلي الجماعة الوطنية إلى الإنصاف وتوسيع دائرة المواقف الإيجابية بالإشادة بها وطلب المزيد بإنصاف وتجرد من أجل إنقاذ مصر، مؤكداً أن الوطن يسع كل الوطنيين حتى لو اختلفوا في مرحلة ما مادام الأمر في إطار سياسي.
وفي ذات المعسكر المعارض، رفضت تدوينات وتغريدات متكررة المواقف الجديدة للبرادعي، واسترجعت مواقف وصفتها بالسلبية بعد أحداث 3 يوليو 2013 وقبوله بمنصب نائب الرئيس، وذهبت تعليقات إلى ضرورة توقف قيادات الإخوان والمعارضة عن التعاون مع البرادعي.
هجوم حكومي
في المقابل، شن إعلام محلي موال للسلطات المصرية هجوماً حاداً على البرادعي مستنكراً تضامنه مع قيادات المعارضة.
وقال موقع “اليوم السابع” المحسوب على النظام المصري، مساء الأحد 3 مارس، “لليوم الثاني.. البرادعي يغازل الإخوان”، قائلاً: “لليوم الثاني على التوالي، يواصل محمد البرادعي، المدير العام السابق لوكالة الطاقة الذرية، دوره لتقديم الدعم لقيادات وأعضاء جماعة الإخوان الإرهابية والعناصر المتطرفة الواقفة وراء مخططات هدم الدولة المصرية، حيث يحرص بشكل دائم على توجيه تغريداته لمغازلة المخربين والإرهابيين”، بحسب تعبيره، وعادة تنفي جماعة الإخوان المسلمين علاقتها بالعنف والإرهاب، مؤكدة تمسكها بالعمل المدني السلمي، لكن المنصات الحكومية في العادة تردد ذات الاتهامات، وفق ما هو مرصود منذ اندلاع الأزمة السياسية في البلاد في 3 يوليو 2013.