تملك الصين ناتجاً قومياً يفوق 11 تريليون دولار تسبقها الفيدرالية الأمريكية بناتج قومي يقدر بـ18 تريليون دولار؛ ما يجعل من الصين قطبا اقتصاديا منافسا لأمريكا. في المقابل فإن روسيا تملك أكبر ترسانة نووية في العالم إلى جانب أمريكا، وتملك أكبر ترسانة تقليدية من الأسلحة؛ وهو ما يجعل منها العملاق النووي والعسكري الموازي للفيدرالية الأمريكية.
أمريكا اليوم تواجه عملاقين، أحدهما اقتصادي والثاني نووي يسعيان بإلحاح إلى تغيير قواعد اللعبة الدولية، واستعادة التوازن في الساحة الدولية، يظهر ذلك بوضوح في قراءات المحللين الاستراتيجيين الروس الذين يعتبرون الصين منافسا اقتصاديا لأمريكا، في حين تظهر روسيا كحارس شخصي يقدم لها الحماية من الفيدرالية الأمريكية؛ قراءة جاءت مباشرة بعد خطاب بوتين الأخير أمام المجلس الفيدرالي الروسي بالقول بأن روسيا لن تسمح بمهاجمة شركائها في العالم من قبل أمريكا.
اللعبة الدولية أصبحت أكثر وضوحا خصوصا بعد التصريحات المتتالية لمسؤولين وقادة عسكريين أمريكان أشاروا فيها إلى أن الحرب القادمة ستكون مع الصين؛ متباهين بقدرة أمريكا على إزالة الصين عن الخارطة العالمية، مقدرين أن هذه الحرب من الممكن أن تندلع بعد عشر سنوات.
غير أن خطاب بوتين الأخير جاء ليضع النقاط على الحروف؛ فلا مهاجمة إيران أمر ممكن، ولا الاستفراد بالصين كذلك أمر ممكن؛ فأمريكا مشتتة تماما؛ حيث إن المسألة لا تتعلق بمواجهة روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية فقط، إنما القوى الاقتصادية الصاعدة في أمريكا الجنوبية كالبرازيل إلى جانب الهند في آسيا وجنوب أفريقيا، يضاف إلى ذلك القوى الإقليمية الصاعدة كإيران وتركيا والباكستان وإندونيسيا، والمترافق مع تراجع واضح في علاقاتها مع حلفائها التقليديين في أوروبا وجنوب شرق آسيا؛ فأمريكا لم تعد قادرة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه حلفائها وصارت سببا في انتاج المشاكل بدل من علاجها.
المخاض الذي تعايشه المنطقة العربية يزيد الأمور تعقيدا في ظل العجز عن التنبؤ باتجاهاته المستقبلية؛ فالأزمة الداخلية في العالم العربي والصعود القوي للقوى الإقليمية والدولية المنافسة لواشنطن يجعل من القدرة على صياغة استراتيجية واضحة، مسألة غاية في الصعوبة.
فأمريكا لم تعد قادرة على تمرير سياساتها بالسلاسة والسهولة التي اعتادتها؛ اذ تواجه تحديات متصاعدة من القوى الدولية والاقليمية؛ حيث صار التصارع الدولي أكثر وضوحا من ذي قبل بعد اتساع الفجوة السياسية والعسكرية والاقتصادية مع الصين وروسيا، وتراجع ثقة الحلفاء التي اهتزت على وقع الأزمة الأمريكية الداخلية، وبات تحديها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن مسألة روتينية ونزعتها الانعزالية أكثر وضوحا؛ فلم تعد قادرة على حشد القوى الدولية أو الإقليمية خلف سياساتها، إلا اذا اعتبرنا بريطانيا الأنجلوسكسونية حليفا يعتد به في ظل بروز عمالقة كألمانيا والصين والبرازيل، وقوى إقليمية كتركيا وإيران لا تملك أمريكا خطابا سياسيا يمكنها من التعاون معها، أو صياغة استراتيجية مشتركة معها، في مقابل اتساع هامش المناورة والحركة لكل من الصين وروسيا؛ إذ أصبحتا أقطابا منافسة وجاذبة للقوى الإقليمية والدولية.
——
* المصدر: علامات أون لاين.