كشفت نتائج التصويت في تنصيب المجالس البلدية الجديدة في تونس عن تقدم واضح للنهضة ونتائج مرضية لحزب النداء، ومواقع محتشمة لبقية الأحزاب، رغم التفاوت المسجل في نصيب كل منها، ورغم تقدم بعض الأحزاب في عشرات البلديات مثل “التيار الديمقراطي” وبعض البلديات التي تقدمت فيها الجبهة الشعبية التي تضم 11 حزباً، بحسب نتائج الانتخابات، فإن نتائج التصويت أثناء تنصيب رؤساء وأعضاء المجالس البلدية لم تعكس ذلك التقدم؛ فالتيار الديمقراطي الذي تقدم من حيث عدد الأصوات المتحصل عليها لم يرأس سوى بلديات لا تكاد تعد على أصابع اليدين، في حين لديه 205 مستشارين، وفق ما ذكرته القيادية في الحزب سامية عبو، في حوار إذاعي، بينما لم تزد الجبهة الشعبية اليسارية عن 10 مقاعد ولم تذكر عدد الأصوات المتحصلة عليها فضلاً عن عدد المستشارين الذين انسحبوا من المشاركة في عدد كبير من المجالس البلدية.
تقدم فارق للنهضة
حسب آخر تحديث للنتائج التي حققتها في تشكيل المجالس البلدية، حتى تاريخ 2 يوليو الجاري، فازت حركة النهضة برئاسة 108 بلديات، بينهم 30 رئيسة بلدية، ووفقاً للتقسيم الجغرافي، حصلت حركة النهضة على رئاسة جميع بلديات مدنين العشرة، وحصدت النهضة 12 بلدية في صفاقس، و10 بلديات في قابس، و8 بلديات في بنزرت، و7 بلديات في بن عروس، و6 في القيروان، إضافة إلى 5 بلديات أخرى في كل من أريانة والقيروان وقبلي والمنستير، ورئاسة 4 بلديات في تطاوين، و4 بلديات في جندوبة، و4 بلديات في منوبة، و4 بلديات في قفصة، وحصلت على رئاسة 3 بلديات في كل ولاية من ولايات سليانة، وبوزيد، والكاف، وحصلت على رئاسة بلديتين في القصرين، ورئاسة بلديتين في باجة، ورئاسة بلديتين في سوسة، وحصلت النهضة على رئاسة بلدية واحدة في كل من توزر والمهدية وتونس، علماً أن عدداً من رؤساء قائمات النهضة قد فازوا برئاسة بلدياتهم يوم الثلاثاء في مقدمتهم رئيسة قائمة النهضة في تونس الكبرى سعاد عبدالرحيم، ورئيس قائمة النهضة في القيروان رضوان بودن، وعدداً آخر من رؤساء قائمات النهضة في مختلف الدوائر حيث لا تزال عمليات تنصيب المجالس البلدية مستمرة حتى 15 من الشهر الجاري، مع تسجيل فوز أكثر من 40 رئيسة قائمة للنهضة برئاسة البلديات في دوائرهن، وهي سابقة تاريخية لم تعرفها تونس من قبل.
وفي نتائج غير رسمية نشرت مساء الثلاثاء 3 يوليو، فقد فازت النهضة بـ123 رئاسة بلدية، مقابل 67 للنداء، و97 للمستقلين (لا توجد بينهم أي روابط تنظيمية أو تنسيقية) و10 للجبهة الشعبية، و13 رئاسة بلدية للبقية.
أم المدائن
رغم أهمية النتائج التي حصلت عليها النهضة، فإن فوزها بمنصب شيخ مدينة تونس، قلب العاصمة، ورمزيتها الأكثر تعبيراً من النواحي التاريخية والإدارية والثقافية والرمزية، يعد تاج الانتصار في الانتخابات البلدية التي جرت يوم 6 مايو الماضي، فبعد الجدل الذي رافق الحملة الانتخابية وسبقها وأعقبها حتى يوم التتويج وبعده، آلت مشيخة مدينة تونس لرئيسة قائمة حزب حركة النهضة سعاد عبدالرحيم، بعد منافسة شديدة مع رئيس قائمة حزب نداء تونس، كمال إيدير، وكان الصراع قد بدأ على أشده منذ ظهور نتائج الانتخابات في 9 مايو الماضي، أي بعد ثلاثة أيام على تاريخ إجراء الانتخابات حيث فازت سعاد عبدالرحيم بـ22 صوتاً وفاز منافسها بـ17 صوتاً، وقد حسمت سعاد عبدالرحيم، التي تعد أول امرأة في تاريخ تونس تتبوأ منصب شيخ المدينة، الجدل الذي استمر نحو 3 أشهر بفوزها في التصويت يوم 3 يوليو الجاري بـ26 صوتاً مقابل 22 لمنافسها.
وأهمية بلدية تونس المدينة تكمن في تاريخها العريق، وفي أنها الأكبر على مستوى البلاد، وبها 60 مستشاراً، ويعد قصر البلدية في مكان مفصلي، وظلت طيلة عقود حكراً على رهط بعينه، وبذلك تستحق لقب أم المدائن التونسية، وقد شاهدنا أنماطاً من التصريحات الذكورية، والتمييزية، والعنصرية، والجهوية، والأيديولوجية، فقد قيل: كيف لامرأة أن تصبح شيخ مدينة تونس، وكانت التصريحات صادرة من “حداثيين”، و”تنويريين”، و”تقدميين”، وقيل: إن المرأة المرشحة من قبل النهضة نازحة وليست ابنة العاصمة (من نفس المخزن)، وقيل: إنها مرشحة من قبل حركة النهضة، بما يعني في نظرهم افتقادها لحق المواطنة، وهو ما يعاقب عليه القانون.
نتائج مرضية
رغم تراجع وتقهقر حزب حركة نداء تونس في الانتخابات البلدية، فإنه فاز بالمركز الثاني بعد حزب حركة النهضة، فمن بين 223 مجلساً بلدياً تم تشكيله حتى نهاية الشهر الماضي، فاز النداء برئاسة 52 بلدية وفق بعض المصادر، في حين أكد بعض قادته أنهم حصلوا على 80 رئاسة بلدية، ولم نعثر في موقع النداء على مواقع التواصل الاجتماعي سوى على أسماء 8 بلديات من البلديات الثمانين الذي يقول: إنه فاز برئاسة بلدياتها، والجبهة على رئاسة 10 بلديات، والتيار على رئاسة 3 بلديات، وحركة الشعب على رئاسة 3 بلديات، والائتلاف المدني على رئاسة بلدية واحدة.
قراءة في النتائج
أثبتت نتائج الانتخابات البلدية أن التصويت رمال متحركة، لا يمكن أن تستقر على حال، رغم وجود قواعد حزبية ترى نفسها ملزمة لقناعات راسخة بجدوى التصويت لحزبها، لكن تلك القاعدة ورغم ثقلها وأهميتها لا تمثل سوى جزء نسبي من الشعب، في حين تمثل الأغلبية غير المنتمية خزان الترجيح، وهي التي أوصلت النهضة والترويكة إلى سدة الحكم في انتخابات 23 أكتوبر 2011، وهي التي دفعت بحزب نداء تونس للفوز في انتخابات 2014 وتصدر المشهد البرلماني بـ86 نائباً لم يبق منهم في الحزب سوى 54 نائباً، بينما حافظت النهضة على نوابها الـ68 حتى الآن أو نقص منهم واحد فقط، وهي نفس الخزان الذي أعطى للنهضة الأسبقية في الانتخابات البلدية الماضية.
ومع الأداء الجيد لحزب حركة النهضة في الانتخابات البلدية، وتشكيل المجالس البلدية، وإثباتها أنها حزب منظم ومهيكل ومتطور، مقابل الانقسام والتشرذم والخلافات داخل الأحزاب الأخرى وكتلها البرلمانية وتحالفاتها الهشة بما فيها تلك التي يعد لها الآن، كمن يجمع الماء في إناء مثقوب.
إن الوتيرة الحالية كما يؤكد محللون ستستمر حتى موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في عام 2019 في ظل مجاميع تجتمع لتنقسم وتقسم المقسّم، وفي ظل الزعاماتية المستفحلة والمستبدة بأصحابها.
وفي كل الحالات تظل النهضة لازمة للحياة السياسية في تونس، فعلى الأقل هي من تساهم في جمع مزق البعض، والبحث عن حلول التوازنات في الساحة السياسية، فمن كان سيملأ فراغ النهضة لو حصل وفق مراقبين؟ ومن كان سيجمع الفرقاء والرفاق الأعداء غير النهضة؟ ومن كان سيستفز نضالات البعض، ويثيرها ويؤججها في غياب النهضة لا قدر الله؟