يؤدي التواصل الاجتماعي دوراً مؤثراً في الصحة الجسمية والنفسية للإنسان، فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن العزلة الاجتماعية قد تزيد فرص الإصابة بالأمراض لدى الإنسان.
كما يرى بعض الباحثين أن ضعف التواصل الاجتماعي قد يؤدي إلى حدوث العديد من المشكلات التي يعاني منها الناس في حياتهم، كعدم نجاح الحياة الزوجية، والمشكلات مع زملاء العمل، وسوء العلاقات مع المعارف.. إلخ.
ولذا، فعلى الوالدين أن يهتما ببناء الجانب الاجتماعي لدى أولادهما بطريقة صحيحة، تجنبهم مساوئ العزلة الاجتماعية، وتحقق لهم مزايا التواصل الاجتماعي الناجح مع الآخرين.
مقومات أساسية:
1- كن نموذجاً عملياً إيجابياً لطفلك في تفاعلك وتواصلك مع من حولك من الجيران والأصدقاء والأقارب، فهو يلاحظ ما تقوم به ويتعلم منك بطريقة تلقائية.
2- وفر له مناخاً أسرياً مستقراً؛ لأن الطفل حين ينشأ في أسرة غير مستقرة، يسودها الخلاف والصراع والصراخ والشجار، فإن ذلك يؤثر على استقراره النفسي ويفقده الشعور بالأمان، وهذا ينعكس على قدرته على التواصل مع الآخرين بصورة سلبية.
3- تحدث مع طفلك عن فضل ومكانة من يخالط الناس ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم عند الله تعالى، بما يناسب عمره وقدرته على الاستيعاب.
4- احكِ له بعض القصص التي توضح أهمية التواصل مع الآخرين والاختلاط بهم، ومشاركتهم في أفراحهم، ومساندتهم في أزماتهم، ومساعدتهم عند الحاجة، وليكن لتجاربك الشخصية بالاحتكاك بالناس والتفاعل معهم نصيب من هذه القصص، فالقصص تؤثر في النفس تأثيراً عميقاً، وتوصل كثيراً من المفاهيم أفضل من الحديث حولها بشكل مباشر.
5- احرص على القيام بكل ما يدعم ثقته بنفسه؛ لأن عدم ثقته بنفسه تجعله غير قادر على التواصل مع الآخرين، وتدفعه للانعزال والانطوائية، ومن أهم الوسائل في ذلك الأمر أن تعمل على اكتشاف ما يتمتع به من قدرات وإمكانات (الرسم والتلوين، أشغال يدوية، التمثيل، طلاقة لغوية، مهارة رياضية، صوت جميل، تفوق دراسي.. إلخ)، ثم تعمل على تنميتها لديه، فهذا يساعده على ارتفاع منسوب ثقته بنفسه، وينعكس بصورة إيجابية على تواصله مع من حوله.
6- احرص على وضع قواعد وضوابط لتعامل طفلك مع الأجهزة الإلكترونية، مثل: التلفزيون والكمبيوتر والهاتف المحمول وأجهزة الألعاب الإلكترونية بكل أشكالها؛ لأن إسرافه في الجلوس بالساعات الطوال أمامها واستغراقه في التعامل معها يؤدي إلى العديد من الآثار السلبية على شخصيته، من بينها فقدان الرغبة في مجالسة الآخرين والتواصل معهم وتفضيله للعزلة.
7- ادعمه معنوياً بمدحه والثناء عليه كلما قام بسلوك اجتماعي إيجابي مهما كان بسيطاً، مثل: مساعدته لأحد إخوته أو اللعب مع أحد أقاربه أو التحدث مع أقرانه.. إلخ، فهذا يشعره أن تواصله مع الناس مصدر لمدحه، وهذا بدوره يدفعه لتكرار هذا السلوك الإيجابي، ويزيد أثر هذا الثناء أن تفتخر بسلوكه الإيجابي أمام الأقارب والجيران، خاصة ممن يحبهم هو.
8- وضح لطفلك ماذا سيحدث وكيف يتصرف في المواقف الجديدة عليه، فمثلاً إذا كان سيزوره زميل له في المدرسة لأول مرة، فينبغي أن تعرفه كيف يستقبله، وأين سيُجلسه، وماذا سيقول له، وماذا سيقدم له، وكذلك إذا اصطحبته معك في مناسبة اجتماعية، فاشرح له أجواء المناسبة، وماذا يقول، وكيف يتعامل مع من يقابله فيها.. وهكذا.
تدريب عملي:
1- احرص على اصطحاب طفلك عند زيارتك للأصدقاء والأقارب والجيران، وشجعه على اللعب مع أولادهم، وكذلك ادعوهم وأولادهم لزيارتكم، فهذا يعطيه نموذجاً ومثلاً للتواصل مع الآخرين، كما يوفر له فرصة للتواصل مع أقرانه والتفاعل معهم.
2- اصطحبه في المناسبات الاجتماعية المختلفة الخاصة بالأصدقاء والأقارب والجيران (الأفراح، الولائم، المرض.. إلخ)؛ لأن هذا في حد ذاته يدربه على التواصل مع الآخرين والاهتمام بهم ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم.
3- عند ذهابك إلى المسجد، احرص على اصطحابه، فهذه فرصة أيضاً للتواصل مع الناس والاختلاط بهم، وخاصة في صلاة الجمعة، وصلاة العيد، وصلاة التراويح التي عادة ما تقدم بين ركعاتها بعض الحلوى أو المشروبات وغيرها، مما يضفي أجواء من البهجة والسعادة تساعده على التواصل مع الآخرين بصورة محببة إلى نفسه.
4- احرص على اصطحابه معك في بعض الأنشطة الخدمية، التي تنظمها بعض الجمعيات الخيرية، فهذه فرصة ليقتدي بك، واحرص على أن تسند إليه بعض الأدوار المناسبة لعمره وقدراته في هذا الأمر.
5- شجعه على استقبال ضيوفك والاحتفاء بهم، وإيصالهم إلى حجرة الجلوس، والبقاء معهم لبعض الوقت.
6- اغتنم بعض المناسبات الخاصة بطفلك أو بأسرتك، وادعوا أولاد الجيران والأصدقاء والأقارب إلى هذه المناسبات، وشجعه على استقبالهم والاحتفاء بهم وتقديم المشروبات والأطعمة لهم، وفي الوقت نفسه شجعه على مشاركتهم مناسباتهم والذهاب معه إلى بيوتهم وتقديم بعض الهدايا المناسبة لهم.
7- ساعده على المشاركة في الألعاب والأنشطة الجماعية مع أقرانه من أولاد الجيران والأصدقاء والأقارب، مع مراعاة الأمور التالية:
أ- البدء بالأنشطة التي يميل إليها؛ حتى يكون ذلك دافعاً له للمشاركة.
ب- أن يكون هؤلاء الأطفال لهم نفس اهتماماته وهواياته.
جـ- التدرج بإشراكه في مجموعات صغيرة من الأطفال؛ لأن البدء بالمجموعات الكبيرة قد يربكه، ويدفعه للإحجام عن الاندماج معهم.
8- شجعه على ممارسة أي نوع من أنواع الرياضة المحببة إليه في أحد الأندية أو الأكاديميات الرياضية؛ فهذا يمنحه لياقة بدنية، ويزيد من ثقته بنفسه، ويمنحه فرصة للتعامل الآخرين.
9- ساعده على المشاركة في الأنشطة المدرسية الجماعية، مثل: المسرح، الإذاعة المدرسية، الأنشطة الثقافية والدينية، الأنشطة الرياضية، الرحلات، المعسكرات.
10- أرسله لشراء بعض الأشياء الخاصة به وبالمنزل بنفسه من المتاجر القريبة إذا كان عمره يسمح بذلك، أو امنحه فرصة للتعامل بنفسه مع الباعة في حالة وجودك عند شرائه لبعض الأشياء الخاصة به؛ فذلك يكسبه تجربة للتواصل والاختلاط والتعامل مع الناس.
محاذير تربوية:
1- تجنب المخاوف الزائدة على طفلك، التي قد تدفعك لحمايته والدفاع عنه من كل صغيرة وكبيرة دون أن يكون له دور في ذلك، فينشأ عاجزاً عن التعامل مع ما يواجهه من مواقف الحياة اليومية في تواصله مع الآخرين، فيميل إلى العزلة وتجنب التعامل مع الناس.
2- ابتعد عن الإفراط في تدليله؛ كأن تلبي له كل طلباته، أو تنوب عنه في القيام بما يمكنه أن يقوم هو به، أو بعدم محاسبته -بطريقة تربوية- عما ارتكبه من أخطاء؛ فهذا الدلال المفرط في معاملته لن يجده في تعامله مع الآخرين في المدرسة أو النادي أو الشارع أو مع الأقارب أو الجيران، وسيصدم بردود أفعال مختلفة عما يجده منك، فلا يستطيع أن يتقبلها، فيميل إلى العزلة والابتعاد عن الناس.
3- تجنب الإهانة أو السخرية أو النقد القاسي المتكرر لطفلك، خاصة أمام أقرانه وأقاربه وجيرانه؛ لأن ذلك يشعره بأنه غير مرغوب فيه، ويشعره بالخجل، ويدفعه إلى الانطواء والابتعاد عن الناس.
4- ابتعد تماماً عن وصفه بأنه انطوائي ومنعزل، خاصة أمام الآخرين؛ لأن ذلك الوصف يؤكد لديه هذه الصفة ويعمقها في نفسه، ويدفعه لأن يكون كما تصفه.
5- لا تجبر طفلك على التفاعل مع الآخرين أو على المشاركة في المناسبات الاجتماعية بشكل قسري؛ لأن ذلك لن يسعده، وقد يزيد من تفضيله للعزلة والانطواء، ولكن احرص على منحه الأمان والاستقرار، واستخدم معه ما ذكرناه من وسائل سابقة ليتفاعل مع الآخرين والمناسبات بطريقة طبيعة ودون إكراه منك.