في القانون الكويتي مثلاً، جاء في كتاب الفتوى والتشريع رقم: (2/213/2010):
1- حق التوقيع على الإقرار الخطي بالموافقة على التدخل الجراحي مكفول للبالغ شرعاً، أو من أتم الخامسة عشرة من العمر، طالما كان عاقلاً، ذكراً كان أو أنثى.
2- في حالة المرضى القُصَّر أو ناقصي الأهلية أو معدميها، فإن الولاية عليهم (للتوقيع بالموافقة على التدخل الجراحي) تكون للأب، ثم الجد من جهة الأب، ثم الأبناء، ثم الإخوة.
3- حصول الأم على حق الحضانة، لا يخوّلها التوقيع على إقرار الموافقة على التدخل الجراحي، الذي يلزم له موافقة ولي الأمر، أو حكم قضائي عند التعذر حسب الظروف.
فهنا، التدخل الجراحي يكون حقاً:
أولاً: للمرضى البالغين (يعني ربما من سن الثانية عشرة حتى الخامسة عشرة فما فوق)، وذلك دون إذن والديهم.
ثانياً: من كان دون سن البلوغ؛ فالولاية الصحية تكون للأب، ثم الجد، ثم الابن، ثم الأخ..
ثالثاً: إن لم يكن هناك أحد من الولاة على النفس المذكورين، فهو حق القاضي، ولا حق للأم في ذلك إلا بإذن أحد الولاة، أو القاضي.
ومقصود الفقهاء هنا ألا يتخلى الوالد عن ولده، ولا ترفع عنه مسؤولياته بمجرد الطلاق؛ لأن الطلاق إنما يتعلق بالزوجة، ولا يتعلق بالأولاد، فتبقى مسؤولية الآباء على أولادهم مؤبدة، فهي ليست مسؤولية مؤقتة، ولا مرتبطة بالزوجة؛ لأن العلاقة بين الآباء والأولاد لا تتغير، بخلاف علاقة الزوجية، فهي تنتهي بالطلاق.
على أن حضانة الولد تكون للأبوين، ما دامت الزوجية قائمة، وتنتقل إلى الزوجة بعد الطلاق اتفاقاً بين الفقهاء، إلا إذا تزوجت الزوجة فتنتقل إلى أمها، أو إلى غيرها على ما هو مقرر عند الفقهاء.
فإذا حصل الطلاق بين الزوجين كانت الحضانة للأم، والولاية للأب، ومن هنا جعل حق التطبيب للوالد، لكن ماذا لو قصّر الوالد؟ وماذا لو كان مسافراً؟ وماذا لو كان مهملاً لأولاده؟ وماذا لو كان بعيداً، واحتاج الأولاد إلى التطبيب؟
أما إجراء الكشف الصحي عليه، فللأم متابعة الكشف الصحي عليه، لأنه في حضانتها، وهذا واجبها ضمن الحضانة.
عند إجراء عملية جراحية، هنا نص الفقهاء على أنه لا بد من استئذان الوالد، باعتبار ما قد يصيب الولد من إجراء عملية جراحية، فيكون من باب الاعتداء على النفس، فأدخلوها من الولاية على النفس، وهي حق للوالد وليس للوالدة.
جاء في «الموسوعة الفقهية» (45/ 171): «ومن موجبات ولاية تربية الصغار التي نص عليها الفقهاء: مداواة الصغير ورعايته الصحية».
على أن الفقهاء لم يجعلوا تقرير إجراء عملية جراحية حقاً للولي على النفس الذي هو الأب مطلقاً، بل هو مشروط بإذن الطبيب، من كونه هو الجهة المختصة بعملية التطبيب، فلو جاء الوالد لطبيب وطلب منه القيام بعملية جراحية فيها ضرر على ولده؛ وجب على الطبيب توضيح ضررها، والامتناع عن القيام بها.
جاء في «الموسوعة الفقهية» (ج27/24): «للولي على النفس ولاية علاج الصغير وتطبيبه وختانه؛ لأن هذه الأشياء من أهم الأمور اللازمة للصغار لتعلقها بصحته، ويتحقق هذا بالإذن للطبيب في تقديم العلاج اللازم للصغار، والإذن في إجراء العمليات الجراحية لهم.
قال الفقهاء: هذا خاص بالولي على النفس، وليس للولي على المال ذلك، فلو أذن الولي على المال للطبيب بإجراء عملية للصغير فهلك، فعلى الولي الدية لتعديه».
لكن الفقهاء نصوا –كما جاء في «الموسوعة» أيضاً- أن هذا من حيث القاعدة، لكن: «إن كانت هناك ضرورة ملحة في إجراء العملية لإنقاذ حياة الصغير، وتغيب الولي على النفس فللولي على المال الإذن في إجراء العملية، أو لأي أحد من عموم المسلمين؛ لأن إنقاذ الآدمي واجب على كل مسلم».
على أن للأم نوعاً من الولاية على الصغير، فقد «ذهب جمهور الفقهاء إلى ثبوت ولاية الأب والأم والجد والوصي والقيم من جهة القاضي على تأديب الصغير، وذلك بأمره بفعل الطاعات كالصلاة والطهارة والصيام ونحوها، ونهيه عن اقتراف المحظورات، سواء أكانت لحق الله تعالى أم لحق العباد، وتأديبه على الإخلال بذلك تعويداً له على الخير والبر، ثم بزجره عن سيئ الأخلاق وقبيح العادات -ولو لم يكن فيها معصية- استصلاحاً. (الموسوعة الفقهية، 45/ 170).
وهذا يعني:
أولاً: أنه من حق الأم في حال قيام الزوجية أو في حال الطلاق رعاية الطفل رعاية صحية، والقيام بالكشف الطبي عليه.
ثانياً: في حال احتياج الطفل إلى عملية جراحية أو ما شابهها على الوالد أن يتحمل مسؤوليته، فإن تخلى عن مسؤوليته -حال قيام الزوجية، أو حال الطلاق- فمن حق الأم القيام بما يوجب عليها الرعاية الصحية لابنها أو ابنتها؛ وذلك من باب الشفقة التي وضعها الله تعالى في قلوب الأمهات تجاه أولادهم.
وليست المسؤولية في إجراء عملية جراحية تكون على الأم وحدها، بل تكون على الطبيب ومدير المستشفى، وأن يكتبوا تقريراً طبياً يذكرون فيه حاجة الولد للعملية الجراحية؛ لأن الطبيب والمسؤولين في المستشفى هنا يقومون مقام ولي الأمر في الحكم والقضاء، وقد ورد في الحديث: «السلطان ولي من لا ولي له».
وعلى الدولة أن تصدر التشريعات التي تحقق الرعاية الصحية للصغار، على اعتبار مسؤولية الولاية العامة من الدولة على جميع أفرادها، مع الوضع في الاعتبار أنه تقدم الولاية الخاصة على الولاية العامة، لكن عند ثبوت التقصير من الولي الخاص تنتقل إلى أمه، باعتبارها شريكاً في الولاية، وإلا كانت الولاية العامة مسؤولة عن أرواح وأبدان الصغار.
ومن الملاحظ أنه لم يرد نص فقهي يمنع المرأة الأم من مزاولة تطبيب أولادها، وإنما أخذت القوانين على اعتبار أن إجراء العمليات الطبية هي من قبيل الولاية على النفس، وهي تثبت للأب ثم الجد، وتكون في العصبات وليس في النساء، في الوقت الذي أعطت فيه الإذن للأطباء في الحالات الحرجة القيام بما يجب عليهم من الإسعاف والإنقاذ دون الرجل لا إلى الوالد، ولا إلى الأم.
على أن المادة (190) من قانون الأحوال الشخصية الكويتي نصت على أنه:
أ- يشترط في مستحق الحضانة: البلوغ، والعقل، والأمانة، والقدرة على تربية المحضون، وصيانته صحياً، وخلقياً.
مما يعني أن قصر الولاية الصحية على الأب والعصبة دون الأم محل نظر، يحتاج إلى إعادة تفكير واجتهاد، بما لا ينزع الولاية من الأب، ولا يحرم الأم من قيامها بواجبها تجاه ولدها، وبما يصون صحة الولد ويحافظ عليه.