عادت أزمة النفايات إلى الواجهة في لبنان، إثر إغلاق مطمر منطقة الجديدة، شرقي العاصمة بيروت، بعد أن وصل إلى قدرته الاستيعابيّة القصوى، ما أدّى إلى تكدّس أكوام النفايات في بعض الشوارع.
وأثار هذا الوضع مخاوف اللبنانيين، لما يمكن أن يخلّفه من تداعيات خطيرة على صحّة الإنسان والبيئة، خاصة في ظلّ جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد-19)، الذي أصاب، حتى الأربعاء، 741 شخصًا في لبنان، توفى منهم 25.
ورأت الحكومة اللبنانية، الثلاثاء، أن يكون الحلّ مؤقتًا في تكديس النفايات الجديدة فوق جبل النفايات القديم بمنطقة الجديدة، عبر رفعه مترًا أو مترًا ونصف المتر بشكل إضافي.
وكلفت السلطات مجلس الإنماء والإعمار (حكومي)، الثلاثاء، بمناقشة هذا الحلّ مع البلديات المعنيّة، على أن يتم اعتماده لمدّة 3 أشهر حتى تكون وزارة البيئة قد أنجزت خطتها الشاملة. ومن المرتقب أن تعلو الأصوات المندّدة لهذه الخطوة، في الأيام القليلة المقبلة.
ويواجه مجال إدارة النفايات الصلبة في لبنان تحدّيات سياسيّة وبيئيّة، إذ كشفت إدارة ملف النفايات، خلال السنوات الماضية، عن مشكلات تتعلّق باللامركزيّة وكيفيّة التعاون والتنسيق لتقديم الخدمات العامّة.
صراع سياسي
قال مارك ضو، ناشط بيئي، للأناضول، إن مشكلة النفايات في لبنان سياسيّة؛ فالصراع بين الجهّات السياسيّة هو على التموضع الجغرافي للمطمر وتوزيع العقود (الخاصة بالعمل).
وتابع: “الصراع الحالي هو ما بين أخذ الأموال من البلديات لدفعها للشركات التي تجمع النفايات وما بين عقود فرز النفايات أو معالجتها أو طمرها”.
ورافضًا قرار الحكومة بزيادة ارتفاع النفايات في منطقة الجديدة، قال النائب عن منطقة الجديدة – المتن، في حزب الكتائب، إلياس حنكش، إنها “جريمة العصر”، وإنه سيتوجه إلى القضاء.
وأردف حنكش للأناضول: “في السنوات الماضية، رفعنا دعاوى قضائيّة لوقف الأعمال في المطمر، واستقلنا من الحكومة السابقة بسبب هذه القضيّة، لكن لم نفز بالمعركة؛ فهناك من يستفيد ويتموّل من هذا الملف”.
وأضاف أن “السلطة لم تقم حتى الساعة بخطوة في الاتجاه الصحيح، لا من خلال الفرز (للنفايات) من المصدر، ولا من تخفيف كميات النفايات”.
واستطرد: “اقترحت خلال الاجتماع، الثلاثاء، نقل النفايات إلى منطقة حدودية قاحلة، لكنّ الاقتراح قوبل (بالرفض) بحجة (ارتفاع) التكلفة، من دون الأخذ بالاعتبار أضرار توسعة المطامر، لاسيّما في منطقة الجديدة المكتظة سكنيًا”.
وزاد بقوله: خلال “أشهر معدودة سيتم وضع سكان المنطقة من جديد أمام خيارين: إمّا النفايات في الشوارع، وإمّا إنشاء طابق إضافي على المطمر”.
وأوضح أن “مطمر الجديدة أصبح على علو 16 مترًا عن سطح البحر، أيّ بناية من 6 طوابق”.
وحذر من “تداعيات هذه الخطوة، خصوصًا في ظلّ جائحة كورونا، لما لها من آثار سلبيّة على البيئة وصحّة السكان”.
وتعود بعض فصول هذا الملف إلى أواخر يونيو/حزيران 2015، حين استفاق اللبنانيون على مشهد لم يألفوه منذ نهاية الحرب الأهلية (1975: 1990)، عندما تراكمت النفايات على نحو غير مسبوق في المناطق كافّة، مما أثار احتجاجات شعبية حاشدة.
وقال رئيس بلديّة منطقة الجديدة، أنطوان جبارة، للأناضول: “خلال الأشهر الثلاثة سنضبط المشكلة، بتكديس النفايات فوق جبل النفايات، وسيتم رشها بمواد مضادة للحشرات والبكتيريا”.
خارطة طريق الحلّ
رأى د. أندريه سليمان، ممثل “المنظمة الدوليّة للتقرير عن الديمقراطيّة” في لبنان، أن “الحلّ يتطلّب إرادة سياسيّة وتخطيط استراتيجي بعيد الأمد، أكثر من الحلول التقنيّة والهندسيّة، لاسيّما وأنّ الأخيرة موجودة في ظلّ توافر الجهود والخبرات”.
وعن سبب فشل الخطط التي قُدمت سابقًا، أجاب: “نحن في أزمة عمرها أكثر من 50 عامًا، فليس هناك إدارة رشيدة لحلّ المشكلة، فكل ما سبق وتقدّم هي خطط طوارئ متجدّدة وقصيرة الأمد ومبنيّة على المحاصصة”.
وتابع أن “المقترح حاليًا هو أن تأخذ البلديّات واتحادات البلديات المبادرة للفرز من المصدر، انطلاقًا من فرز النفايات العضويّة وغير العضويّة، من خلال أكياس مخصّصة لذلك، على أن تراقب شرطة البلديّة الأمر وتنظيمه، ليتم بالشكل السليم”.
وتمنّى أنّ “تعطي وزارتا البيئة والداخليّة تعليمات فورية لتنطلق البلديات بالتنسيق مع اتحاداتها، لتنفيذ الفرز من المصدر، متولّية مسؤولية هذا الملف.. وهذه الخطة مهمّة على المدى القريب”.
وعن مدى قدرة البلديات على تحمّل هذه المسؤولية، ردّ سليمان: “صحيح أن الموارد قليلة من جانب البلديات والوزارات المختصّة، لكن ذلك يبرز أهميّة تطوّع المواطن وإنشاء لجان من الأحياء للتطوع والتوعية والحرص على التحفيز وتغيير السلوك، والأمر ليس صعبًا”.
وعن الحلّ على المدى البعيد، شدد سليمان على ضرورة أن تتبع الحكومة مبدأ اللامركزيّة الإدارية في إدارة النفايات، فالحكومة غير قادرة على إدارة نفايات البلد.
وحول خطورة إلقاء النفايات الطبيّة في الشوارع في ظل جائحة “كورونا”، قال سليمان، إن “النفايات الطبيّة الخطرة تُشكّل بين 15 و25 بالمئة من مجمل النفايات”.
وأردف: “فيما يخصّ الأقنعة (الواقية) والكفوف (القفزات)، فهي ليست خطرة بقدر الإبر الملوثة أو التي تحمل الجراثيم.. وعلى المستشفيات والعيادات أن تلتزم بمعايير الفرز والتخزين والمعالجة المحددة دوليًا، مع التعاون والتنسيق مع البلديات”.
تحذير من العدوى
من جهتها، حذّرت مديرة مركز حماية الطبيعة في الجامعة الأمريكيّة ببيروت، نجاة صليبا، من خطورة تكديس النفايات في الشوارع.
وقالت للأناضول إن “فيروس كورونا يعيش على الأسطح من 3 إلى 6 ساعات، وإذ رمى أي شخص يحمل هذا الفيروس نفاياته على الطريق سينقل العدوى لغيره”.
وتابعت: “تعيش بعض الحيوانات، كالقطط والجراذين، بين أكياس النفايات، وإذ انتقل أي فيروس إليها عبر الجلد ستنقله إلى الإنسان في حال لمسها”.