في المقال السابق، تحدثنا عن حفاوة شهر رمضان بنا، وكيف يستقبلنا بالخير والبركة والرحمات والأجور العظيمة وفتح أبواب الجنة وغلق أبواب النيران وتكفير الذنوب الماضية.
وفي هذا المقال، نتحدث عن كيف نستقبل نحن شهر رمضان؟ وكيف نغتنم فيه الأجور العظيمة وجبال الحسنات في أيامه المعدودات؟
قال الحسن البصري رحمه الله: إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا! فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون!
فلنحسن استقبال الضيف الكريم، ولنشحذ إذن همتنا ونجدد العزم مع الله بالتوبة والاستغفار، ولنحتسب كل أعمالنا فيه، ولنستقبله بعشر كما استقبلنا بعشر:
1- بالتعظيم والفرح والسرور:
نعظم شعائر الله حتى تتحقق لنا التقوى فيه؛ (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) (البقرة: 32)، ونفرح أن مد الله في أعمارنا وبلغنا رمضان، قال الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون) (يونس: 58)، وأي فضل أعظم من فضل رمضان؟! عن أبي مسعود الغفاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ذات يوم وقد أهلَّ رمضان فقال: “لو يعلم العباد ما رمضان، لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان”(1).
2- بتعلم أحكام فقه الصيام:
يقول النبي ﷺ: “من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين”، فالواجب على المسلمين أن يتعلموا ما يخفى عليهم، وأن يسألوا أهل العلم عما أشكل عليهم فيما يتعلق بالصوم وغيره؛ لأن الله يقول سبحانه: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل: 43)، ويقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: “من دل على خير فله مثل أجر فاعله”، ويقول عليه الصلاة والسلام: “من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”، فالمؤمن يسأل ويتبصر ويتفقه في الدين حتى يعرف ما أوجب الله عليه، وما حرم عليه، نعم.. فعلينا تعلم فقه رمضان من واجبات ومستحبات ومكروهات ومبطلات، فإن الله يحب أن يُعبد على علم وبإتقان وإحسان.
3- بحفظ الجوارح واللسان:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”(2)، وقال: “إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم”(3)، وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: “قائم الليل وصائم النهار، إن لم يحفظ لسانه أفلس يوم القيامة”(4).
4- بذكر الله وكثرة الدعاء:
عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ذاكر الله في رمضان مغفور له، وسائل الله فيه لا يخيب”(5)، وأخرج أحمد والطبراني عن معاذ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلاً سأله فقال: أيُّ الجِهادِ أَعْظَمُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: “أكثرُهُمْ للهِ ذِكْرًا”، ثُمَّ ذكرَ لَنا الصَّلاةَ والزكاةَ والحَجَّ والصَّدَقَةَ، كلّ ذلك رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: “أكثرُهُمْ للهِ ذِكْرًا”، فقال أبو بكرٍ: يا أبا حَفْصٍ، ذهب الذَّاكِرُونَ بكلِّ خَيْرٍ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: “أَجَلْ”(6).
5- سؤال الجنة والتعوذ من النار:
عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “.. فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غناء بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله والاستغفار، وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما: فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار”(7)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”(8).
6- بالإكثار من تلاوة القرآن:
قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: 185)، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتيه جبريل في شهر رمضان فيدارسه القرآن، وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان فإذا طلعت الشمس نامت، وكان الإمام مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن، وكان الإمام الشافعي يختمه في العشر في كل ليلة بين المغرب والعشاء، وكذا روي عن الإمام أبي حنيفة.
7- بالإكثار من أعمال البر:
في شهر رمضان تتضاعف الأجور والحسنات، فينبغي للمؤمن أن يكثر من أعمال البر، أخرج ابن خزيمة عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب الناس في آخر يوم من شعبان فقال: “أيها الناس، إنه قد أظلّكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً، من تقرّب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدّى فريضة فيما سواه، ومن أدّى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه”(9).
8- بالجود والكرم والصدقات:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم من أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن”، وروى الترمذي عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصدقة صدقة في رمضان”(10).
9- بتفطير الصائمين:
أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن سلمان الفارسي مرفوعاً: “من فطر صائماً كان عتقاً له من النار، ومن خفف فيه عن مملوكه كان له عتقاً من النار”، وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء”، قلنا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم؟! فقال: “يعطي الله هذا الثواب من فطّر صائماً على تمرة أو مذقة لبن أو شربه ماء، ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة”(11).
10- باغتنام العشر الأواخر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”(12)، وثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم “كان إذا دخَلَ العَشرُ أحيا اللَّيلَ، وشَدَّ المِئزَرَ، وأيقَظَ أهلَه”.
__________________________________
(1) أخرجه الطبراني في (المعجم الأوسط) (3939)، وأبو نعيم في (حلية الأولياء) (6/269)، والبيهقي في (شعب الإيمان) (3815).
(2) رواه الطبراني.
(3) رواه ابن خزيمة في صحيحه.
(4) أخرجه البخاري.
(5) أخرجه البخاري.
(6) التمهيد لابن عبد البر (344/17).
(7) رواه الطبراني والبيهقي.
(8) ابن رجب، جامع العلوم والحكم، 2/514.
(9) رواه ابن خزيمة والبيهقي.
(10) متفق عليه.
(11) رواه ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما.
(12) رواه البخاري ومسلم.