رغم المساعدات الإنسانيّة الأممية والأوروبية للاجئين السوريين في لبنان، فإنّ معاناتهم تتفاقم يومًا بعد يوم، في بلد يعاني بدوره من أزمة اقتصادية خانقة، وعاجز عن احتوائهم أو توفير أدنى مقوّمات العيش لهم.
ظروف قاهرة يعاني منها هؤلاء الفارين من جحيم نظام بشار الأسد، ليجدوا أنفسهم في أتون الحاجة والفاقة والعجز عن توفير رغيف الخبز، وأمام خيارات ضئيلة تحشرهم في زاوية الموت جوعاً أو تحت القصف في بلادهم.
وحتى قرار حزم الأمتعة والعودة إلى القرى والبلدات المهدّمة في سوريا، والذي يظل شخصيا بامتياز وله أكثر من حساب، فإن العبور إلى أوّل حاجز تفتيش للنظام تبقي فرص البقاء على قيد الحياة في هذه المرحلة “ضئيلة جدًّا”، بحسب أحد النازحين لـ”الأناضول”.
معاناة ومخاوف العودة
أم محمد، نازحة من دير الزور شرقي سورية، تقيم في مخيم “برّ إلياس” في البقاع اللبناني، قالت: إن “الموت رافقنا في كلّ زاوية من الحارة (الحي في مدينتها)، فأتينا إلى لبنان عل هذا البلد يحمينا من بطش النظام، لكنّ الفقر التهمنا هنا”.
وأضافت: “نحرق الملابس والبلاستيك للتدفئة في فصل الشتاء، لا مساعدة ولا أحد يقدم لنا العون”.
وأخذت أم محمد نفسًا عميقًا لتعود وتقول: “أفضل الموت هنا من القهر والجوع على الموت في سورية”.
وتابعت حديثها بحسرة: “بدل الإيجار اشتريت به مازوت للتدفئة في هذا الشتاء”.
أمّا عمر، فهو والد لثلاثة أطفال هرب مع زوجته إلى مخيم “برّ إلياس” خوفًا من القذائف وآلات الموت في دير الزور.
وعاتب في حديثه مع “الأناضول”، غياب المساعدات الإنسانية، قائلًا: “لا أفهم لماذا لا يساعدنا العالم، أصبحنا نشتهي الخبز”.
وتابع: “إذا ذهبنا لنشتري أبسط وجبة، بتنا نطالَب بفرق الدولار، حتى الخضراوات تأثرت بهذا الأمر (…) وحتى الحليب لا أستطيع تأمينه لأطفالي، وأنا يوميتي (أجرة يومية) تصل إلى 10 آلاف ليرة لبنانية أي ما يقارب 6 دولارات”.
معاناة عمر لا تختلف كثيراً عما يواجهه يوسف الذي اعترف بأن العيش في لبنان بات صعب جدًا.
وقال يوسف: “تصل الأجرة اليومية للعامل السوري، كحد أقصى، إلى 30 ألف ليرة لبنانية (ما يعادل 20 دولار بالسعر الرسمي و12 دولار بسعر السوق السوداء/ غير رسمية)، أمّا المساعدات الإنسانية من الأمم المتحدة من تغذية وتدفئة فقد توقفت، كما أن الخيام التي نعيش تحتها تغرق جراء المياه كلما هطل المطر”.
بدوره، اعترف اللاجئ سامر (20 عامًا) من دير الزور، قائلا: “أنا وعائلتي لا نستطيع دفع إيجار الخيمة التي نسكن فيها، إذ تبلغ قيمة الإيجار للعام الواحد 1000 دولار”.
معاناة يفاقمها الوضع في لبنان الذي يشهد حاليا أزمة مالية واقتصادية حادة، إذ بلغ سعر صرف الدولار الواحد في السوق السوداء (غير الرسمية) 2700 ليرة، فيما يبلغ سعر الصرف الرسمي 1508 ليرات.
ويزيد من صعوبة الأوضاع في لبنان أنه يشهد منذ 17 أكتوبر الماضي، احتجاجات شعبية ترفع مطالب سياسية واقتصادية، ويغلق مشاركون فيها من آن إلى آخر طرقات رئيسة ومؤسسات حكومية.
وفي ظل هذه الظروف القاسية، تعدّ معونات ومساعدات الأمم المتحدة، السند الوحيد للعائلات السورية اللاجئة لتغطية نفقاتها.
مساعدات أممية محدودة
في هذا الصدد، أكّدت الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، ليزا أبو خالد، أنّ “المفوضية تسعى إلى دعم اللاجئين بشتى الوسائل المتاحة أمامها”.
وقالت أبو خالد لـ”الأناضول”: “منذ بداية الأزمة في سوريا، هناك ما يقارب 910 آلاف لاجئ مسجّل لدينا، بالإضافة إلى آلاف اللاجئين غير المسجلين”.
وأكّدت أنّ “المفوضية تركز في مساعداتها الإنسانية على الفئات الأكثر حاجة، بسبب الشح في التمويل، في بلد يمرّ بأزمة اقتصادية دقيقة”.
ولفتت إلى أنّ “المفوضية أجرت دراسة نهاية عام 2019، وتبيّن أنّ هناك 73% من اللاجئين دون خط الفقر ويعيشون على أقلّ من 3.8 دولار في اليوم الواحد”.
كما أشارت إلى أن “55% من اللاجئين يعيشون دون خط الفقر المدقع، أي بـ2.9 دولار في اليوم الواحد”.
وكشفت أبو خالد أنّ “90% من اللاجئين السوريين لديهم ديون بقيمة 1000 دولار، وعاجزون عن تأمين أدنى مقومات العيش من إيجار وطعام”.
وأكّدت أبو خالد أنّه “في ظلّ الأزمة الاقتصادية، هناك عائلات لجأت إلينا لأنّها غير قادرة على الحصول على المواد الغذائية بسبب ارتفاع الأسعار”.
وقالت: “في فصل الشتاء، عمدنا إلى توسيع نطاق مساعداتنا، لأنّنا ندرك أنّها منقذة للحياة، إذ وصلنا إلى مليون لاجئ سوري”.
وبشأن وجود برامج توعية للوقاية من فيروس كورونا، أجابت: “نعمل مع شركائنا ومنظمة الصحّة العالمية، ويونيسف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة)، على نشر التوعية حول الوقاية، وأهميّة النظافة لمواجهة الفيروس، من خلال زياراتنا إلى منازل اللاجئين، كما نوزع في مراكزنا الصابون”.
ويعيش في لبنان أكثر من مليون لاجئ سوري مسجل لدى “المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” (المفوضية). تقدّر الحكومة أن عدد السوريين الفعلي في البلاد هو 1.5 مليون.
وفي عام 2017، صعّدت السلطات اللبنانية مطالبتها بعودة اللاجئين إلى سوريا وضغطت على المفوّضية لتنظيم عمليات العودة رغم النزاع المستمر في سورية والمخاوف المبررة من الملاحقة لدى العديد من اللاجئين.