نبدأ بداية وافتتاحاً لهذه السطور بقول الله تعالى في فنون الدعوة إليه من خلال كتابه العظيم، قال تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: 125)، وقال تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الشعراء: 215)، وقال عز وجل: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت: 33).
لعلك تتساءل، أخي الكريم: الدعوة فن أو فنون؟!
نعم، لها فنون وأهداف تحدد؛ ولها أساليب فنية إن فقدت هذه الفنون اضطربت الدعوة، وأصبح يغشاها الغبش والجهل وضياع الهدف، كما نلاحظ ذلك في “داعش”، “الجامية”، “المداخلة”، “الرسالنة”.. وأمثالهم.
الفنون الدعوية لها مقومات ومحاور ودعامات تدعمها من أجل استمرارها المثمر المحسوس الملموس مع مرور الزمن ومن غير توقف، من أهم هذه الدعامات فقه الواقع، ومعرفة المرحلة والمجتمع الذي ستتحرك فيه كداعية إلى الله تعالى، ومعرفة أهم إيجابياته وأخطر سلبياته، والتركيز على أجيال المستقبل!
أيضاً، أن تضع نصب عينيك، أيها الداعية، أن الدعوة أمر فطري لكل مسلم حسب قدرته ومعرفته وعلومه، فهي تحمل أكبر حملة العلم؛ (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ) (النحل: 43)، وتحمل أيضاً البسطاء في الدعوة؛ “إماطة الأذى عن الطريق”، ومن أجل استمرارية الدعوة لا بد من الاجتهاد المستمر أيضاً في طلب العلم والمعرفة لتسخير هذه المعارف للدعوة إلى الله تعالى وتأسيس أجيال تفهم وتستوعب ذلك، وينبغي ألا ننسى أن اللين والرقة في الطرح والحوار وحسن الإنصات للمقابل من أعظم محاور فنون الدعوة إلى الله تعالى، ولا بد من معرفة الأولويات، وكما قال الشيخ العالم المجاهد العز بن عبدالسلام: “إذا انتشر الربا في المجتمع وتحدث الداعية عن المسكرات؛ فقد خان الله تعالى ودعوته ومجتمعه”، أو كما قال.
نعم لا بد من معرفة الأولى والأولويات، ولا بد من تقديم الإيجابيات وتعزيزها أولاً، ثم النهي عن المنكر، وتقديم المتفق عليه وتأجيل المختلف فيه، كما قال الشهيد حسن البنا، رحمه الله تعالى، ويجب أن تحمل بين جوانحك، أيها الداعية، الفأل الحسن، وعدم التشاؤم، ولا بد من نبذ الطيرة، ولا ينبغي للداعية المكوث في قفص العلم كما يفعل البعض، أو أن يعيش الداعية المثاليات وفي المبالغات فيما هو حسن وما هو يتوقع أنه الأحسن، أكرر معرفة الأولويات حسب المجتمع الذي هو فيه، ففي هذه الأولويات والأهم والمهم يتعرف الداعية على الطريق، ويتضح له مسار الهدف بشكل أكثر وضوحاً.
فمعرفة الأولويات تُظهر طريق الأهداف، ومنها يظهر أيضاً حسن التخطيط الدقيق الذي يعطي مع مرور الزمن النتائج المنشودة والثمار المرجوة، فدقة المعلومات مترابطة مع بعضها بعضاً مع الوسائل والخطط والهدف، فهي تحصر، كما نرى: معرفة الأولويات، حسن الدعوة، بيان الهدف، حسن التخطيط، جني الثمار المرجوة.
لا شك أن الدعوة إلى الله تعالى هي من مهام الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وطريق الرسل لا يسلكه إلا أهل الصلاح والفلاح، قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104).
قال أهل التفسير في هذه الآية الكريمة: الآية تخص مجموعة من الأمة تتصدى لهذا الأمر، وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة كل بحسب قدراته وما يحمل من معرفة وعلم في الأمر المعني.
هذا، على أن تكون النية خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى.
______________
إعلامي كويتي.