إن المتتبع لآيات هذه السُّنة في القرآن الكريم يدرك حقائق واضحة لكل ذي عينين، هذه الحقائق ثابتة تجاه هذه السُّنة، لا تتبدل ولا تتغير
إن المتتبع لآيات هذه السُّنة في القرآن الكريم يدرك حقائق واضحة لكل ذي عينين، هذه الحقائق ثابتة تجاه هذه السُّنة، لا تتبدل ولا تتغير، وهي:
1- أن هدى الله هو الهدى الحقيقي وليس بيد أحد، فالهداية موهبة إلهية، وفضل لا يتأتى إلا من الله فقط؛ (إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ {37}) (النحل). فليس الهدى أو الضلال بحرص الرسول “صلى الله عليه وسلم” على هدى القوم أو عدم حرصه، فوظيفته البلاغ، أما الهدى أو الضلال فيمضي وفق سُنة الله تعالى، وهذه السُّنة لا تتخلف ولا تتغير عواقبها، فمن أضله الله تعالى لأنه استحق الضلال وفق سُنة الله تعالى، فإن الله عز وجل لا يهديه، لأن لله سنناً تعطي نتائجها، وهكذا شاء، والله سبحانه فعال لما يشاء(1). نظام الأسباب والمسببات فإسناد الهداية والإضلال إلى الله سبحانه من حيث إنه وضع نظام الأسباب والمسببات، لا أنه أجبر الإنسان على الضلال والهداية. وحينما نرجع إلى الآيات القرآنية نجد أن المعنى بيِّن وواضح، لا لبس فيه ولا غموض، فالله تعالى يقول: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {69}) }(العنكبوت)، (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ {17}) (محمد). فهداية الله للناس بمعنى لطفه بهم، وتوفيقهم للعمل الصالح، إنما هي ثمرة جهاد للنفس وإنابة إلى الله تعالى، واستمساك بإرشاده ووحيه(2).
2- تهديد من أعرض عن هدى الله أو اتبع غيره، فيحذر الله من يعرض عن هداه، أو يتبع غيره، فيقول: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {124} قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً {125} قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى {126}) (طه).
3- الفوز والفلاح لمن اتبع هدى الله إما بالابتعاد عن الضلال والشقاء، قال الله تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى {123}) (طه)، وإما بالسلامة من الخوف والحزن قال تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {38}) (البقرة). فياليت كل مسلم أن يجهد نفسه التزام هذه الحقائق، وأن يسعى على تحقيقها حتى يجني ثمارها في دنياه وأخراه. أساليب تتعلق بسُنة الهدى والضلال في القرآن الكريم: الهدى يخالف الهوى، لأن الهدى من الله، أما الهوى فمن النفس والشيطان، يقول الله عز وجل: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ {120}) (البقرة).
هدى الله يكون لمن توافرت فيه سائر شروط الهدى، فالله سبحانه وتعالى يقول: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {23}) (الزمر).
مقومات الحياة الله سبحانه وتعالى يعطي مقومات الحياة، ثم يعطي الهداية بعد ذلك، وتبين ذلك أكثر من آية في القرآن الكريم: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى {50}) (طه). والله عز وجل قد يجعل بعض المخلوقات سبباً موصلاً إلى الهدى، وذلك حتى يعود المسلم أن يأخذ بالأسباب ويوقن أن السبب نفسه لا ينفع ولا يضر بذاته بل بقدرة الله وإرادته، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {97}) (الأنعام).
وعلى ذلك ندرك أن وجود الرسالات في حد ذاته غير كاف؛ بل لابد من التجاوب معها ليحصل الهدى، قال سبحانه: (وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ {34}) (غافر). والصفوة من بني الإنسان أدركوا هداية الله وعملوا لها، يقول الله تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {161}) (الأنعام).
ضرب المثل لبيان معنى الهداية إلى الحق، والوصول إليها، فالأول كقول الله تعالى: (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {22}) (الملك)، والثاني كقوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {35}) (النور).
ويعرف الهدى أيضاً عن طريق معرفة الضلال وأهله قال تعالى: (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى {79}) (طه). الثقة التامة بأن الله سبحانه هو الهادي، وآيات ذلك: (فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ {61} قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ {62}) (الشعراء).
ومن أضله الله جل وعلا فلن تجد له هادياً سواه؛ (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {36}) (الزمر). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الهوامش
(1) الظلال، 3/2171.
(2) المرجع السابق.
(3) العقائد الإسلامية للسيد سابق، ص 92.