“إحساس قاتل”.. هكذا قالت المعتقلة السياسية السابقة السيدة إقبال، التي قضت شهر رمضان الماضي في سجن القناطر بمصر، لتصف بذلك حال الكثيرين ممن حال السجن دون وجودهم مع أسرهم في رمضان.
إقبال (اسم مستعار وطلبت عدم الكشف عن هويتها حفاظاً على أمنها الشخصي)، قالت لـ”الجزيرة نت”: إن السجن في رمضان يعني للنساء تحديداً القهر والحرمان، فغياب المرأة يسبب انهيار بيوت كاملة.
السلطات المصرية عادة تنفي وجود معتقلين سياسيين، غير أن منظمات حقوقية مستقلة محلية ودولية قدرت أعداد المعتقلين السياسيين في مصر بنحو ستين ألف معتقل.
تحكي إقبال عن يوميات المعتقلات السياسيات في رمضان قائلة: عندما يأتي رمضان نرتاح من التمام (إجراء أمني لحصر عدد السجينات يومياً)، ونبدأ برنامجاً جماعياً يختلف عن الأيام العادية، ونحاول فيه التجمع على الطاعة والتخفيف عن بعضنا البعض، ننجح كثيراً، ولكن أحياناً نخفق خاصة مع الشابات التي تمر عليهن الأيام صعبة.
في باقي الشهور الحياة في السجن أقرب للفردية والمجموعات الصغيرة، ولكن في رمضان -والكلام على لسان إقبال- الحضور يكون جماعياً، وينطلق مع السحور وصلاة الفجر ثم المكوث للشروق في برنامج تعبدي، ثم النوم حتى الظهر.
تسكت إقبال قليلاً ثم تتنهد، كأنها تتذكر الأيام السابقة، وتكمل قائلة: “العبادة هي سر الراحة في السجن لدينا، نعم بعد الإفطار نسمر ونأكل الحلويات حتى العشاء، لكن هناك سباقاً بعدها في الطاعات، كل يوم نصلي التراويح بجزء من القرآن، أما صلاة التهجد فتبدأ في الواحدة ليلاً.
رمضان العقرب
أما الناشط السياسي مصطفى (اسم مستعار كذلك بناء على طلب صاحبه الذي خرج قبل فترة من سجن العقرب شديد الحراسة) فيرى أن سجن العقرب ليس له مثيل في التضييق على المعتقلين، مشيراً إلى أن منع الزيارات وصل لنحو عامين وآخر ثلاثة “رمضانات” كانت بلا زيارات، وشهر رمضان الحالي هو الرابع دون توقف المنع، وهو ما يعني الالتزام بتسلم “الطعام الميري” الذي يصفه بأنه شديد السوء.
وسجن العقرب هو سجن شديد الحراسة يقع ضمن مجموعة سجون طرة (جنوبي القاهرة)، وتلاحقه اتهامات عديدة من منظمات حقوقية مستقلة بتنفيذ برامج تعذيب ممنهجة تنفيها السلطات المصرية.
“رمضان في العقرب يمثل اختباراً قاسياً جديداً، يضاف لباقي فترة التضييق”.. هكذا يقول مصطفى في مقابلة خاصة، ويتابع: “الزنازين في عنبر 2 انفرادية، وبها كبار القيادات والسن، والزنازين الأخرى في العنابر الثلاثة الأخرى مكتظة بالمعتقلين، حيث تضم في بعض الأحيان سبعة معتقلين في نفس مساحة الزنزانة الانفرادية، وهي 2×3 أمتار، وهي في الشتاء ثلاجة وفي الصيف فرن، وهو ما يجعل مشقة الصيام أكبر، فضلاً عن عدم وجود جلسات كثيرة مما يجعل الشهر عزلة إضافية على المعتقلين.
برنامج رمضان في العقرب -كما يقول مصطفى- شعاره المتكرر “في العقرب أنت إلى الله أقرب”؛ فنحن في سباق لختم القرآن مرات عدة وقيام رمضان وصلاة التهجد، بجانب فقرات متنوعة يقدمها علماء دين أو سياسيون أو غيرهم عبر النظارة (وهي فتحة في باب الزنزانة يتحدث منها المعتقل ومنها يتسلم طعامه).
أجواء حزينة
بدوره، يروي الناشط السياسي والإعلامي حسام الوكيل فصلاً آخر من الألم في شهر رمضان بسجن برج العرب بمحافظة الإسكندرية، حيث جرى اعتقاله فترة استمرت سبعة شهور على ذمة قضية سياسية، ليخرج من مصر باحثاً عن منفى مؤقت لحين عودة الحريات الإعلامية كما يتمنى.
قضى الوكيل رمضان الماضي داخل الزنزانة رقم (10) بعنبر(3)، وهي بالنسبة له “مقبرة”، حيث مساحة الزنزانة نحو مترين عرضًا و2.5 طولًا، ويوجد بها 14 معتقلاً سياسياً، في حين تصل زنزانة “الإيراد” (أي المعتقلين الجدد) إلى ثلاثين معتقلاً بنفس المساحة، ولا تسمح إدارة السجن بفتح الزنزانة سوى ساعة واحدة يوميًا للتعرض للشمس.
ووفقاً للوكيل، فإن شهر رمضان يمر داخل السجن بين أجواء حزينة مختلطة بالذكريات والشوق للأهل والمساجد وروح رمضان، وبين التفرغ بشكل كبير للعبادة.
ويضيف في حديثه لـ”الجزيرة نت” أن إدارة السجن لا تسمح للمعتقلين إلا بالمصاحف، وترفض دخول أي كتب أو أوراق عن رمضان، إلا أن المعتقلين يواجهون ذلك بما تجود به ذاكرتهم عن فضائل الشهر أو معان إيمانية، فضلاً عما تتمكن الزوجات من كتابته في خطابات قصيرة يسمح بدخولها.
ووفقاً للوكيل، تمر أيام رمضان داخل المعتقل برتابة بالغة، إلا أنها توفر وقتاً طويلاً للعبادة، مشيراً إلى أن المعتقلين يتواصلون خلال ساعة التريض مع المعتقلين بالزنازين الأخرى ويتبادلون إلقاء الكلمات الإيمانية.