استنكر عدد من السياسيين والقضاء المصريون قراراً بفصل ثلاثة من معاوني النيابة بغير الطريق التأديبي، دون ذكر أسباب محددة، مؤكدين أن هذا الأمر ربما يأتي في سياق تطبيق القانون الأخير الذي أقره مجلس النواب، وصدق عليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وهو ما تكرر في مؤسسات أخرى؛ ما ينذر بعواقب وخيمة وكارثية على المجتمع المصري.
وطالبوا، في حديثهم لـ”المجتمع”، بضرورة توقف مثل هذه الإجراءات التعسفية، التي تؤدي إلى تمزق نسيج المجتمع المصري من خلال قوانين عنصرية، مطالبين القضاة وكافة المؤسسات بالدولة بالتصدي لمثل هذه القوانين، ورفض أي إجراء من شأنه أن يميز بين أبناء الوطن الواحد.
ومؤخراً أصدر السيسي قرارات جمهورية بفصل 3 معاونين بالنيابة العامة بغير الطريق التأديبي دون ذكر المزيد من التفاصيل، وشمل القرار كلاً من أحمد حسن أحمد حسن الجريدلي، وعمر ياسر أحمد مسعود، وأحمد أحمد عبدالفتاح موسى، معاوني النيابة بالنيابة العامة، من عملهم بغير الطريق التأديبي، ولم يذكر القرار سبب فصلهم من منصبهم بقرار رئاسي، واكتفى القرار بذكر أسمائهم فقط.
إجراء تعسفي وعنصري
وفي سياق تعليقه على هذا الأمر، قال البرلماني السابق د. جمال حشمت: إن قرار فصل أعضاء من النيابة بدون إبداء أسباب بقرار رئاسي وبعيداً عن الطريق التأديبي يأتي في سياق الإجراءات التعسفية خاصة إذا كان هذا الأمر في إطار سياسي، ويهدف لإقصاء كل من لديه شبهة رفض أو تحفظ على ما يجري بمصر الآن، وصار هذا الأمر واقعاً، ويشمل كافة المؤسسات بعد القانون الذي أقره مجلس النواب مؤخراً وصدَّق عليه السيسي، وهذا نوع من العنصرية والتمييز ومحاولة لتمزيق نسيج المجتمع المصري الذي أكثر ما يميزه تماسك نسيجه الاجتماعي.
ويربط البرلماني السابق، في حديثه لـ”المجتمع”، بين ما يجري الآن وما تم رفضه سابقاً بشأن النائب العام الأسبق عبدالمحيد محمود، عندما تمت إقالته، وكان هذا أحد مطالب الثوار في يناير 2011، وتم النظر إليه وقتها على أنها كبيرة من الكبائر، وقامت الدنيا ولم تقعد حتى تم إعادة محمود إلى منصبه على عكس إرادة الثورة والثوار، والآن لا أحد يتحدث عما يجري؛ بل بالعكس هناك إعلام ونواب وغيرهم يباركون ذلك بوضوح، وهناك بعضٌ منهم أنكر ذلك من قبل رغم الفارق في المعايير والمقاييس، لكنها الطغمة الفاسدة والبطانة الفاسدة التي تبحث عن مصالحها علي حساب أي قيمة أو مبادئ، حسب تعبيره.
إهدار لاستقلالية القضاء
ومن جانبه، قال الكاتب الصحفي خالد الشريف: إن النظام المصري يهدر استقلالية الهيئات القضائية منذ أن استولى على السلطة بالقوة، وأزاح الرئيس المنتخب محمد مرسي رحمه الله؛ ففي عام 2017، صدق السيسي على تعديلات قانونية تتيح له اختيار رؤساء الهيئات القضائية من مرشحين عدة بعد أن كانت الجمعية العمومية لكل هيئة تقدم المرشح لرئاستها، وهذا عدوان صارخ على استقلالية القضاء؛ فهو يعين من يروق له ويفصل من لا يروق له.
وأضاف، في حديثه لـ”المجتمع”: ما حدث بفصل 3 من معاوني النيابة مؤخراً يأتي في هذا السياق، ويعد إهداراً واضحاً لاستقلال القضاء، ويؤثر على سير العدالة، وهو نذير شؤم، وممارسات النظام مع القضاء تؤكد انهيار منظومة العدالة في مصر، ويجب على أهل القانون أن يقفوا صفاً واحداً من أجل استرداد القضاء واستقلاليته وحياديته.
عقلية الرجل الواحد
أما رئيس محكمة سوهاج سابقاً المستشار محمد سليمان، فيرى أن القرار الصادر بالفصل لم يوضح الأسباب؛ فربما تكون سياسية، وربما أيضاً تكون أخلاقية، وفي المعتاد لا يتم ذكر أسباب الفصل في القرار الجمهوري، ومعاونو النيابة يتم فصلهم بقرار من النائب العام، ثم يتم التصديق عليه من رئيس الجمهورية طبقاً لقانون السلطة القضائية.
لكنه أضاف، في حديثه لـ”المجتمع”، أنه كان من الأجدر معرفة السبب لمعرفة ما إذا كان ما تم بسبب مسلك أخلاقي أم سياسي، وهذا ما يحدث في الأجواء الطبيعية، لكن مصر لا تشهد أجواء طبيعية، بل استثنائية، ليس في مجال السلطة القضائية فحسب، بل في كافة السلطات والمؤسسات؛ حيث تدار بعقلية الرجل الواحد والقرار الواحد، ويأتي ما سبق تأسيساً على القانون الذي أقره مجلس النواب مؤخراً الذي يجيز الفصل بغير الطريق التأديبي.