أعلنت منظمة الصحة العالمية، مطلع أكتوبر الجاري، رصدها أكثر من 10 آلاف حالة إصابة بالكوليرا في سورية خلال 6 أسابيع فقط.
جاء ذلك وسط تنامي المخاوف من تسارع رقعة انتشار المرض عالمياً، لا سيما مع ظهور بؤر جديدة له في سورية، حيث أطلقت تحذيرات من إمكانية استيطانه وتحوله إلى وباء، خصوصاً بعد رصده في أنحاء متفرقة من البلاد.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أظهرت مخاوفها من زيادة عدد الإصابات بالكوليرا على خلفية موجة الجفاف التي مر بها عدد من الدول الأفريقية العام الجاري، وتدني الأوضاع المعيشية في المناطق التي تعاني من ويلات الفقر والصراع.
وقالت المنظمة، في تقرير نشرته في أغسطس الماضي: إن عدد المتضررين من الجفاف في إثيوبيا وكينيا والصومال ممن لا يحصلون على مياه صالحة للشرب ارتفع في غضون 5 أشهر بنسبة 70% ليصل إلى 16.2 مليون شخص بين فبراير ويوليو الماضيين.
وأوضح التقرير أن هذا الارتفاع يعرض الأطفال وعائلاتهم لخطر الإصابة بأمراض مثل الكوليرا والإسهال “بصورة متزايدة”.
وينتقل مرض الكوليرا عن طريق المياه، ويسبب إسهالاً حاداً يهدد الحياة، خصوصاً إذا لم يخضع المريض للعلاج.
ويتعرّض الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات ويعانون من سوء التغذية لخطر الإصابة بمرض الكوليرا بشكل خاص.
انتشار أكثر فتكاً
فيليب باربوزا، رئيس فريق مكافحة الكوليرا وأمراض الإسهال الوبائي التابع لمنظمة الصحة العالمية، قال: إن العام الجاري شهد انتشاراً “أكثر فتكاً” لمرض الكوليرا، وذلك بعد نحو 5 سنوات من إعلان المنظمة أن الكوليرا في اليمن عام 2017 كان “الأسوأ في التاريخ”.
وفي سبتمبر الماضي، أفاد باربوزا بوجود “زيادة مقلقة” في تفشي المرض في جميع أنحاء العالم، مشيراً أنه خلال أول 9 أشهر من العام الجاري فقط، أبلغت 26 دولة عن تفشي الكوليرا فيها، مع ظهور ارتفاع في معدل الوفيات.
وأضاف، في تصريحات نقلها بيان للأمم المتحدة: لم نشهد هذا العام مزيداً من التفشي فحسب، بل كان أكبر وأكثر فتكاً.
وأوضح باربوزا أن معدل الوفاة المبلغ عنه في العام 2021 ارتفع بنحو 3 أضعاف، مقارنة بمتوسط الأعوام الخمسة السابقة.
وتظهر تصريحات المسؤول الأممي أن الكوليرا لا يهدد الشرق الأوسط فحسب، بل بات يهدد بشكل عام المناطق التي تعاني من فقر وصراعات ومظاهر تغير المناخ مثل الأعاصير والجفاف والفيضانات، حيث تقل إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة.
وفي عام 2017، شهد اليمن تفشياً لمرض الكوليرا جراء ويلات الحرب التي تشهدها البلاد منذ سبتمبر 2014، حيث سجل بحلول منتصف 2021، أكثر من 2.5 مليون إصابة بالمرض وأكثر من 4 آلاف وفاة، وهو ما اعتبرته الأمم المتحدة حينها “أسوأ أزمة إنسانية” في العالم.
مرض مستوطن
وقبل نحو شهر، بدأ انتشار الكوليرا في مناطق سيطرة النظام السوري، ليمتد لاحقاً إلى خارجها.
وأوضحت وزارة الصحة التابعة للنظام السوري، نهاية سبتمبر الماضي، أن عدد الإصابات المؤكدة بالكوليرا بلغ 338، فيما وصل عدد الوفيات إلى 29 حالة.
بيد أن بيانات منظمة الصحة العالمية المعلنة في 5 أكتوبر الجاري، كشفت أن عدد الإصابات بالكوليرا في سورية بلغ أكثر من 10 آلاف حالة.
وحذر محمد سالم، مدير برنامج اللقاح بوحدة التنسيق والدعم (منظمة محلية)، من تحول الكوليرا إلى “مرض مستوطن” في سورية، لافتاً إلى وجود مخاوف من انتقاله إلى بلدان مجاورة.
وقال، في حديث سابق مع “الأناضول”: إنه في حال استمرار اكتشاف إصابات جديدة لمدة 3 سنوات، فسيتحول الكوليرا إلى مرض مستوطن، في ظل انهيار البنية التحتية وشح المياه وتلوثها.
وأضاف سالم أن المرض وصل حالياً إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام شمالي سورية.
وكانت منظمة “منسقو استجابة سورية” (محلية) أصدرت، في 2 أكتوبر الجاري، بياناً حذّرت فيه من تسجيل حالات إضافية ضمن المخيمات المنتشرة شمالي سورية، وتحوّلها إلى بؤرة كبيرة للوباء يصعب السيطرة عليها.
وطالبت المنظمة الوكالات الدولية ببذل المزيد من الجهد لدعم القطاع الذي قد يتهاوى تحت الضغط الإضافي الذي سببه تسجيل الإصابات بالكوليرا.
وأرجعت المنظمة احتمالية تفشي المرض وخروجه عن السيطرة إلى هشاشة البنية التحتية من ناحية المياه الصالحة للشرب، وكمية المياه المخصصة للفرد، وإجراءات الأمن والسلامة للحصول على الماء.
يشار إلى أن العدد المذكور للإصابات والوفيات هو “الأكبر” منذ عقود في سورية، التي كانت ضمن البلدان الخالية من هذا المرض.
الكوليرا يتسلل إلى لبنان
وعلى هذا النحو، بدأ الكوليرا يتسلل إلى لبنان، حيث أعلنت وزارة الصحة، الخميس الماضي، تسجيل أول إصابة بمرض الكوليرا في البلاد منذ عام 1993.
وقالت الوزارة، في بيان: إنه تم تسجيل أول إصابة بالكوليرا في 5 أكتوبر بمحافظة عكار (شمال)، مشيرة إلى أن حالة المريض مستقرة، وأنه يتلقى العلاج في المستشفى.
لكن عدد الإصابات ارتفع بوتيرة سريعة خلال أيام، وكشفت وسائل إعلام لبنانية الإثنين نقلاً عن مسؤولين، ارتفاع عدد الإصابات بالكوليرا خلال 3 أيام إلى 14 حالة.
عقب ذلك، شرعت وزارتا الصحة والتعليم بتوزيع منشورات توعوية بشأن الوباء، إضافة إلى استنفار المستشفيات لمواجهة المرض حال انتشاره.
إصابات في العراق
وفي يوليو الماضي، أعلنت وزارة الصحة العراقية رصد 309 إصابات بالكوليرا خلال نحو شهر، توفي منها 3 حالات.
ولم تكشف السلطات العراقية خلال الفترات اللاحقة لهذا الإعلان عن أي تفاصيل إضافية بشأن وضع الكوليرا في البلاد.
وفي عام 2015، شهد العراق أكبر موجة وبائية لتفشي الكوليرا، تركّزت في بغداد وبابل (جنوباً)، وخلّفت نحو 1809 إصابات مؤكدة و65 حالة وفاة.
تفشٍّ جديد في مالاوي
وتسبب انتشار الكوليرا في مالاوي بوفاة نحو 117 شخصاً، منذ تسجيل أول إصابة في 3 مارس الماضي.
ووفقا لتقرير صادر عن وزارة الصحة، استمرت الحالات في الارتفاع طردياً، ووصلت حتى أكتوبر إلى 4223 حالة في 23 منطقة من أصل 28.
وقالت الوزارة: إن معدل الوفيات يبلغ 2.8%؛ ما يعني أن المرض يتسبب في وفاة شخصين من بين كل 100 مريض.
ومطلع الشهر الجاري، قالت وزيرة الصحة كومبيزيه خومبيز تشيبوندا، في تصريحات صحفية: إن العوامل الرئيسة المرتبطة بتفشي الكوليرا تتمحور حول سوء نظافة الأغذية ونقص المياه الصالحة للشرب وانخفاض عدد المراحيض وقلة استخدامها.
يشار إلى أن معظم سكان القرن الأفريقي يعتمدون على المياه التي يقدمها الباعة على شاحنات أو عربات تجرها دواب، حيث لم تعد العديد من الأسر قادرة على تحمّل تكاليف المياه في المناطق الأكثر تضرراً من الجفاف، وفقاً لـ”يونيسف”.