د. حلمي محمد القاعود
حاول الوزير الشجاع علاء عبدالعزيز في حكومة الثورة التي نسفها الانقلاب العسكري الدموي الفاشي في 3 يوليو 2013م أن يقوم بدوره الخلقي والدستوري والقانوني في تطهير وزارة الثقافة من اللصوص الكبار والصغار الذين يسرقون بالقانون، ويعرفون جيداً المداخل والمخارج في الوزارة العميقة الفساد العريقة التلوث.
تجمعت عصابات الحظيرة ضد علاء عبدالعزيز مسنودة بالدولة العميقة والأجهزة، واحتلت مكتب الوزير، وتعاملوا بمستوى البلطجية وقطَّاع الطرق، وتسلحوا بالسنج والشوم والسباب والكذب، واتخذوا من صحف العار وإعلام مسيلمة منابر لهم تتهم الرجل بما ليس فيه، ووقفت الشرطة موقفاً سلبياً، بل مشجعاً للعصابات للاستمرار في سلوكها الإجرامي المشين، والاعتداء على الشرفاء ممن يرفضون موقف العصابات الانتهازي الرخيص، وكانت أعاصير الثورة المضادة قد أخذت تسفر عن وجهها الكالح القبيح، فانتصرت الحظيرة وقوى الشر المعادية للإسلام!
أراد لصوص الحظيرة أن يكرروا الأمر مع الوزير الانقلابي الحالي الذي أراد تغيير القيادات التي تحتقره وتستهين به، فتنادوا وتجمعوا، وأصدروا البيانات، وقادوا حملة ازدراء للوزير الانقلابي ومن عيّنهم في مناصب قيادية، وهددوه وتوعدوه بالإقالة والعقاب الحظائري، وشهدت الصحف التابعة لهم والقنوات الموالية تصريحات وأقوالاً ومداخلات ومشاهدات تؤكد أن الوزير الانقلابي لن يحتمل “غلوة” في أيديهم المدربة على التضليل والتدليس والكذب، ولكنهم تذكروا أن كرباج الانقلاب العسكري على ظهورهم، فتراجعوا عن إقالة الوزير إلى الحديث عما أسموه “الحالة الثقافية”، وخسروا المعركة لأول مرة، وترنّحت اللصوصية باسم القانون، وقابلهم الدويدار لحفظ ماء الوجه ولم يقابلهم الوزير الذي دافع عن اتهامهم له بالأخونة بالمزايدة عليهم ووصف الأخونة، بالخيانة وأنه لن يكون خائناً!
من العجيب أن الحظائريين يزعمون أنهم يمثلون المثقفين المصريين! وتناسوا أن عشرات الألوف من مثقفي مصر لا يعترفون بهم ولا بأفكارهم الدموية الفاجرة، ولا يقرّونهم على سلوكهم الثقافي المشين.
الحظائريون صنيعة الأجهزة الأمنية منذ أنشأ البكباشي الأرعن وزارة الثقافة ليسيطر على الكتَّاب والأدباء والفنانين، وليكونوا صوتاً له ولمن بعده في رحلة الاستبداد والقمع والتخلف وتغييب الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، وقد بذلوا ما في وسعهم ليكونوا نعالاً في بيادة الحكم العسكري على مدى ستين عاماً أو يزيد، وغنوا للطغاة أغاني تشهد لهم بخدمة القمع والترويج له، ولعل الأجيال الحالية تحفظ ما قاله بعضهم لمبارك “اخترناك”، و”النسر الأعظم”، وتعلم إشادة الحظيرة به حين لمس كتف أحدهم فاعتبروها لمسة من السماء أدخلته جنة عدن!
إنهم يرفعون اتهام الأخونة ضد من لا يساير لصوصيتهم القانونية، أو يقف دون مصالحهم الشخصية ونهبهم للمال العام وفقاً للوائح، لذا يستمرون في ابتزاز الرأي العام وترويع من يستهدفونه بوقائع ملفقة واتهامات رخيصة لا تصدر عن مثقف حقيقي.. إنهم يرون إبعادهم عن الاغتراف من تكية الوزارة مسألة حياة أو موت، لذا لا يبالون بكلمة حق، أو عبارة صدق، أو خبر حقيقي.
لنضرب مثلاً بمدرس جامعي يتقاضى مرتباً محدوداً يكفي حاجاته الأولية بالكاد، ثم ينتدب ليوضع في منصب رئيس هيئة ثقافية، مرتبها مضاعف، والمكافآت والحوافز من حول المنصب عديدة ومرتفعة، والبدلات كثيرة، وتكون بالعملة الصعبة عند السفر إلى الخارج وما أكثره، ثم هناك عائد الأرباح أو الإيرادات، ثم هناك بعدئذ لوازم وجاهة المنصب من سكرتارية وحراسات وسيارات وهواتف واتصالات ولقاءات مع المسؤولين الكبار وأشباههم.. هل يمكن أن يسلم صاحبنا بالعودة إلى وظيفته الأصلية ليكون مجرد مدرس جامعي يعيش على مرتب ضئيل؟ الإجابة تعرفونها!
من معالم الحظيرة أنها تضم عدداً كبيراً من أشباه المتعلمين أو الحاصلين على مؤهلات متواضعة، يمتلكون وقاحة بلا حدود وصفاقة لا تستحي، وقد ساعد على وجود هذه الظاهرة بكثرة وقف تعيينات القوى العاملة في الثمانينيات، فامتلأت المقاهي والحانات بوسط القاهرة بالمئات من هؤلاء الذين جاؤوا من الصعيد والأرياف ليتصعلكوا في شوارعها وميادينها، والتقطهم أشباههم الكبار لأغراض سياسية أو أمنية، فرأينا الحقل الأدبي يمتلئ بمن لا يحسنون الإملاء والكتابة، ومن لا علاقة لهم بالنحو أو الصرف أو العروض، وأمطرونا بوابل من الغثاء تحت اسم الحداثة حيناً، والتجاوز حيناً آخر، واستطاع بعض هؤلاء بطريقة ما أن يصلوا إلى مناصب رفيعة في وزارة الثقافة العتيدة، وبعضهم تشرف بدخول السجن في قضايا مخلة بالشرف مع أنه كان قريباً من الوزير، ولكن السجن لم يؤثر فيهم أدنى أثر!
تواضع المستوى التعليمي لا يشغل الناس بقدر ما يشغلهم تواضع المستوى الخلقي والسلوكي، فقد عرفت ثقافتنا الحديثة من لا يحملون مؤهلات علمية، ولكنهم فاقوا من يحملون درجات الدكتوراه، أذكر على سبيل المثال محمد فريد وجدي، والشاعر علي الغاياتي، والكاتب عباس محمود العقاد، وصنوه مصطفى صادق الرافعي.. وغيرهم، وهؤلاء لم يتصعلكوا، ولم يبتزوا غيرهم ولم يسرقوا أموال الثقافة بالقانون، بل دفع الشرف بعضهم أن يبيع مكتبته كي يعيش، وكانوا مثقفين بحق وموهوبين بحق، ولم يتملقوا من أجل الوصول إلى جوائز كبرى لا يستحقونها، مثلما رأينا حامل إعدادية صناعية يحصل على “جائزة مبارك” وهو لا يقيم جملة صحيحة كما وصفه رفيق شيوعي!
ومع ذلك رأينا نخانيخ الحظيرة لا يتورعون عن وصف العلماء والفضلاء بأنهم نكرات، وكأن شهرة نعال البيادة وسام يعلقه الحظائري على صدره! ولا تعجب من وصف شبه أمي لعالم فاضل تولى منصباً ثقافياً رفيعاً بأنه الدكتور محدود الموهبة أو الشاعر الإقليمي؟! ونسي الشقي البائس أنه جاء من أعماق الريف ليتصعلك في مقاهي القاهرة وحاناتها حتى التقطته الحظيرة، وجعلته خادماً للبيادة، ولكن أنّى له أن يتذكر؟
قادة الحظيرة طبل خانة، وهو طبل أجوف أفسد حياتنا الثقافية والخلقية والسياسية، ولا غرو أن يكون هذا عطاؤهم، فقد نشأ بعضهم وتربي في بيئات شاذة، وبعضهم لا يعرف شيئاً غير محاربة الإسلام والمسلمين وفقاً للتربية الشيوعية المجرمة، وبعضهم يعشق البيادة حتى النخاع، ويكفيهم عاراً أنهم جعلوا اليهودي في مسلسلاتهم أكثر إنسانية من المسلمين!
الله مولانا، اللهم فرّج كرب المظلومين، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!