حينما حدث الانقلاب على الديمقراطية الوليدة في مصر؛ إذا بها تغض الطرف عن هذه الردة إلى الدكتاتورية العسكرية
أمريكا تعلن دائماً أنها حامية الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان في العالم، وحينما حدث الانقلاب على الديمقراطية الوليدة في مصر؛ إذا بها تغض الطرف عن هذه الردة إلى الدكتاتورية العسكرية، وأخذت تردد أن ما يسمىبـ”خارطة الطريق” ستبني نظاماً ديمقراطياً حقيقياً، وتجنبت ذكر كلمة “انقلاب” كوصف لما حدث في مصر، أضف إلى ذلك الدور المعروف للسفارة الأمريكية في الانقلاب، والأدلة على ذلك كثيرة؛ منها على سبيل المثال ما ذكره أحد قيادات حزب “النور” من أن السفيرة الأمريكية عرضت على حزبه عدداً من الوزارات في حكومة الانقلاب بشرط الموافقة على البرادعي رئيساً للوزراء، ولقد اعترف قائد الانقلاب في حوار تلفزيوني ضمن حملته الانتخابية أنه ناقش مسألة استيلاء الجيش على الحكم مع مسؤولين أمريكيين قبل التنفيذ بأيام، وحتى بعد أن كشف نظام الثالث من يوليو عن وجهه العسكري القمعي الدموي الفاشي ظلت أمريكا على موقفها الداعم للانقلاب مع بعض تصريحات هنا وهناك إدانة للانتهاكات على استحياء، ومع قرب موعد تنصيب الرئيس العسكري، ومع اتضاح حقيقة أن النظام القادم نظام دكتاتوري فرعوني أسوأ عشرات المرات من نظام “مبارك”؛ ظلت أمريكا على موقفها المؤيد والداعم، وقد أكد “جون كيري” هذا التأييد حينما صرح بأن الإخوان سرقوا ثورة مصر، وأن الجيش أعاد الديمقراطية، وليس بعيداً عن أمريكا ما اتخذه الاتحاد الأوروبي من قرار لمراقبة الانتخابات الرئاسية حتى يضفي عليها الشرعية الدولية.
ماذا تعني الديمقراطية في مصر لأمريكا؟ تعني ببساطة شديدة امتلاك الشعب لإرادته، تعني أن الشعب يختار حاكمه وممثليه عبر الصندوق الانتخابي الحقيقي كأحد أهم آليات الديمقراطية، والحاكم الذي يأتي بالصندوق لا يكون ولاؤه إلا للشعب الذي أتى به، ولا يملك إلا أن يعمل لصالح هذا الشعب، وهو في نفس الوقت يستند إلى ظهير شعبي يكسبه قوة واحتراماً لدى المجتمع الدولي، ولن تستطيع أي قوة خارجية أن تضغط عليه، حكام الدول العظمى يعلمون أن الرئيس الديمقراطي لا يملك كل السلطات بيده، وأنه لابد وأن يرجع دائماً إلى المجالس المنتخبة، ولذلك لن تجدي أي ضغوط دولية لفرض أي أمر يكون ضد الإرادة الشعبية، ومن المعلوم لدى الجميع أن إرادة الشعب المصري هي ضد الهيمنة الأمريكية، كما أن الشعب المصري يدرك تماماً أن هناك تعارضاً صارخاً بين مصالحه وأمنه القومي والمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والتي تتمثل في الدعم اللامحدود للكيان الصهيوني، كل هذا يعني أن أي ديمقراطية حقيقية ستفقد أمريكا هيمنتها على مصر، وستضطرها لأن تتعامل مع مصر بصيغ جديدة تقوم على أساس المصالح المشتركة.
لكل هذه الأسباب فإن أمريكا دائماً ما تدعم الدكتاتورية العسكرية، حيث لا يستند الحاكم إلى شرعية شعبية حقيقية، ولا يستمد قوته إلا بالدعم الأمريكي والذي لا يكون بالمجان، هذا الحاكم دائماً ما يُخضع الشعب ويقهره، ولا يوجد في قاموسه العسكري شيء اسمه ديمقراطية أو حرية، ولذلك تسعى أمريكا دائماً إلى دعم مثل هذه النوعية من الحكام حتى تتمكن من إبقاء مصر في حالة تبعية كاملة، ومما يؤكد ذلك أيضاً التصريحات العديدة للقادة الأمريكيين والصهاينة التي تؤكد العلاقة الحميمية بين القيادة العسكرية في مصر والكيان الصهيوني.
وإذا أخذنا في الاعتبار البعد الإسلامي لهذه القضية، فإن أمريكا تدرك أن أي عملية ديمقراطية حقيقية في أي دولة عربية أو إسلامية سوف تأتي حتماً بالإسلاميين؛ خاصة الإخوان المسلمين، ذلك أنها القوة السياسية الوحيدة التي تتمتع بشعبية واسعة، بالإضافة إلى امتلاكها القدرة التنظيمية العالية، والتاريخ الطويل من النضال السياسي والأعمال الاجتماعية والخيرية، وقد أثبتت كل التجارب الديمقراطية في المنطقة حتمية فوز الإخوان ومن على منهجهم في أي استحقاقات انتخابية.. من أمثلة ذلك “حماس”، وحزب “العدالة والتنمية” التركي، وهذا بالتأكيد لا يروق للإدارة الأمريكية التي تعلم بأن نجاح الإسلاميين في مصر سيتلوه نجاحات مماثلة في دول “الربيع العربي”، وهذا هو نفس المنطق الذي استخدمه عرَّابو الانقلاب من أمثال نبيل فهمي، والبرادعي مع الغرب في التبرير لعملية قيام الجيش بالإطاحة بالرئيس المنتخب والاستيلاء على الحكم لإجهاض أي مشروع إسلامي.
وقد أكدت ذلك “كاثرين أشتون” حينما أبلغت وزير الخارجية الروسي بأن سقوط الانقلاب في مصر سيؤدي لنجاح الثورة السورية لصالح الإسلاميين، ويعمل على تقوية الإسلاميين في ليبيا وتونس وتركيا، وسيدخل المنطقة في تحالفات ليست في صالح أمريكا ولا أوروبا ولا روسيا، وذلك حسبما ذكر “روبرت فيسك” في حوار له على قناة “روسيا اليوم”.