لا أستطيع أن أصدق أن أكثر العلمانيين العرب يمقتون دينهم وتراث أمتهم كل هذا المقت، ويحاربونه بكل هذا الحماس إلا أن يكونوا يعملون لصالح جهات معينة، ويمولون بسخاء لتنفيذ أجندة ما.
والحق أن الغرب الذي قطع شوطاً كبيراً في احترام كل أطراف وأطياف مجتمعه مهما تطرفوا، قصفنا وما زال يقصفنا، لأسباب تتعلق بصراعه الأزلي معنا، بنخبة متهافتة من أشباه المثقفين الإقصائيين والاستئصاليين حتى النخاع.
وإلا فماذا يمكن أن نفهم من قصة حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل في الأدب التي يرويها رائد القصة القصيرة في الأدب العربي الأديب يوسف إدريس في أحد حواراته:
” هناك فارق كبير بين أن تعطى الجائزة ليوسف إدريس وبين أن تعطى لكاتب آخر هو نجيب محفوظ، الفرق أن يوسف إدريس كاتب ذو رسالة محددة قومية واضحة له موقف من الحركة الصهيونية ومن “إسرائيل”، بينما ليس لنجيب محفوظ شيء من ذلك، أنا لو أخذت الجائزة لصنعت ما صنعه ماركيز أقاتل ضد الإمبريالية الأمريكية والصهيونية والرجعية العربية، هنا الجائزة فيها فرق كبير”.
والأمر يصبح أكثر وضوحاً إذا أضفنا أن نوبل نجيب محفوظ في الأدب قد أعطيت له علي كتاب “أولاد حارتنا”!
ولماذا يحصل سلمان رشدي صاحب “آيات شيطانية” على جائزة الكتاب البريطانية للآداب ومنحة توجولوسكي للآداب السويدية وجائزة آريستون عن المفوضية الأوروبية؟!
ولماذا طلب من بعض الكتاب العرب اقتسام “نوبل” مع “إسرائيليين” كما اقتسمها سياسيون عرب معهم مثل السادات وعرفات؟!
ولماذا يكرس كتاب لجأوا للغرب حياتهم لمهاجمة الإسلام ديناً وعقيدة ولتشويه المسلمين بكل تياراتهم؟
وصفة علاء الأسواني!
وما هو تفسير هذه الوصفة التي قدمها الروائي الطبيب علاء الأسواني للأديب الرائع الراحل أحمد خالد توفيق من أجل الوصول للعالمية والشهرة والمجد والتي حكاها توفيق بنفسه:
“الدكتور علاء الأسواني قال لي على وصفة للوصول للعالمية وهي قصة عن علاقة سحاقية بين منتقبتين، والمجتمع اضطر أن واحدة تتزوج رجلاً فظاً، واكتشف أنها غير مختنة وعملوا لها عملية ختان فماتت، وقال لي ( أي علاء الأسواني) دي قصة توزع 60 مليون نسخة وتحتل غلاف مجلة نيوزويك، لكني لو كتبت هذه القصة خنت قاعدة ما يطلبه المستمعون وهبيع كتير وأنجح في الغرب”.
وهذه القصة المؤكدة من الراحل أحمد خالد توفيق تؤكد لنا:
أولا: أن الغرب يشتري مثقفينا بهذه الطريقة الرخيصة؛ فالمثقف الذي يقبل عرض علاء الأسواني يبيع نفسه ويبيع قومه بثمن بخس (60 مليون نسخة وغلاف مجلة نيوزويك).
ثانيا: أن للغرب سماسرة مستأجرين أو متطوعين يجتهدون في تجنيد وتغريب مثقفين أو أشباه مثقفين رخيصي الثمن يحملون أسماء كأسمائنا، وجلودهم تتشابه مع جلودنا ويتحدثون لغتنا ولكنهم مكلفون من قبل أسيادهم بتشويهنا وبتثبيطنا وتذليلنا للغرب لنبقى للأبد ساحة للسلب والنهب والاستبداد.
ثالثا: أن النيل من مظاهر حفاظنا على ديننا وهويتنا وأخلاقنا وتشويه وشيطنة من يلتزم منا بدينه -ولو كان هذا الالتزام مظهرياً- هو هدف أصيل من أهداف ذلك الغرب يمليه ويلزم به من يصنعه أو يستأجره أو يجنده من المثقفين المغشوشين.
رابعا: أن الغرب لا يراعي أية معايير في حربه الثقافية الناشبة مع الأمة منذ قرون، وأنه منافق ومكيافيلي حتي النخاع في هذه الحرب.
خامسا: أن في الغرب مؤسسات وأجهزة علمية كبرى متخصصة في تذليلنا وتعبيدنا ثقافياً لهم.
سادسا: أن بين ظهرانينا جيوشاً من العملاء الثقافيين المسيرين بأجهزة تحكم عن بعد ” ريموت كنترول” ينفذون استراتيجيات وخطط ومؤامرات الأعداء.
سابعا: وهذا هو الأهم، أن المعركة الثقافية والحضارية المستمرة مع الغرب منذ مئات السنين لم تحسم بعد، رغم شدة ضعفنا المادي والتكنولوجي؛ لأن الغرب الأناني المتعصب لم يقدم ولا يستطيع أن يقدم بديلاً إنسانياً مقبولاً عن ديننا وحضارتنا.
والمعركة حتما ستحسم لصالحنا حالما نستعيد وعينا ونمتلك إرادتنا.