خطبة جمعة “استثنائية” في الجامع الأزهر، تختلف عن خطب باقي مساجد مصر تحت شعار “ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة”، وبيان ثان من شيخ الأزهر بـ 15 لغة، بينها العبرية: “أوقفوا القتل وكفى الصمت والكيل بمكيالين”.
تبعه الإعلان عن فتح معبر رفح السبت 15 مايو 2021 لدخول الإسعاف المصرية ومساعدات طبية، ونقل جرحى الاعتداءات الصهيونية، وحشد فريق طبي مصري لدخول غزة لعلاج الجرحى.
وسبق كل هذا تصريحات لوزير الخارجية المصري، ينتقد فيها عدم تجاوب تل أبيب مع وساطة مصر لوقف القتال والتهدئة أو تلقي رد إيجابي أو صدى لدعوتها، ويطالب بوقف العدوان “الإسرائيلي”، ويتضامن مع أهالي القدس وغزة بقوة.
كل هذه التطورات عكست تحولا غير عادي في موقف مصر من العدوان الصهيوني على القدس وغزة هذه المرة، رغم التطبيع بين البلدين وتعاظمه في الآونة الأخيرة في مجالات اقتصادية وسياحية وتجارية.
شيء ما غير اعتيادي يحدث جعل الموقف المصري الرسمي يختلف بنسبة 180 درجة عن الموقف من العدوان الصهيوني على غزة عام 2014.
وواكب هذا حملة ترويج من صحف مصرية ولجان إلكترونية للموقف الرسمي المصري من الاعتداءات الصهيونية على الفلسطينيين وما قدمته مصر لمواجهة العدوان.
غضب من رفض الوساطة
هناك من يرى أن الغضب الرسمي المصري من الرفض “الإسرائيلي” الحاد للوساطة المصرية في تصاعد، وأنه سبب موقف مصر التصعيدي الأخير ضد “إسرائيل”، والذي ظهر في كلمة سامح شكري الحادة ضد العدوان والحديث عن “فخر واعتزاز” مصر بموقف أهل القدس.
الموقف المصري الرسمي اختلف بنسبة 180 درجة عن الموقف من العدوان الصهيوني على غزة عام 2014.
وقالوا إن هذا الموقف المصري التصعيدي انعكس على خطبة جمعة الجامع الأزهر العنيفة ضد “إسرائيل” التي تطالب بـ”تشكيل قوة ردع إسلامية”، وطالبت حكام العرب والمسلمين بـ”التخلي عن صمتهم”، في لهجة غير مسبوقة من الإعلام الرسمي الموجهة خلال السنوات السبع الخيرة.
واكب هذا تأكيد “قناة العربية” أن مصر قررت الرد على الرفض الصهيوني لوساطتها، ووقف إطلاق النار بتجميد عدد من الملفات مع تل أبيب، وتحذير “إسرائيل” من استمرار العملية العسكرية ورفض الهدنة.
بينما رأى مراقبون ونشطاء آخرون أن إذاعة خطبة الجمعة من الجامع الأزهر، وتخصيصها للاعتداء على الأقصى والقدس وغزة، بينما كل مساجد مصر لها خطبة موحدة أخرى مختلفة عن العيد، هو “قرار أمني وسياسي”.
حسب محلل سياسي مصري فـ”من الصعب تصور إذاعة خطبة جمعة على الهواء مباشرة دون مراجعة أمنية، وأن يكون الخطيب هو أحمد عمر هاشم الذي له ارتباط قديم ووثيق بالسلطة، وتخصيص الخطبة للجامع الأزهر فقط دون مساجد الأوقاف، إلا إذا كان الهدف هو “اللقطة وليس شحن المصريين”.
وتجاوبت “إسرائيل” لاحقا مع الضغوط المصرية، وتأكيد مصدر دبلوماسي قريب من المفاوضات لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل” 14 مايو 2021 أنه “من الممكن التوصل لوقف إطلاق نار اليوم (14 مايو) أو اليومين القادمين”، مؤشر على التجاوب مع الغضب المصري، رغم تأكيد مصادر فلسطينية أنه “لا توجد مفاوضات حول وقف إطلاق نار مع غزة، والنبأ بأن المصريين أحرزوا تقدما في هذا الأمر غير صحيح”.
سد النهضة
فريق آخر من المراقبين يرى أن التحول والتشدد في الموقف المصري ضد دولة الاحتلال مرتبط بدور تل أبيب في دعم إثيوبيا في ملف سد النهضة، ومدها بدعم فني وعسكري للدفاع عن السد.
وفي يوليه 2019 ذكرت تقارير صحفية عبرية أن “شركتين إسرائيليتين، هما صناعات الفضاء الإسرائيلية وشركة رفائيل للصناعات العسكرية قامتا بتركيب أنظمة دفاع سبيدر «Spyder-MR» بالقرب من سد النهضة”.
يُرجع هذا الفريق غضب القاهرة من تل أبيب وتحولها لدعم المقاومة وأهالي غزة لصعوبة المرحلة التي تمر بها مصر الآن وأزمة سد النهضة، وحاجتها إلى امتلاك كروت سياسية، خاصة أن هناك فتورا سياسيا من جانب أمريكا تجاه هذه القضية التي تمس أمن مصر.
مؤيدو هذا الطرح يرجحون أن يكون حدث تفاهم مصري أمريكي على تدخل مصر لإقناع المقاومة بوقف قصف مدن الكيان الصهيوني، وإنقاذ ماء وجه نتنياهو وذلك مقابل تدخل أمريكي أكبر في ملف سد النهضة.
قد يدعم هذا ما ذكرته قناة العربية أن “الوساطة تحولت لمصرية مع غزة، وأمريكية مع إسرائيل” بدليل إصدار الخارجية الأمريكية بيانا عن مفاوضات سد النهضة وتدخلها فيها وطرحها مبادرات، وهو أمر ليس صدفة.
امتصاص الغضب
فريق ثالث من المحللين والنشطاء يرى أن التحول والتشدد في الموقف المصري هو السعي لامتصاص الغضب الشعبي الذي عمَّ مصر والعالم العربي، خشية انفجار غضب الشعب المصري والخروج في مظاهرات تنتصر للأقصى والقدس.
يرى فريق أن التحول والتشدد في الموقف المصري ضد دولة الاحتلال مرتبط بدور تل أبيب في دعم إثيوبيا في ملف سد النهضة
يدللون على هذا بقصر خطبة الجمعة الوحيدة الداعمة للأقصى على الجامع الأزهر دون غيره، لنقل رسالة للشعب أن السلطة مع المقاومة والأقصى، واعتقال قوات الأمن المصرية للصحفية نور الهدى زكي لرفعها علم فلسطين في ميدان التحرير، لأنه غير مسموح بموقف شعبي.
المصريون يدعمون فلسطين
ورغم منع أي مظاهر للتعاطف الشعبي مع غزة وعدم خروج أي مظاهرات في مصر، فقد ظلت القدس وغزة في قلب المصريين وتضامنوا معها افتراضيا عبر مواقع التواصل.
أمواج غضب المصريين توالت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي ردود الأفعال الشعبية والمؤسسية على جميع المستويات، مع تصاعد وتيرة الأحداث في القدس المحتلة، فيما تصدر وسم “أنقذوا حي الشيخ جراح” قائمة الأكثر تداولاً في مصر لأيام، تضامناً مع أشقائهم الفلسطينيين المرابطين في بيت المقدس ومدينة اللد، بالإضافة إلى من هم تحت القصف في قطاع غزة المحاصر.
وقد افتتح الغضب الشيخ أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، والمرجعية الدينية الأولى (الرسمية) في مصر، بوصف ما يحدث في الأراضي المحتلة بـ “الإرهاب الصهيوني”.
وقال في بيان عبر موقع فيسبوك: “إن اقتحام ساحات المسجد الأقصى المبارك، وانتهاك حرمات الله بالاعتداء السافر على المصلين الآمنين، ومن قبلها الاعتداء بالسلاح على التظاهرات السلمية بحي الشيخ جراح بالقدس وتهجير أهله، إرهاب صهيوني غاشم في ظل صمت عالمي مخز“.
ثم أعلن وزير الخارجية إدانة الاعتداءات “الإسرائيلية”، في بيان 10 مايو 2021، تضمن رسائل تضامن مع الشعب الفلسطيني أن “كل عربي ينظر بفخر واعتزاز لأهل القدس، وما تعرض له المسجد الأقصى استفز مشاعرنا جميعاً”.
وأن “محاولات تغيير هوية القدس لم تكن لتمر مرور الكرام، وندعو الدول العربية للاصطفاف خلف القدس“.
وامتد التضامن الشعبي المصري مع فلسطين والقدس، إلى سياسيين وفنانين ولاعبي كرة على مواقع التواصل.