في هذا المكان إلى الغرب من العاصمة اللبنانية بيروت وقبل 35 عاماً وقعت المجزرة الشهيرة التي أودت بحياة أكثر من 3 آلاف معظمهم فلسطينيون، تعرضوا للذبح على مدى ثلاثة أيام متواصلة.
لا تزال مشاهد الذبح وبقر بطون الحوامل واغتصاب النساء ماثلة في ذاكرة من كتب لهم النجاة، ونجوا من مجزرة “صبرا وشاتيلا” في 15 سبتمبر 1982 (اجتاحت “إسرائيل” لبنان في العام نفسه).
في ليل “الخميس الأسود” كما يصفه الفلسطينيون واللبنانيون، أمر رئيس الوزراء “الإسرائيلي” الراحل آرئيل شارون وكان وقتها وزيراً للدفاع بتطويق المخيم، استعداداً لارتكاب حلفائه “اللبنانيين” واحدة من أبشع المجازر في التاريخ الحديث.
تذكر أمال القرمي (50 عاماً) وكانت وقتها في الـ 15 من عمرها عندما فرت وعائلتها تلك الليلة من منزلهم في القسم الشرقي من المخيّم (العملية بدأت في القسم الغربي) هرباً من وصول عناصر جيش سعد حداد.
كان حداد رائداً في الجيش اللبناني يقود وحدة عسكرية تضم 400 جندي في بلدة القليعة (جنوب)، قبل أن ينشق عن الجيش ويتحالف مع “إسرائيل” مشكلاً مليشيا “جيش لبنان الجنوبي”، المناهضة للوجود الفلسطيني في لبنان.
لم يكن حداد بمفرده المشارك في هذه المجزرة بل كان معه حزب لبناني مسيحي يميني متطرف (حزب الكتائب اللبنانية)، وفق ما تقول أمال لـ”الأناضول”.
في حزن يكسو ملامحها، تعود أمال لتلك الليلة المشؤومة: خدعونا، قالوا لنا عبر مكبرات الصوت المتمركزة على مداخل المخيّم: كي تخرجوا آمنين وبسلام ارفعوا رايات بيضاء وأخرجوا من منازلكم، ومن سيفعل ذلك سيعود إلى بيته وأرضه في فلسطين.
صدق السكان خدعة “الإسرائيليين” وأعوانهم اللبنانيين وحين فعلوا ما طُلب منهم انقضوا عليهم بوحشية وافتعلوا بهم مجازر لا يمكن تصورها حتى في أفلام الرعب، جرائم أفظع مما تقوم به “داعش” اليوم، وفق القرمي.
محمد الحسنين (45 سنة) شاهد آخر على المجزرة، كان عمره وقتها 10 سنوات حين شاهد عنصراً من الجيش “الإسرائيلي” ومعه رجلان لبنانيان يبقرون بطن امرأة حامل ويخرجون جنينها ثم علقوها على الحائط وأبقوها لأيام معلّقة على جدار منزلها.
يقول الحسنين لـ”الأناضول”: كانت معجزة أن ينجوا البعض بحياتهم، ومع خروج المسلحين والصهاينة عدنا لنشتم رائحة الموت المتصاعدة من الجثث المتحللة.. وجوه كثيرة كنا نعرفها اختفت تماماً من المخيّم.
سعيد القاسم (67 سنة) كان في الثلاثينيات حين شارك مع مجموعة لا تتجاوز الـ20 شاباً ورجلاً للدفاع عن المخيم، لم يكن معهم سوى بعض الأسلحة الخفيفة بحسب روايته لـ”الأناضول”.
ويضيف: حتى الآن أشعر برجفة وغضب وحقد حين أسترجع تلك الذاكرة، وتابع: لن أسامح العربي قبل الصهيوني، كان شباب الأحزاب يتناولون أمامنا المخدرات والحبوب المهلوسة على مدخل المسجد قبل الهجوم علينا وقتلنا بشراسة لم يشهدها التاريخ.
ويحمّل القاسم جل المسؤولية لحركة “أمل” التابعة لرئيس مجلس النواب نبيه بري (كان يومها قائداً عسكرياً فيها)، مضيفاً: سهل عناصرها دخول الصهاينة للمخيم، ولأنه كان هنالك صراع “سُني –شيعي” في المنطقة فقد اتفقوا علينا.
بحسب روايات أهالي المخيم لـ”الأناضول”، كانت الطائرات “الإسرائيلية” ترمي قنابل مضيئة فوق العاصمة بيروت وتحديداً فوق المخيّم تمهيداً لاقتحامه.
يجمع القاسم وعدد آخر من أهالي المخيم أن عناصر “حركة أمل” أعطوا إشارات لعناصر الأحزاب اللبنانية اليمينية ودخلوا مع الجيش “الإسرائيلي” ومكثوا 3 أيام وهم يقتلون ويذبحون ويقطعون الرؤوس بالفؤوس ويخرجون أحشاء النساء والرجال والأطفال.
ويروي: كانت المرأة ترغم على الخروج من منزلها عارية تماماً قبل أن يتناوب على اغتصابها أكثر من عشرة مسلحين ثم يقتلونها أمام زوجها وأولادها بوحشية ويقطعون أوصالها.
ورغم رفع دعاوى قضائية من قبل ذوي ضحايا مجزرة “صبرا وشاتيلا” ضد “إسرائيل”، فقد جرى مساومتهم لاحقاً من قبل دول أوروبية وتحديداً بلجيكا وسويسرا، بحسب سعيد العمري (55 سنة).
ويضيف: قامت هذه الدول بمنحهم اللجوء ثم الجنسية والتمتع بكافة الحقوق فيها شرط إسقاط حقوقهم القضائية ضد “إسرائيل”، ولم يعد في المخيم اليوم سوى بعض الشهود الذين كانوا داخله ليلة المجزرة.
ويقع مخيم “صبرا وشاتيلا” في الشطر الغربي للعاصمة بيروت وتبلغ مساحته كيلومتراً مربعاً واحداً، ويبلغ عدد سكانه اليوم حوالي 12 ألف شخص (رقم غير رسمي خاصة مع وجود لاجئين سوريين داخله منذ سنوات)، وهو واحد من بين 12 مخيماً للاجئين الفلسطينيين في لبنان.