تضمن التقرير السنوي لمنظمة “صوت حر الدولية” المدافعة عن حقوق الإنسان العديد من المعطيات عن واقع حقوق الإنسان في تونس ومصر وسورية وميانمار، مؤكدة ما جاء في المادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تشير إلى أن “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه”.
وقد بدأت المنظمة تقريرها بواقع حقوق الإنسان في تونس، حيث قامت هيئة الحقيقة والكرامة بعرض جلسات استماع علنية لضحايا القمع والانتهاكات التي تعرض لها الشعب التونسي منذ عام 1956م؛ بهدف كشف حقيقة ما كان يحدث في المقار الأمنية والسجون والفضاء العام من انتهاكات؛ وهو ما مكّن من كشف فظائع مروعة ارتكبتها الدولة التونسية بجميع مؤسساتها ومن يقومون عليها في حق مواطنيها منذ تشكيل أول حكومة عام 1956م.
وأشار التقرير إلى أن جلسات الاستماع التي تنظمها هيئة الحقيقة والكرامة تهدف إلى كشف الحقيقة، وإطلاع الشعب التونسي والرأي العام الدولي على حجم الانتهاكات الفظيعة والجرائم المرتكبة بحق المعارضين وأهاليهم وعموم الشعب التونسي والأضرار الجسيمة التي لحقت بالنسيج الاجتماعي وعرقلت تقدم البلاد وكبلتها بقيود الدكتاتورية والتخلف، وفق ما جاء في التقرير.
وذكر التقرير أن من أهداف العملية إرساء مبدأ المساءلة والمحاسبة كشرط ضروري للقطع مع مثل هذه الممارسات، علاوة على جبر الضرر ورد الاعتبار لكل الضحايا لحفظ الحقوق وهو ما أكده التقرير، إضافة إلى حفظ الذاكرة الوطنية حتى تعرف الأجيال القادمة حقيقة ما جرى من جرائم مروعة، ومن الأهداف الأخرى التي وردت في التقرير، إصلاح المؤسسات حتى لا تعود الدولة أداة للدكتاتورية من جديد، وذلك قبل المصالحة التي تعيد للمواطن كرامته وحريته وللدولة هيبتها، فباستعادة الكرامة تتعزز روح المواطنة ويدعم السلم الاجتماعي، حسب ما ورد في التقرير.
تنديد بالدعوة لوقف جلسات الاستماع:
أعربت منظمة صوت حر عن استهجانها الشديد لمطالبة الحزب الحر الدستوري، وقف جلسات الاستماع العلنية التي تنظمها هيئة الحقيقة والكرامة، وسخرية بعض السياسيين والإعلاميين والجلادين من شهادات الضحايا وتعمدهم تبرير جرائم التعذيب والاغتصاب والقتل والدفاع عنها.
وقد سبق لمنظمة صوت حر في تقاريرها الفصلية أن رصدت تواصل الانتهاكات والممارسات السابقة للثورة في حق الأفراد والهيئات، وذلك بسبب استمرار الإفلات من المحاسبة والأمن من العقاب، وهو ما أسهب فيه التقرير السنوي لمنظمة صوت حر لعام 2016م.
استمرار التعذيب:
ورد في التقرير تأكيد استمرار التعذيب والإجراءات القمعية الأخرى، حيث شهدت الانتهاكات الجسدية خاصة تزايداً، مع استخدام أساليب جديدة غير دستورية وغير قانونية كالمنع من السفر للخارج، والمنع من التنقل داخل الولايات وبينها، وذلك بموجب الإجراء الحدودي 17 س، والذي شدد التقرير على أنه غير قانوني، وقد دأبت وزارة الداخلية على استعماله منذ ثلاث سنوات وشمل 100 ألف تونسي، كما جاء في التقرير.
لم يقف الأمر عند ذلك الحد، فالتقرير تحدث عن قتل تحت التعذيب، أودى بحياة مواطنين لا سيما في أعقاب سلسلة من العمليات الإجرامية كما وصفها التقرير أوعزتها السلطة لمجموعات إرهابية، وبعد إقرار قانون مكافحة الإرهاب أصبح عناصر الأجهزة الأمنية لا يتقيدون بالقانون ولا يخضعون له، وفق ما جاء في التقري، وقد أدى الإفلات من المحاسبة والعقاب إلى زيادة وتيرة الانتهاكات والفظائع التي ترتكبها القوات الأمنية استهتاراً واستعراضاً للقوة، فنتج عن ذلك ضحايا كثيرون لم يذكر التقرير عددهم، لكنه أكد وجود حالة وفاة تحت التعذيب الوحشي، وبشبهة الإرهاب يوجد أكثر من 1500 شخص، كما أشار التقرير، رهن الاعتقال، علاوة على منع عدد كبير من المواطنين من السفر، وذكر التقرير أمثلة متعددة من الانتهاكات التي قامت بها قوات الأمن بحق المواطنين.
التضييق على الجمعيات: في هذا الإطار، رصدت منظمة صوت حر توجهات نافذة داخل الائتلاف الحاكم لضرب مؤسسات المجتمع المدني والتشكيك في نزاهة المؤسسة القضائية، المخولة بالنظر في إخلالات الجمعيات العاملة بدون تهم كيدية، كما اعتبرت إحالة ملفات هذه الجمعيات إلى القضاء وهو ما يحتاج لسنوات حتى يتم البت فيها محاولة لخنق وتدمير تلك المؤسسات بشبهة الإرهاب لتصفية الخلافات السياسية والأيديولوجية.
وقد خالف وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني كمال الجندوبي، كما نص التقرير، مرسوم 2011، عندما اعتبر الجمعيات موضوع رأي عام، وأن الرقابة عليها والترخيص لها هو من صلاحيات الكتابة العامة لرئاسة الحكومة، وقد بلغ عدد القضايا المسجلة لدى المحكمة الابتدائية بتونس في الشهور الستة الأولى من السنة الماضية 64 قضية عدلية تم نشرها بهدف حل 19 جمعية بزعم مكافحة الإرهاب، في حين كانت الطعون المقدمة في عرائض الدعاوي ذات طابع شكلاني وإداري، ولا يبرر بحال الإجراءات المتخذة ضد هذه الجمعيات، وقد انتهى الأمر كما ذكر في التقرير إلى حل جمعية مرحباً للمشاريع الخيرية، وجمعية تونس الخيرية، وتصنيف 157 جمعية بحسب انتماء أعضائها، وتوجيه تهمة خرق القانون إلى 84 جمعية، والمطالبة بحل 74 جمعية قضائياً، والإذن بتعليق نشاط 77 جمعية.