مرت الذكرى العاشرة بعد المائة لميلاد العلامة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي، الخميس 15 أبريل، وسط احتفاء مصري واسع بتراثه وانتاجه الإسلامي الواسع في مجال التفسير والفقه، امتد إلى المؤسسات الرسمية باحتفال وزارة الثقافة المصرية بذكرى مولده على غير العادة.
احتفاء رسمي
وأحيت هيئة قصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة المصرية، يوم الخميس الماضي، من خلال مشروع “عظماء بلدنا” عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك”، الذكرى 110 لميلاد الشيخ الشعراوي.
وأبرزت الوزارة في منشور لها سيرة الشعراوي واستعرضت مسيرته، ووصفته بأنه “علماً بارزاً في الدعوة، ومن أشهر مفسري القرآن الكريم في العصر الحديث، ويعد صاحب أول تفسير شفوي للقرآن، عمل على تفسيره بطرق مبسطة وعامية، مما جعله يستطيع الوصول لشريحة كبيرة في جميع أنحاء العالم العربي، واشتهر بحلقات تفسير القرآن التلفزيونية التي لازالت حتى الآن محط إعجاب ومتابعة من جموع المسلمين”.
وكثيراً ما هاجم المحسوبين على وزارة الثقافة العلامة الراحل، ومن أبرزهم وزير الثقافة المصري الأسبق جابر عصفور الذي زعم أن ”الشيخ الشعراوي سلفي الفكر كثيرًا، ولم يكن مجددًا”.
وقال، في تصريحات سابقة له: “بأقل نظرة لخواطره حول القرآن الكريم، وبتتبع مسيرته وأفكاره تدرك بسهولة أن الرجل كان سلفي الفكر والمعتقد، لذا جاء الكثير من أفكاره بأخطاء من وجهة نظري، فأنا لن أغفر له ما تحدث به من سجوده لله شكراً على هزيمة جيشنا في 67 فهذا أمر غير مقبول”.
وفي السياق نفسه، أبرزت وسائل إعلامية محلية محسوبة على مؤسسات الدولة احتفاء بارزاً بذكرى المولد، وفق ما رصده مراسل “المجتمع” ونشرت العديد من التقارير التي تبرز وسطية العالم الراحل.
رحلة ثرية
وولد الراحل في 15 أبريل عام 1911م بقرية دقادوس مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية بشمال مصر، وظهر تفرده منذ الصغر مع حفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره واجادته إلقاء الشعر والنثر والخطابة، وتدرج في مناصبه العلمية والرسمية، حتى بات من أشهر مفسرى القرآن الكريم في مصر والعالم العربي في برنامجه الأشهر”خواطر الشعرواي”.
التحق بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر عام ١٩٣٧م، وتخرج فيها عام ١٩٤٠، وحصل على العالمية مع إجازة التدريس عام ١٩٤٣م، وتنقل في دور التدريس الأزهري بمصر، حتى انتقل إلى العمل في السعودية مرتين، الأولى في الخمسينات أستاذاً للشريعة بجامعة أم القرى، ثم مدرساً بجامعة الملك عبد العزيز في الستينيات من القرن الماضي، كما عمل لمدة سبع سنوات في الجزائر.
وانشغل الشيخ الشعراوي في بواكير حياته بالحركة الوطنية، وانضم لقوافل مقاومة المحتلين الإنجليز سنة 1919م، وقاد من خلال معهد الزقازيق الأزهري انتفاضة شاركت العاصمة القاهرة الحراك الغاضب وقتها، ودفع الثمن مقابل ذلك من حريته حيث تعرض للاعتقال أكثر من مرة.
وشغل منصب مدير مكتب شيخ الأزهر في عهد الراحل الشيخ حسن مأمون، ووزيراً للأوقاف وشؤون الأزهر في نوفمبر ١٩٧٦م حتى أكتوبر عام ١٩٧٨، وهو ذات العام الذي شغل فيه عضوية مجمع اللغة العربية بمصر، حتى توفي في ١٧ يونيو ١٩٩٨م.
كما عين الشعراوي عضواً بمجمع البحوث الإسلامية 1980م، ونائباً عن الأمة بمجلس الشورى 1980م، وعرضت عليه مشيخة الأزهر وعدة مناصب في عدد من الدول الإسلامية لكنه رفض وقرر التفرغ للدعوة الإسلامية.
وينسب للشعراوي الفضل في أول قرار وزاري مصري بإنشاء أول بنك إسلامى فى مصر وهو بنك فيصل الإسلامي، فرغم أن القرار كان من اختصاصات وزير الاقتصاد أو المالية وقتها د. حامد السايح، لكن الأخير فوض الشعراوي لاتخاذ القرار، ووافقه مجلس الشعب على ذلك.
سجدة 1967
ومن أبرز المواقف المثيرة للجدل في تاريخ الشعراوي في البعد السياسي، حيث سجد عقب هزيمة الجيش المصري في ما يعرف بنكسة 1967م أمام العدو الصهيوني”إسرائيل”.
وقال الشيخ الشعراوي في حوار تلفزيوني سابق: “يوم نصر 6 أكتوبر كنت في السعودية وفي مكة المكرمة، وأنا في الجزائر حدثت “نكسة 67″.. لكن من العجيب أني استقبلتهما معاً استقبالاً واحدا.. هذا الاستقبال أنني انفعلت فسجدت حينما علمت بالنكسة، وحينما علمت بانتصارنا سجدت أيضاً، ولكنَّ هناك فارقاً بين دوافع السجدتين”.
وأوضح السبب في سجدته رغم الهزيمة قائلاً:” دوافع السجدة الأولى انتقدت ممن حضرها وأولهم ولدي.. كيف تسجد لله وهذا علامة الشكر من نكسة أصابتنا، فقلت: يا بني، لن يتسع ظنك إلى ما بيني وبين ربي، لأنني فرحت أننا لم ننتصر، ونحن في أحضان الشيوعية، لأننا لو ُنصرنا ونحن في أحضان الشيوعية لأُصبنا بفتنة في ديننا فربنا نزهنا”.
وكثيراً ما تعرض الشيخ الشعراوي للهجوم من المجموعات العلمانية بين الحين والآخر بينما وصفه شيخ الأزهر الشريف بأنه من أبرز المجددين في التفسير.
واعتبر شيخ الأزهر الشريف د. أحمد الطيب الشيخ الشعراوي في بيان سابق له بأنه “أبرز المجددين في تفسير كتاب الله، كان حين يفسر القرآن وكأنه يبعث الحياة في الحروف والكلمات فترتسم في عقل المستمع وقلبه صورة حية مبسطة لا يحتاج إلى مجهود كبير لفهمها واستيعابها، فكتب الله له المحبة والقبول في قلوب المؤمنين، ولا شك أن ذلك توفيق من الله خص به هذا العالم الرباني الذي كان متفانيا لخدمة دينه، محبا لوطنه”.
وكان جناح الأزهر الشريف، بمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى العام الماضي، اختار الشعراوي شخصية الجناح، تقديراً لدور العلامة الراحل فى خدمة الدين والدعوة.
وتزين جناح الأزهر الشريف بصور الشيخ الشعراوي، وحرصت هيئة كبار العلماء ومشيخة الأزهر الشريف على طبع عدد من عناوين الشيخ الشعراوى، وإقامة عدد من الندوات الثقافية عن الخاصة عنه، لرد الهجوم المتواصل عليه من العلمانيين.
ومن أبرز كتب الشيخ الشعراوي بجانب خواطره حول القران كتاب”معجزة القرآن”، و”الحياة والموت”، و”الطريق إلى الله” و”الفتاوى”، و”الحلال والحرام”.