السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكلتي هي أنني عنيدة، وقد نشأ ذاك العناد لديَّ ربما للأسباب التالية منذ الطفولة:
1- نتيجة المعاملة الأسرية التي لا تتسم بالاحترام والتقدير وبث الثقة في النفس.
2- المعاملة القاسية من زوجي أحياناً؛ من خلال ألفاظه الفظة، وعدم تقديره واحترامه لي؛ قد تدعم ذلك الشعور لدي.
3- عدم التكيف مع زوجي والشعور باختلاف الطباع.
4- رفض الوالدين بدون توضيح الأسباب.
5- اتهامي من قبل والدي بشيء لم أفعله، ومعاقبتي عليه.
حيث إنني أعاني كثيراً من غموض زوجي حين يطلب مني شيئاً من خلال رسالة، ويرفض التوضيح لي عندما لا أفهم المضمون.
أنا وزوجي فقط عقدنا القران، ولكن لم يتم الزفاف بعد، ونحن بعيدان جداً عن بعضنا؛ حيث إني أدرس في دولة، وهو يدرس في دولة أخرى، والتفاهم صعب جداً.
كيف أتخلص من عنادي هذا حفاظاً على حياتي الزوجية والاجتماعية؟
الإجابة:
المستشار: أ. د. محمد سماعي:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شكراً على تكرّمكم بطلب الاستشارة من موقعكم «مستشارك الخاص» وثقتكم بنا، آملين في تواصلكم الدائم مع الموقع، وبعد.
ابنتي الغالية..
لقد وصفت في كلامك المشكلة وأسبابها، وأشرت باقتضاب إلى علاجها؛ فأنت في الحقيقة تملكين الإرادة على حلّها بإذن الله؛ وذلك عاملٌ مهمٌّ جدّاً في مُعالجة أيّة مشكلة تعترض حياة الإنسان، ونحنُ من أجل إعانتك على التغلّب على العناد الذي ألفته بسبب النّشأة التي نشأتها؛ نُلفت نظرك إلى بعض المعاني التي قد يكون لاستقرارها في ذهنك تأثيرٌ ظاهرٌ على سلوكك شيئاً فشيئاً:
1- أن تتذكّري جيّداً بأنّ الله خلق الزّوجين الذّكر والأنثى ليكمّل كلٌّ منهما الآخر، والأصل في الرّجل الصّلابة من أجل مقاومة ظروف الحياة وتحمّل أعبائها، والأصل في المرأة الرّقة واللّطافة من أجل مساعدة زوجها والقيام بتربية أولادها؛ وقد جعل الله القوامة للرّجل على المرأة فقال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} (النساء: 34)؛ ومُقتضى القوامة أن تكون كلمتُه في بيته هي العليا عند حصول أيّ خلاف؛ لأنّ الشّراكة في الحياة لا تستقيم أبداً إلا بتنازل أحد الطّرفين عن رأيه من أجل المُحافظة على عشّ الزوجيّة.
2- أن تُقوّي في داخلك الشّعور بأنّ طاعة المرأة لزوجها في المعروف إنّما هي عبادةٌ تتقرّب بها إلى الله وتنال بها أعلى الدّرجات عنده، وليست مُجرّد استسلام لرغبات الرّجل ونزواته كما تعتقد بعضُ النّساء! وطاعة المرأة لزوجها واجبةٌ بلا خلاف، وفي الحديث الصّحيح أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عِظَم حقّه عليها، ولا تجد امرأةٌ حلاوة الإيمان حتّى تُؤدّي حقّ زوجها؛ ولو سألها نفسها وهي على ظهر قَتَبٍ”.
3- أن تعلمي بأنّه لا يجوز للمرأة لأيّ سبب أن تتطاول على زوجها، ولا أن تُؤذيه بلسانها وسوء أفعالها؛ ففي موطّأ الإمام مالك عن حُصين بن محصن أنّ عمّةً له أتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لها: «أذاتُ زوج أنت؟»، فقالت: نعم، فقال لها: «كيف أنت له؟»، فقالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه. قال: «فانظري أين أنت منه؛ فإنّما هو جنّتك أو نارك».
4- أن تُخاطبي عقلك الباطنيّ باستمرار بأنّ عنادك قد يكونُ سبباً في حرمانك من حياة زوجيّة هادئة، وتوازني بين مجاهدة النّفس على ترك المعاندة من أجل بناء أسرةٍ تنعُمين في ظلّها بالأمان والاستقرار والفرحة بالولد، وبين العُنوسة ومتاعبها وآثارها المدمّرة على نفسيّتك وأعصابك؛ فأنت إن بَقِيت على هذا العناد في التمسّك برأيك؛ قد لا تجدين مَن يتحمّلك من الرّجال الأسوياء! وماذا يُفيدك عنادُك إذا كان سيحرمك من نعمة الأسرة، وسكينة الزّواج والمتعة الحلال في ظلّ أسرة تهتمّ بك وترعاك؟!
ابنتي الفاضلة..
إنّ علاج أيّ مرض نفسيّ أو خلقيّ يحتاج إلى زمن وقد يطول في بعض الأحيان؛ فلا تقلقي بشأن ذلك، وإليك بعض الوسائل العمليّة التي قد تعينك على التخلّص ممّا تعانين منه بإذن الله:
أ- ابتعدي عن كلّ سبب يُثير غضبك، ويجعلك تتعصّبين لرأيك قدر الإمكان، في الصّحيح عن أبي هريرة أنّ رجلاً قال للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أوصني. قال: «لا تغضب»، فردّد ذلك مراراً قال: «لا تغضب»، والنّهي عن الغضب إنما هو في الحقيقة نهيٌ عن مباشرة أسبابه التي تؤدّي إليه، وأمرٌ بالابتعاد عن كلّ ما يُثير في النّفس دواعي الانفعال النفسيّ الحادّ، وحثٌّ في المقابل على السّعي في مجاهدة النّفس وتربيتها على الحلم والصّبر على أذى الغير.
ب- التزمي أذكار الصّباح والمساء، وأكثري من التعوّذ بالله من الشّيطان الرّجيم؛ لأنّ العناد في غير مقامه من وسوسة الشّيطان وتحريضه من أجل إيقاع العبد فيما يُفسد عليه حياته، ويُشوّش عليه ذهنه وأفكاره، وقد قال ربّنا في كتابه يُعلّمنا: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (الأعراف: 201)؛ وقال أيضاً: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأعراف: 200)، فاجعلي لسانك دائم الذّكر والاستغفار، وعوّديه الاشتغال بذلك باستمرار؛ فإذا اعتاده صعُب عليه النّطق بما لا يُرضي من الكلام.
جـ- تخيّري رياضة تناسبك، ومارسيها بانتظام؛ فإنّ في الرّياضة صرفاً للطّاقة السّلبيّة المضرّة، وتنشيطاً للذّهن من ركوده المسبب للاكتئاب، وتحفيزاً للجسد على إنتاج هرمونات السعادة كما يقول أهل الاختصاص، وقد أثبتت بعض الدّراسات أنّ التّمارين الرّياضيّة المنتظمة تُعتبر إحدى أهمّ الوسائل الإيجابيّة والمُساعدة على التّفريغ النفسيّ بشكل كبير؛ فاحرِصي على ممارسة الرّياضة بانتظام؛ وسترين أثر ذلك في حياتك ومعاملاتك، وهناك تمارين تُعرف بتمارين «الاسترخاء النفسيّ»؛ وهي نافعةٌ جدّاً في تهذيب المشاعر النّفسيّة وتقويمها؛ فحاولي التعرّف على بعض طرائقها، وألزمي بها نفسك قدر الإمكان.
د- قللّي من الكلام مع زوجك خلال هذه الفترة؛ حتّى لا تزيدي الطّين بلّة، وإذا كلّمته فتمالكي أعصابك، وأعطه فرصةً لإكمال وجهة نظره مهما كانت، ولا تُقاطعيه، ولا تُسارعي إلى تخطئته؛ وإذا وقعت في شيء من ذلك؛ فبادري إلى طلب السّماح منه؛ فذلك يعلّمك التّواضع، ويكسر من كبرياء نفسك، ويزيدك عزّاً وأجراً عند ربّك، وهو القائل في كتابه: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} (الشورى: 40)، وفي الصّحيح عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزّاً، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله».
هـ- اتّخذي لك خليلةً صالحةً تَثِقين بعقلها ودينها تستريحين في الكلام معها، وتبثّين لها بما تجدينه، وتُفرّغين معها ما يتلجلج في صدرك من مشاعر وأحاسيس سيّئة تجاه زوجك، وكوني على اتّصال دائم بها؛ بحيثُ تُراجعينها كلّما بدأت تشعرين بتغيّر حالتك النفسيّة وهيجان مشاعرك السّلبيّة؛ فإنّ ذلك سيُخفّف عنك من الضّغط الذي يعتريك، ويجعلك تتعاملين مع أسبابه بعقلانيّة واتّزان أكثر، وقد قرّرت بعضُ الدّراسات النّفسيّة المتخصّصة أنّ “عدم التّعبير عمّا في النّفس يُؤدّي إلى الاحتقانات الدّاخليّة، ويؤول إلى حدوث الانفجارات النفسيّة السلوكيّة، ولا أفضل من أن يُعبّر الإنسانُ عمّا بداخله أوّلاً بأوّل، ويتجنّب الاحتقان”.
ابنتي الفاضلة..
لا شكّ أنّ لغربتك عن وطنك، وبعد الشقّة بينك وبين زوجك تأثيراً واضحاً في سلوكك، ونحن على قناعة بأنّ حالتك النفسيّة ستختلف كثيراً لو كنت قربه، وتواصلت معه بالرّوح قبل الجسد، وبالنّظرة قبل الكلمة؛ فليس من سمع كمن رأى، ولا من أُخْبِر كمن خَبَر؛ فادعي الله سبحانه بأن يُعجّل باجتماعكما، ويُقرّ أعينكما ببعضكما، ويُديم ماء المودّة والوصال بينكما، وهو القائل في كتابه الكريم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: 186).
كان الله معك، وأصلح ما بينك وبين زوجك.