رحلة سنوية للمسحراتي “علي” تبدأ قبل شهر رمضان وتنتهي مع اعلان رؤية هلال عيد الفطر المبارك، ينطلق فيها ابن محافظة الإسماعيلية شرق العاصمة بحثا عن توسعة رزقه وفق ما قال لـ”المجتمع” إلى القاهرة ومعه طبلته الشهيرة وتراث يتناقل جيلا وراء جيل في ايقاظ العائلات خاصة الأطفال للسحور
نداء أثير
اصحى يا نايم احد الدايم .. قول نويت بكرة إن حييت.. الشهر صايم والفجر قايم .. ورمضان كريم.. يا عباد الله وحدوا الله” .. هذا هو النداء الأثير للمسحراتي المصري بلغته العامية المفهومة، يضيف عليه الشاب الثلاثيني علي أسماء الأطفال والعائلات عند النداء، مقابل أجر غير محدد يدفعه له من اتفق معه من” الأهالي آخر أيام الشهر الكريم، أو صبيحة عيد الفطر بجانب الهدايا والصداقات التي يجود بها المارة أثناء تجوله رفقة نداءه وطلبته.
وتشتهر كل منطقة أو شارع في مصر بوجود مسحراتي يعرف أهل منطقته جيدا ويتجول للنداء عليهم كل باسمه قبل أذان الفجر بوقت كاف من أجل الاستيقاظ، وشهدت السنوات الأخيرة انتقال عدد ممن يقومون بإيقاظ المصريين للسحور من محافظات نائية إلى العاصمة بحثا عن جمع أكبر قدر من النقود باعتبار أنها مهنة رائجة في هذا الشهر وأن أهلها يدفعون أكثر .
يحمل علي طبلته على ذراعه الأيسر، ويطرق بعصاه القصيرة بإيقاع تراثي شهير بمصر، مقتبسا عبارات من المسحراتي الأشهر بمصر الفنان الراحل سيد مكاوي من أشعار الشاعر الراحل فؤاد حداد، والتي باتت من أشهر وأجمل الأعمال الرمضانية المحفورة في الأذهان عبر الأجيال بمصر.
يعترض طريقه أثناء الحديث، سيارة تحمل أسرة بها طفلين، قدم رب الأسرة فيها ” 10 جنيهات ” لـ “علي”، وطلب منه ترديد نداء باسمي طفليه محمد وأحمد، ليطلق علي صوته مناديا: “اصحى يا محمد اصحى يا أحمد .. وحد الدايم.. رمضان كريم “.
ذكر رب الأسرة أن طفليه منذ أول رمضان يبحثا عن المسحراتي الخاصة بمنطقتهم السكنية، فور سماع صوته، لكنهم لم يوفقوا في مقابلته أو الاتفاق معه حتى قبل رمضان، مشيرا إلى أنهم فور خروجهم من السحور بأحد النوادي الرياضية الشهيرة سمعوا صوته ينادي لإيقاظ النائمين فبحثوا عنه من أجل ادخال السرور على أنفسهم وتسجيل هذه اللحظة في ذاكرة طفليه.
فكرة مصرية
وتعتبر مصر أول من أطلق فكرة المسحراتي وذلك في العصر العباسي، حيث يُعد والي مصر إسحق بن عقبة أول من طاف شوارع القاهرة ليلا في رمضان لإيقاظ أهلها إلى تناول طعام السحور العام 238 هجرية، حيث كان يطوف من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاص فى الفسطاط مناديا “عباد الله تسحروا فإن فى السحور بركة”.
وفي عهد الدولة الفاطمية أمر الحاكم بأمر الله الناس بالنوم بعد صلاة التراويح وأمر جنوده بأن يمروا على البيوت ويدقوا الأبواب لإيقاظ النائمين إيذاناً بموعد السحور وبمرور الوقت تم تعيين رجل لقيام بمهمة المسحراتى وكانت مهمته الدق على الأبواب لإيقاظ النائمين والنداء “يا أهل الله قوموا تسحروا”.
ورغم مرور قرون والتطور التكنولوجي لازال المسحراتي في مصر أشهر طقوس الشهر الكريم وحافظ على مكانته جيلا بعد جيل.
وتعتبر مصر تاريخيا هي أصل أبرز العادات الرمضانية المعروفة حاليا، وبخلاف “المسحراتي”، فإن “فانوس رمضان” والحلوى الرمضانية مثل الكنافة والقطايف يعتبر المصريون أول من عرفهم، حيث يعود تاريخهم ظهورهم إلى العهد الفاطمي بمصر، ولكن يظل المسحراتي متصدرا للعادات المصرية في شهر رمضان الكريم.