سادت حالة من الغضب بين الوسط الصحفي المصري عقب إصدار أحكام قاسية على صحفيين تصل لأربعة سنوات سجنا؛ وهو ما صاحبه ردود أفعال متعددة، من بينها تقديم عريضة لنقيب الصحفيين ومجلس النقابة موقع عليها من مئات الصحفيين، تطالب بإلغاء الأحكام، وكذلك بيان استنكار من المرصد العربي لحرية الإعلام، وبيانات من منظمات حقوقية عديدة.
بدورهم عبر عدد من الصحفيين عن استغرابهم لهذه الأحكام في حديثهم لـ”المجتمع”، معتبرين ذلك مخالفا للدستور الذي لا يجيز حبس الصحفيين في قضايا النشر، ومطالبين النقابة والنقيب بالتحرك، كما اتهموا لجنة الحريات بالتقاعس عن أداء دورها، ووصفوا ما جرى بأنه هجمة على حرية الصحافة.
وكانت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ أصدرت مؤخرا حكما بسجن كل من الصحفي هشام فؤاد وحسام مؤنس ٤ سنوات، وهي أحكام نهائية ولا تقبل النقض، ولا تسقط إلا بعد التماس للحاكم العسكري والموافقة عليه، وجاءت هذه الأحكام في قضايا نشر على وسائل التواصل الاجتماعي.
وعقب صدور الحكم وقع مئات الصحفيين على عريضة لتقديمها لنقيب الصحفيين، تطالبه بالتدخل لإسقاط هذه الأحكام، ووقع على هذه العريضة نقيبان سابقان و١٢عضو مجلس نقابة (سابق وحالي)، وطالبت العريضة مطالب، من بينها:
–مخاطبة رئيس الجمهورية باعتباره الحاكم العسكري، بعدم التصديق على الحكم الصادر بحق الزميليين حسام مؤنس وهشام فؤاد، ووقف المحاكمات الاستثنائية بشكل عام.
– مخاطبة مجلس النواب لإصدار قانون منع الحبس في قضايا النشر، وهو القانون الذي تم إعداده من قبل لجنة الخمسين لإعداد التشريعات الصحفية، وتنقية القوانين القائمة من مواد الحبس بما يتوافق مع الدستور.
– التدخل النقابي والقانوني للإفراج عن الصحفيين المحبوسين، وتحسين أوضاعهم، ووقف الانتهاكات بحقهم، وإعادة النص الخاص بمنع حبس الصحفيين احتياطيا.
– الدعوة لاجتماع عام لمناقشة قضايا الحريات الصحفية، وإصدار تقرير حول أوضاع الصحفيين المحبوسين وعددهم ورصد الانتهاكات بحق الصحفيين.
بدوره هاجم رئيس لجنة الأداء النقابي نقيب الصحفيين ومجلس النقابة لتقاعسهما عن الدفاع عن هؤلاء الصحفيين وغيرهم
كما أصدرت ثماني منظمات حقوقية مصرية بيانا استنكرت فيه “الحكم الاستثنائي” غير القابل للطعن، ووصفته بأنه “يمثّل استمراراً للسياسات المعادية لحقوق الإنسان”، مطالبة السيسي بعدم التصديق عليه، والإفراج فوراً عن المتهمين، وإسقاط كافة التهم الموجهة إليهم.
كما أصدر المرصد العربي لحرية الإعلام بيانا، عبر فيه عن أسفه لصدور الحكم، قال فيه إن “هذا الحكم يمثل رسالة تخويف جديد للصحافة في مصر، يضاف إلى سلسلة من الأحكام القضائية السابقة بحبس عدد كبير من الصحفيين بتهم ترتبط بالنشر”.
من جهته، قال المسؤول عن شمال أفريقيا والشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، فيليب لوثر: “لم يكن من المفترض أن يتم في الأصل توقيف هؤلاء السياسيين والناشطين، ورغم ذلك صدرت في حقهم أحكام بالسجن لانتقادهم بشكل مشروع السلطات المصرية”.
مخالفة للدستور وتهدد آخرين
وفي سياق تعليقه على الحكم، قال الأمين العام المساعد السابق للمجلس الأعلى للصحافة قطب العربي إن “هذا الحكم إشارة واضحة على تضارب السلوك العملي للنظام الحاكم عما أعلنه نظريا من نوايا لتحسين حالة حقوق الإنسان ضمن الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أعلنها مؤخرا”، لافتا إلى أن “هذه تهم لا تخضع للحبس وفقا للمادة 71 من الدستور المصري، ومع ذلك فإن هذا الحكم يعد نهائيا كونه صادرا عن محكمة أمن دولة لا تخضع أحكامها للاستئناف أو النقض.
وأضاف لـ”المجتمع”: “بمناسبة صدور هذا الحكم الجديد فمن الواجب التذكير بأكثر من 65 صحفيا وإعلاميا يقبعون خلف القضبان بعضهم بأحكام قضائية نهائية، وبعضهم بقرارات حبس احتياطي، وبعضهم تم تدويره على قضايا جديدة بعد انتهاء فترات حبسهم الاحتياطي، كما أن الكثيرين منهم يعانون أمراضا خطيرة تستلزم علاجهم في مستشفيات متخصصة، لكن إدارة السجون ترفض نقلهم للعلاج في تلك المستشفيات على نفقاتهم الشخصية”.
وطالب في ختام حديثه بضرورة إزالة القيود عن حرية الصحافة والصحفيين، معتبرا أن هذه هي الرسالة العملية الصحيحة لتأكيد حسن النوايا نحو تحسين ملف حقوق الإنسان في مصر، وتجنب المزيد من الضغوط الدولية في المحافل العالمية الكبرى وعلى رأسها الأمم المتحدة.
أحكام جائرة ومسيسة
بدوره قال الكاتب الصحفي خالد الشريف إن ممارسة مهنة الصحافة أصبحت جريمة لا تغتفر في ظل النظام المصري الحالي، ولعل هذا الحكم يؤكد أنها أحكام مسيسة وجائرة، مبديا تقديره للصحفيين الذين تقدموا بعريضة لنقابة الصحفيين رافضة هذه الأحكام ومطالبة بحرية باقي الصحفيين، وأنه لا بد من استخدام كل وسيلة حتى وإن كانت بسيطة؛ لأن النضال عمل تراكمي ينتهي بانتصار الحق.
وأضاف الشريف لـ”المجتمع” أن “مصر تعيش حالة من القمع والدكتاتورية غير مسبوقة على الإطلاق يصاحبها انهيار تام لمنظومة العدالة، وغياب كامل لسيادة القانون؛ ولذلك يحكم على الأحرار والشرفاء بغير تهم أو جريرة اقترفوها سوى معارضة النظام، وهذا الحكم يأتي في هذا السياق؛ وهو ما يؤكد دكتاتورية النظام.
لجنة مجمدة وتقاعس نقابي
قطب العربي: هذا الحكم إشارة واضحة على تضارب السلوك العملي للنظام الحاكم عما أعلنه نظريا من نوايا لتحسين حالة حقوق الإنسان
بدوره هاجم علي القماش -رئيس لجنة الأداء النقابي (كيان صحفي)- نقيب الصحفيين ومجلس النقابة لتقاعسهما عن الدفاع عن هؤلاء الصحفيين وغيرهم، مستنكرا عدم إصدار بيان عن النقابة يدين هذه الأحكام ويطالب بإلغائها والإفراج عن باقي الصحفيين المحبوسين في قضايا نشر.
وانتقد القماش في حديثه لـ”المجتمع” لجنة الحريات بنقابة الصحفيين وتقاعسها عن أداء دورها المنوط بها، وهو الدفاع عن الصحفيين الذين يتعرضون لمثل هذه المواقف، لافتا إلى أنها تحولت إلى مجرد لجنة شكلية ترأسها زميلة محسوبة على النظام الحاكم، وباتت اللجنة شبه مجمدة، وهو عكس ما كانت عليه في عهد رئيسها السابق محمد عبد القدوس وآخرين دافعوا عن حرية الصحافة والصحفيين.