محمد المنشاوي (الجزيرة.نت)
تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بتشكيل وزاري لإدارته يشبه أمريكا في تنوعها العرقي والإثني، وبالفعل عين بايدن الجنرال لويد أوستن ليكون أول وزير دفاع من الأمريكيين الأفارقة السود، وعين كاترينا تاي لتكون أول وزيرة من أصول آسيوية في منصب الممثل التجاري للولايات المتحدة.
واختار بايدن كذلك عدة وزراء من أصحاب الخلفيات اللاتينية من أبناء مهاجري دول أمريكا الوسطى والجنوبية، مثل أليخاندرو مايروكس، وزير الأمن الداخلي، إضافة لوزيري التعليم والإسكان، كما تم تعيين ديب هالاند وزيرة للداخلية لتصبح أول من يصل إلى هذا المنصب من أبناء سكان البلاد الأصليين.
وقبل ذلك اختار بايدن كامالا هاريس لتكون أول سيدة تصل لمنصب نائب الرئيس في التاريخ الأمريكي، وهي سوداء وابنة مهاجرين من الهند وجامايكا.
ورغم جهد بايدن، لا يشعر الأمريكيون أن بلادهم تخطت حواجز العنصرية أو تغلبت على إرث مرحلة العبودية، خاصة بعدما شهد الصيف الماضي توترات وأعمال عنف على خلفية مقتل الرجل الأسود جورج فلويد على يد رجال شرطة بيض، وما تشهده الولايات المتحدة حالياً من ارتفاع نسب الهجمات العنصرية على الأمريكيين من الأصول الآسيوية على خلفية تداعيات تفشي فيروس كورونا.
شكا نحو 45% من الأمريكيين الأفارقة إلى تعرضهم لسلوك عنصري عند محاولة استئجار شقة أو شراء منزل
نجاحات.. ولكن
رغم نجاح الأمريكيين السود في القضاء على العبودية والفصل العنصري فإن مجتمعهم ما زال يعاني حتى اليوم من مظاهر متخلفة ومشكلات عديدة بالمعايير الأمريكية، وبعد أكثر من نصف قرن على الخطاب التاريخي “عندي حلم” لزعيم حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج ما زالت الظروف المعيشية الصعبة للسود في أميركا قائمة.
لم يعد يُحرم السود من دخول المطاعم ودور السينما المخصصة للبيض، وبرز منهم رؤساء مجلس إدارة شركات كبرى وأساتذة جامعيون، وصحفيون لامعون، ووزيران للخارجية ومستشارة للأمن القومي ورئيس للجمهورية.
من هنا اعتقد بعض المهتمين بالشأن الأمريكي -خطأ- أن وصول أوباما لعرش البيت الأبيض -قبل 12 عاماً عن طريق انتخابات حرة صوّت فيها لصالحه ما يقرب من 42 مليون أمريكي أبيض أو ما يعادل 72% من إجمالي الأصوات التي حصل عليها- يُعدّ دليلاً كافياً على ما وصل إليه المجتمع الأمريكي من نضج يتجاهل معه لون البشرة وخلفية الشخص، واعتبر البعض أن أمريكا تشهد مرحلة ما بعد العنصرية.
إلا أن تكرار حوادث المواجهات بين رجال شرطة بيض -في الأغلب الأعم- وشباب سود، وما ينتج عنها من أعمال عنف ومواجهات مختلفة، تذكرنا بأن الطريق ما زال طويلاً، بسبب غياب أبسط قواعد “العدالة الاجتماعية” المتمثلة في كيفية توزيع الدخل وتخصيص الموارد وإتاحة الفرص وسياسة منصفة للعقاب والثواب، وقد عكس تفشي فيروس كورونا -وما تبعه من تداعيات اقتصادية واجتماعية- حقيقية هذه الأوضاع.
نتائج صادمة من جامعة هارفارد
عبّر 41% من النساء عن تعرضهن للتمييز في مجال المساواة في الأجور وفرص الترقية
وأجرت جامعة “هارفارد” (Harvard) دراسة على 3453 شخصًا، بمن فيهم أمريكيون أفارقة ولاتينيون وأمريكيون آسيويون وأمريكيون أصليون وأمريكيون بيض، وسُئل المستطلَعون هل عرفوا شخصياً أشكالاً مختلفة من التمييز والعنصرية المؤسسية أو الفردية على حد سواء؟
وأشار ما يقرب من 45% من الأمريكيين الأفارقة إلى تعرضهم لسلوك عنصري عند محاولة استئجار شقة أو شراء منزل، وذكر 18% من الأمريكيين الآسيويين تعرضهم للتمييز عند التفاعل مع الشرطة، وبلغت النسبة ما يقرب من 20% بين الأمريكيين اللاتينيين ممن أشاروا إلى تعرضهم لعنصرية ومعاملة سيئة في أماكن العمل، في حين عبّر 41% من النساء عن تعرضهن للتمييز في مجال المساواة في الأجور وفرص الترقية.
وفي إشارة واضحة إلى الخلل في تطبيق القانون، تبلغ نسبة السكان السود 13% من إجمالي عدد السكان الأمريكيين، في حين يمثلون ما يقرب من 40% من إجمالي السجناء في البلاد.
مكانة أمريكا
وخلال اجتماع أممي -شهدته لجنة “الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية” بالأمم المتحدة الأسبوع الماضي- اتهمت السفيرة الأمريكية بالأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد الصين بارتكاب جرائم ضد مسلمي الإيغور والأقليات الأخرى، فما كان من الصين إلا الرد باتهام الولايات المتحدة بالتمييز والكراهية، وأشار سفيرها بالمنظمة إلى “القتل الوحشي ضد الأمريكيين من أصول سوداء أو أصول آسيوية”.
ومنذ إطلاق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب عبارة “الفيروس الصيني” على فيروس كوفيد-19، زادت جرائم الكراهية وانتشرت العنصرية ضد الأمريكيين من أصول آسيوية، وأشارت بيانات حكومية إلى تزايد جرائم الكراهية تجاه أصول آسيوية خلال عام 2020، ووصلت إلى أكثر من 3800 حادث ضدهم، وهو ما يمثل 3 أضعاف العدد في عام 2019.
وقال بايدن، في كلمة ألقاها في جامعة “إيموري” (Emory) بولاية جورجيا: إن “الصمت تواطؤ، لا يمكننا أن نكون متواطئين، وعلينا أن نتحدث علانية، علينا أن نتحرك ضد عودة ظهور كراهية الأجانب”.
اتفق الأمريكيون في مجملهم على أن العنصرية تُعد مشكلة حقيقية لكنهم اختلفوا في حجمها
وجاءت كلمات بايدن خلال زيارته ولقائه قادة الجالية الآسيوية عقب حادث إطلاق النار من رجل أبيض وقتل 8 أشخاص منهم 7 آسيويين، في هجوم على مراكز تدليك في مدينة أتلاتنا، وقد زرع الهجوم الرعب في صفوف الأمريكيين من أصول آسيوية في الولايات المتحدة.
مطالب متجددة بالمساواة
وأظهر استطلاع للرأي -أجرته شبكة “سي إن إن” (CNN) على 1106 أشخاص في سبتمبر الماضي- أن أغلبية الأمريكيين يعتبرون العنصرية إحدى أهم مشكلات المجتمع، واتفق الأمريكيون في مجملهم على أن العنصرية تُعد مشكلة حقيقية، لكن اختلف الأمريكيون في حجم هذه المشكلة طبقاً لخلفياتهم العرقية.
وذكر 51% من الأمريكيين البيض أن العنصرية قضية كبيرة، في حين ارتفعت النسبة لتصل إلى 78% بين السود الأفارقة والآسيويين الأمريكيين.
ومع موافقة أغلب الأمريكيين على ضرورة مواجهة العنصرية، لا تتوقف الحوادث ذات الطبيعة العنصرية، والتي تؤججها الكراهية بين بعض فئات المجتمع الأمريكي، عن الظهور بصورة متكررة.
من هذا المنطلق يطالب قادة الأقليات السوداء واللاتينية والآسيويين بتدريب رجال الشرطة على ضرورة احترام حقوق الأقليات، وعدم الاكتراث بلون البشرة، وهذا الطلب ليس جديداً، لكن لم يستثمر فيه بجدية من قبل.