وعدناكم أن نتحدث في هذه السطور حول فرعون، وكيف أن أهل التأطير الإعلامي يتركون الأصل ويتمسكون بالاستثناء أو الطارئ، حسب المواقف، ويجعلون منه الأصل لشيء في نفس يعقوب، كما نقول.
يصنع أهل التأطير الإعلامي فراعنة جدداً من سيرة فرعون مع موسى، فرعون أكبر طاغية مر في التاريخ، وحواراته مع نبي الله موسى علناً ومجاهرة وفي وسائل الإعلام، وذلك حسب زمنهم ووسائلهم الإعلامية والإعلانية حينها، حيث جمع الناس، وجموع الناس وجمهرتهم حاضرة وتسمع الحوارات والتحدي، إلا أن أهل التأطير الإعلامي من أجل صناعة قدسية لفرعون ليكون عذراً لفراعنتهم الجديدة، تركوا كل هذه المواجهات والحوارات الاستعراضية أمام الجماهير توجيهاً لفرعون، وتوبيخاً له ولما يدعو له من كفر وألوهية، تركوا ذلك وتمسكوا فقط في قوله تعالى: (فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً) (طه: 44)، علماً أن الله تعالى عرض الحوارات العلنية في كتابه التي فيها أحياناً كثيرة رد حازم وحاسم من الداعية نبي الله موسى، ويتناسون من أجل صناعة الفراعنة الجدد قول الله تعالى: (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُوراً) (الإسراء: 102)، الكلام واضح ظاهراً وضمناً لكل من يفهم أبسط أمور اللغة أنه: أنت يا فرعون الطاغية كاذب، وأنت تعلم الحقيقة وخصوصاً بعد الآيات والمعجزات التسع، وأنت ملعون وهالك وممقوت، ولك الويل والذم واللعنة.
أما أهل التأطير يحثون على النصح والدعوة إلى الله تعالى ولكن في حدود معينة؛ أي: “قهوة أم شاي؟”، تأطير الدعوة كتأطير الضيف بالخيار الذي لا يدل إلا على سلب الحرية بعرض الحرية الكاذبة، وبالفعل ما أن تنصح مسؤولاً حتى ترى أهل التأطير الدعوي يتقافزون كالجنادب بوضع الأسس والسبل والوسائل من أجل صناعة فرعون جديد؛ ويستشهدون فقط بقوله: (فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً) ويتناسون من أجل خاطر عين فرعون القديم والجديد كل العروض في القرآن، والمواجهات بين فرعون ونبي الله موسى علناً، ويتناسون أيضاً قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سيد الشهداء حمزة، ورجل قال كلمة حق عند سلطان جائر فقتله”، وهذا الحديث النبوي يجسد موقف سحرة فرعون وثباتهم بعد أن استوعبوا الحقيقة وأدركوها.
سنوات عمل ليست بالقليلة أصلت التأطير الدعوي الإعلامي على تقديس ولي الأمر وجريمة النصح له، حتى وصلنا إلى مرحلة غريبة، حيث يتجرأ أحد السفهاء ويتكلم باسم الدعوة إلى الله قائلاً: “لو ولي الأمر مارس الشذوذ والزنى على الهواء بثاً مباشراً لا تواجهه بالنصح والنهي عن المنكر”! وهذا الأمر أصبح هو الأصل عند البعض، ومخالفته بدعة في أقل الأحوال إذا لم تكن من الخوارج الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هنيئاً لمن قاتلهم وقتلوه”، أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه.
ليتنا سمعنا منهم كلاماً حول تقدير الموقف مثلاً، أو تقديم المصلحة حين النصح، ولكن لا نسمع منهم مع الأسف إلا قولهم المؤطر والموجَّه للبرمجة تاطيراً: “من ينصح المسؤول إما سراً أو أنت مبتدع”.
طيب، نصحنا المسؤول سراً ولم ينفع معه النصح، ولم ينفع معه الصمت، ألا يعني هذا الصمت معملاً لصناعة غليان ضمني وخفي داخل المجتمع، ومن ثم انفجاره مستقبلاً ونشر الفتن التي لا قبل للمجتمع لها وفيها؟ أم هذا مقبول حينها وعندكم؟ ويجب قتل المجتمعات حينها مقابل رضا الفراعنة الجدد؟! ويكون فرعون الجديد حينها المتغلب! هو ولي الأمر ولا يجوز الخروج عليه ومقاومته؟
وأيضاً، ومن جديد، النصح له بدعة وهلم جرا لتأصيل أن الحكم عندنا ألا يكون إلا بالانقلابات، وأنظمة تقوم على المجازر فقط والقتل والسحل، لا بحرية الاختيار كما فعل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، نسأل الله السلامة والعفو والعافية.