– الأزهر يحاول احتكار الفتوى.. و”الإفتاء” ترى أنه حق أصيل لها
أكد عدد من علماء الدين لـ”المجتمع” أن ما يجري بين الأزهر ودار الإفتاء المصرية من خلاف حول أحقية الفتوى يعكس صراعاً على المصالح والمناصب، ومحاولة كل مؤسسة احتكار الأمر لنفسها أو حجبه عن الأخرى؛ بما يعني أن الأمور بين المؤسسات الدينية في مصر ليست على ما يرام، وأن هناك صراعاً خفياً يظهر إلى العلن في بعض الأمور، ومنها هذا الأمر.
وكانت الأيام الماضية قد شهدت خلافات بين الأزهر ودار الإفتاء وصلت إلى وسائل الإعلام المختلفة، حيث حدث ما يمكن أن نسميه في هذا السياق بحرب الفيديوهات بين الطرفين بشأن من له حق الفتوى، حيث تم تبادل نشر الفيديوهات لكل طرف يؤكد فيها حقه في الفتوى؛ مما فتح باباً من الصراع والخلاف بين المؤسستين حول حق الفتوى.
ففي هذا السياق، يقول الشيخ نصر فريد، المفتي الأسبق، في تصريحات لـ”المجتمع”: إن الأصل في الفتوى والجهة المنوطة بهذا الأمر هي هيئة كبار العلماء التابعة للأزهر، وأن المفتي ومن يلتحق بدار الإفتاء كلهم يكونون منتمين لهيئة كبار العلماء؛ وبالتالي يكون الأزهر هو الأصل هنا، وإذا كان هناك أي خلافات حول فتوى ما يكون الرأي الحاسم والمرجح هو هيئة كبار العلماء، ودار الإفتاء تعلم هذا جيداً؛ وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك أي تجاوز للهيئة.
ويضيف المفتي الأسبق أن دار الإفتاء الأصل فيها أنها منوطة بما يعرض عليها من أحكام القضاء، بحيث يتم دراسة هذه الأحكام ومعرفة مدى تطابقها من عدمه مع أحكام التشريع، وتأتي على رأس هذه الأحكام حكم الإعدام، وكذلك المتعلقة بالأحوال الشخصية من زواج وطلاق وخلافه، وهذا هو الأصل في مهام دار الإفتاء، كما هو منصوص عليه في قانون تأسيسها؛ وعليه أعتقد أنه لا يوجد خلاف بين الأزهر والإفتاء؛ لأن كل مؤسسة تعلم مهامها جيداً.
أما الشيخ عبدالفتاح عساكر، من علماء الأزهر، فيقول في تصريحات لـ”المجتمع”: إن ما يحدث من خلافات بين المؤسسات الدينية بشكل عام هو في الأصل صراع مصالح ومناصب بالمقام الأول، وكل مؤسسة تحاول أن تستحوذ على القضايا الدينية بما فيها حق الفتوى؛ وهو ما يسبب الصراع والخلاف بين الأزهر ودار الإفتاء أو جهة أخرى، والأصل أن الإسلام جاء ليقضي على مثل هذه الصراعات، ولكن يتم توظيف الدين ومؤسساته في صراعات وتنافس على الدنيا وليس على الدين.
مقومات الفتوى
ويضيف عساكر: الأصل أنه لا يوجد احتكار للفتوى في الإسلام سواء لشخص أو مؤسسة، ولكن الفيصل هو أن تتوافر مقومات الفتوى من علم وتقوى وورع ومراعاة لله وحقه، وأن الذي يفتي هو يوقع نيابة عن الله، وهذا ما يجب أن يتوافر فيمن يتصدى للفتوى سواء الفرد أو المؤسسة.
وتابع: ولكن محاولة الاحتكار لأمر في الإسلام هذا مرفوض تماماً، خاصة إذا تم رد الأمور إلى أصولها، فقبل ظهور هذه المؤسسات من كان يفتي للناس؟ بالتأكيد كان هناك علماء عظام لم يكونوا رؤساء لمؤسسات، ولكن كان سلاحهم ورصيدهم في هذا الأمر هو علمهم، وهو ما أقره الإسلام وقواعده في هذا الأمر.
صراع قديم
أما الشيخ مصطفى إبراهيم، المتحدث الإعلامي السابق باسم جبهة علماء الأزهر، فيرى أن الصراع بين الأزهر ودار الإفتاء قديم منذ نشأة دار الإفتاء في عهد الاحتلال الإنجليزي، وكان الهدف الرئيس من إنشاء دار الإفتاء المصرية هو الانتقاص من صلاحيات الأزهر، وإنشاء هيئة للإفتاء غير تابعة لشيخ الأزهر ولا للمؤسسة الأزهرية.
ويضيف إبراهيم في تصريحات لـ”المجتمع”: منصب المفتي كان يساوي في القضاء الشرعي منصب المحامي العام؛ لأن القضاء في مصر ظل شرعياً حتى الأربعينيات من القرن الماضي، وكان من نظامه أن يقوم بتجهيز القضية نائب رئيس محكمة ودرجته تسمى “المفتي”، مبيناً أنه إذا كانت الخصومة ظاهرة من النصوص فإنه يفتي فيها ويحفظها، أما إذا كانت فوق ظاهر النصوص وتحتاج إلى إعمال عقل أحالها إلى المحكمة.
وتابع: كان لكل محكمة ابتدائية مفتٍ، ويكون مفتي محكمة الاستئناف هو مفتي المحافظة، فقد كان في كل محافظة محكمة استئناف، وكان نائب رئيس المحكمة الشرعية العليا هو مفتي الديار، ولا عمل له إلا الإفتاء في الأحكام القضائية فقط مع توليه أمر الإشهاد الشرعي وهو مثل التسجيل في الشهر العقاري الآن.
ويشير المتحدث السابق باسم جبهة علماء الأزهر إلى التنسيق الذي يتم بين المؤسستين في القضايا والمسائل الشرعية، وكانا أحياناً يختلفان، ولكن في الأمور التي يمكن الخلاف حولها، وبدأ الخلاف يظهر بشدة في عهد الراحل د. سيد طنطاوي عندما كان مفتياً وأفتى بحِلّ فوائد البنوك الربوية، مختلفاً في ذلك مع فتوى شيخ الأزهر الراحل الشيخ جاد الحق على جاد الحق، وفي ذلك الوقت قال طنطاوي: إن الفتوى من مهام وزارة الإفتاء فقط، وبعدها بسنوات تولى طنطاوي مشيخة الأزهر بعد وفاة الشيخ جاد الحق رحمه الله، ووقتها قال طنطاوي: إن الأزهر هو المسؤول عن كل ما يخص الشؤون الدينية في مصر بما فيها الفتاوى، على النقيض مما كان يقوله أثناء توليه منصب الإفتاء، وتكرر الأمر مع شيخ الأزهر الحالي الذي كان يتولى منصب الإفتاء في عهد طنطاوي، وكان المفتي هو د. أحمد الطيب الذي قال: إن الفتوى من مهام الإفتاء، وبعد سنوات أيضاً توفي طنطاوي وتولى الطيب مشيخة الأزهر فقال بنقيض ما كان يقوله في الماضي، وهو أن الأزهر هو جهة الاختصاص بالفتوى وبكل الشؤون الدينية.
ويرى إبراهيم أن الأفضل أن تكون القيادة الشرعية للمؤسسة الدينية هي لشيخ الأزهر، وقال: ولو انفرد وحده بقيادتها وعادت إليه أوقاف الأزهر وألغيت وزارة الأوقاف أو كانت مؤسسة تابعة للأزهر لتخلصت هذه المؤسسة من كثير من أوجه الضعف التي تعتريها، خاصة أن نصوص الدستور الحالي والسابق الذي قبله تنص على أن يكون الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية.