أداء درامي لافت لوزير الصحة المصرية الطبيبة هالة زايد، بات حديث الساعة في مصر بسبب إصرارها على أداء السلام الجمهوري في المستشفيات، ثم سقوطها في فخ التصريحات الغريبة ومنها الحلف برحمة أبيها وسط تردٍّ بالغ في المستشفيات، بحسب شهادات متواترة للأطباء في مصر، وهو ما نسلط الضوء عليه.
أزمة كبيرة
الطبيب عمر مجدي، يشعر بالأسف لما آلت إليه الحال الطبي في مصر، وقال في حديث لـ”المجتمع”: الوزيرة إن كانت تجتهد فهي كلما اجتهدت أخطأت، فلما أصابت أصابت أعين زملائها الأطباء، وهي الأسوأ فيمن أتى لهذا المنصب، وتخيل نحن نتكلم عن قطاع طبي وهو في كل الدول يعتبر أمناً قومياً، والسيدة الوزيرة تطلب القيام بعمل طابور الصباح والنشيد القومي، وهو أمر لم يكن في أسوأ كوابيس أي طبيب، الأمر الذي يجعل البقاء في مصر بالنسبة للأطباء والطاقم المعاون شيئاً مستحيلاً، خاصة مع تردي الأوضاع الاقتصادية وتدني الرواتب.
وأوضح مجدي الأزمة من وجهة نظر شباب الأطباء، لافتاً إلى أن أهم المشكلات التي يتعرض لها الطبيب أو الطبيبة: غياب الخامات والأدوات اللازمة لإتمام العملية الطبية، والتضييق على الأطباء في عملهم بما يعيق حصولهم علي تدريب أو تعليم مستمر مناسب، وغياب الأمن في المؤسسات الصحية بما يجعل الأطباء عرضة للهجوم والضرب من قبل البلطجية، وغياب ما يسمى بالتحقيق المهني في خالات الإخفاق أو الوفاة بسبب التحقيق مع الأطباء مع جهات غير ملمة بالمجال الطبي؛ مما يجعل الطبيب غير راغب في معالجة الحالات الصعبة خوفاً على أمنه وأمانه.
وأضاف أن المشكلة الصحية في مصر شأنها شأن كل المشكلات التي تصاعدت منذ منتصف عام 2014 كما يرصد، فتعامل الدولة العميقة مع المشكلة مربك، فهي لا تدمر ما يمكن أن يكون أسباب المشكلة بل ما يمكن أن يكون هو الحل، ومنذ منتصف التسعينيات تقريباً والموضوع أقرب إلى تجفيف المعاهد والمستشفيات الصحية من الكوادر المدربة المؤهلة، حيث يتم محاربة استمرارهم وتيسير سبل السفر والهجرة لهم؛ مما فرغ الدولة ومؤسساتها الصحية من معظم كوادرها القادرة على علاج المواطنين بصورة جيدة.
ويرى مجدي أن الانحدار هذه المرة يصيب رأس المنصب نفسه، بحسب قوله، مؤكداً أن المتعارف عليه والسائد أن منصب وزير الصحة يأتي بشخص له باع كبير في المجال الطبي، ونادراً ما يقل عن أن يكون أستاذاً دكتوراً يحمل درجة الأستاذية من سنوات، لكن لأول مرة يتم تعيين شخص أقل بكثير من السابق وبلا تاريخ طبي وغير معلوم وسط الأطباء، وفق تأكيده.
الوضع لا يُطاق
من جانبها، تقول د. منى مينا، عضو مجلس النقابة العامة لأطباء مصر، في تدوينات على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: تراكمت علينا المشكلات والهموم في الفترة الماضية، هناك الاعتداءات اليومية على المستشفيات، وهناك الوضع المادي البائس والظالم للأطباء، وهناك احتياجنا لقانون عادل للمحاسبة القانونية للأطباء.
واستنكرت مينا الأوضاع الطبية المتردية قائلة: المستشفيات تعاني من العجز في كل حاجة من “الجونتي” لسرير العناية، بينما يقدم الإعلام الأطباء ليلاً نهاراً على أنهم مهملون ومجرمون ومصاصو دماء، والمرضى وأهلهم الباحثون عن العلاج في المستشفيات الحكومية لا يجدون أمامهم إلا الأطباء يخرجون فيهم طاقة غضبهم وإحباطهم، حتى صار الوضع الحالي في حالة من الاستهداف والاضطهاد البشع للأطباء، ولذا نحتاج لتعديل جذري للأوضاع أو استقالات جماعية مسببة، فالوضع أصبح غير مطاق.
وأضافت أن الإنفاق العام على الصحة في مصر يبلغ وفق الأرقام الرسمية 61.8 مليار جنيه، وهو ما يعادل نحو 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي المقدر للعام المالي 2018/ 2019 بنحو 5251 مليار جنيه، وهو أدنى معدل إنفاق عام على الصحة، ويقل كثيراً عن المعدلات المناظرة في عهود الرئيس المخلوع حسني مبارك، والمجلس العسكري، والرئيس د. محمد مرسي، والمستشار عدلي منصور، وهو يقل عن المعدل الملزم الوارد في الدستور والبالغ 3%.
وشددت على أن الحكومة قامت باحتيال غير بريء العام الماضي بوضع الإنفاق على خدمات مياه الشرب والصرف وهو إنفاق على المرافق العامة، ضمن الإنفاق العام على الصحة، وإدراج حصة من فوائد خدمة الدين العام ضمن الإنفاق العام على الصحة، وهو ما لا يجب أن يتكرر.
تصريحات مثيرة
وبين تصريح وآخر يغيب ملف الصحة في مصر، وكان تصريح الوزيرة حول ضرورة عمل طابور للعلم وأداء السلام الجمهوري، هو نقطة البداية، حيث أثار ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرسمية والخاصة.
واستنكر العديد من الأطباء والنشطاء والمراقبين الإجراء الذي لا يتفق مع الأوضاع المتردية للمستشفيات وأولويات الوزيرة، ما دفعها إلى التراجع عنه، رغم أنها أكدت في وقت سابق أن هذا القرار يعزز من قيم الانتماء للوطن لجميع المستمعين في المستشفيات سواء للمريض أو الأطقم الطبية، مضيفةً أن بث القَسَم سيذكر الأطباء بمبادئ الإنسانية المنصوص عليها في القسم، التي هي أساس أي عملية خدمية نبيلة تقدم للإنسان!
ولم تهدأ الوزيرة أياماً حتى أطلقت تصريحاً مثيراً للجدل، دعت فيه الأطباء الأجانب إلى العمل في مصر بشرط تعلم اللغة العربية ودخول ما يعرف طبياً بالمعادلة المصرية، وهو ما أثار سخرية واسعة في أوساط الأطباء، وعلق تجمع “أطباء مصر” الشهير في أوساط الأطباء الشباب في مصر ساخراً من التصريح مستنكراً أن يأتي طبيب لمصر ليحصل على 100 دولار في الشهر بينما يحصل على 300 ألف دولار في السنة بالخارج.
ولم يمر وقت طويل حتى خرجت الوزيرة الجديدة عن النص، وأطلقت تصريحاً حاز على تعليقات ساخرة كثيرة، هددت فيه الأطباء بعد أن حلفت بـ”رحمة أبيها”، وذلك في كلمتها باجتماع لجنة الصحة بالبرلمان المصري، حيث قالت بالعامية المصرية: “ورحمة أبويا اللي مش هيلتزم هعلن عن خلو وظيفته حتى لو كان مديرة صحة، فالناس أمانة في رقبتنا، وهم خدوا فرصة ومليون والعيان اتبهدل، ولغيت الإجازات لحين الانتهاء من قوائم الانتظار”.
الطبيب خالد مجاهد، المتحدث باسم وزارة الصحة، بدوره، دافع في تصريحات رسمية عن الوزيرة، مؤكداً أنها منذ توليها حقيبة الوزارة وهي لديها مشاريع على رأس أولوياتها بخلاف مشروع التأمين الصحي، مشيراً إلى أن زايد أول وزيرة تقوم بتحسين بيئة العمل للأطباء، وفق رأيه، فيما اعتبر الهجوم على قرار إذاعة السلام الجمهوري “سخافات” كانت الوزارة تتوقعها، زاعماً أن إذاعة السلام الوطني داخل المستشفيات جاء لتعزيز قيم الانتماء وتذكير الأطباء بالمبادئ الإنسانية المنصوص عليها في القسم، مؤكداً أن هذا القرار جاء لمصلحة الأطباء دون أن يوضح، مثلما أصدر تصريحاً دون أسباب بالتراجع عن القرار بعد تدخل جهات أعلى وفق ما يتردد في الأوساط الطبية.