إذا كنت سياسيا في مصر، وتحديدا معارضا فانت معرض للوفاة في السجون اذا لم تتوفى في المظاهرات أو تتعرض للتصفية في بيتك، أما اذا كنت مريضا، فهناك فرص كثيرة في مصر للموت سريعا في المستشفيات، دون انتظار لآلام الأمراض، أما إذا كانت محبطا فانتحر في أي مكان ولا تذهب إلى هيئة مترو الأنفاق حتى لا يغضب المتحدث الرسمي أحمد عبد الهادي، ويستدعي الأمر تدخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتعليق والتهديد بالمحاسبة.
“المجتمع” ترصد بعض طرق الموت في مصر، وتسلط الضوء على أسبابها في سياق هذا التقرير..
أرقام خطيرة
شهدت مصر تزايدا ملحوظا وموثقا في زيادة أعداد ضحايا الموقوفين وسجناء الرأي والمعارضة عبر القتل البطيء في السجون والذي راح ضحيته المئات حتى الآن لكن السلطات المصرية تنفي ذلك وتؤكد اهتمامها المطلق بالسجناء، وعدم تعرضها للمعارضين.
الأرقام في العام 2015 كان تتحدث أن عدد ضحايا الاهمال الطبي بحسب المنظمة العربية لحقوق الإنسان تجاوز 170 محتجزا على الأقل، وفق لائحة أعدتها المنظمة، ارتقوا عبر “التعرض للتعذيب حتى الموت، أو الإهمال الطبي المتعمد بعدم تقديم العون الطبي”، وفي العام 2018 ارتفعت أعداد القتلى داخل مقار الاحتجاز والسجون بحسب تقارير حقوقية متواترة إلى 623 شخصا، من أبرزها المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين، محمد مهدي عاكف، الذي رفضت السلطات الأمنية نقله لمستشفى خاص لعلاجه قبل تدهور حالته الصحية، وعصام دربالة القيادي الأبرز في الجماعة الاسلامية في مصر، ود. فريد اسماعيل رئيس لجنة الأمن القومي ببرلمان 2012 .
وباتت “الغسلة الأخيرة”، حديث المصريين قبل أيام حيث توفي 3 مرضى، واصيب 13 مريضا آخر بحسب ارقام رسمية من وزارة الصحة المصرية، خلال إجراء جلسة غسيل كلوي، نتيجة تعطّل أجهزة الغسيل الكلوي في مستشفى ديرب نجم في محافظة الشرقية شرق البلاد، استدعت تعليق حاد من رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي هدد فيها المقصرين بالحساب.
وبحسب الارقام الرسمية التي نشرتها صحيفة “الوطن” المحسوبة على النظام المصري، فإن 180 ألف مريض هو رقم الضحايا الأقرب سنويًا، لحوادث الخطأ الطبي في المستشفيات المصرية في العام 2015 ، ووفقا لتقرير وحدة التحليل الإحصائي بالنيابة الإدارية، الخاص بعام 2017 المرسل إلى الجهات التنفيذية في الدولة، وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية، بلغت وقائع الإهمال الطبي التي تسببت في وفاة مواطنين 493 قضية.
وحدد التقرير طرق الموت في المستشفيات ، وذلك عبر التأخير في تقديم التدخل الطبي، ويرجع ذلك لأسباب عدة، منها عدم تواجد الأطباء في المستشفيات أو الوحدات الصحية أثناء النوبتجية، والتأخير في تقديم الرعاية الطبية والتدخل الطبي لها دون مبرر أو التدخل الطبي المخالف للأصول والأعراف الطبية أو الإهمال في تقديم الرعاية الطبية والمتابعة بعد إجراء التدخل الطبي، أو رفض استقبال الحالات المرضية الطارئة من قبل المستشفيات الخاصة بالمخالفة لقرار رئيس مجلس الوزراء باستقبال تلك الحالات لمده 48 ساعة.
الانتحار كان خيار شباب وفتيات وأباء مبحطين للموت في الفترة الماضية بصورة ملفتة، وكان مترو الأنفاق في مصر أحد المعالم الرئيسية التي يختارها المنتحر للتخلص من حياته، لدرجة أن مترو الأنفاق شهد منذ شهر اغسطس الماضي 7 حالات انتحار.
أحمد عبد الهادي، المتحدث الرسمي لشركة مترو الأنفاق، اطلق مناشدة لمن اسماهم المحبطين باختيار اماكن اخرى للانتحار حتى لا تتعطل مصالح المواطنين بحسب بيان رسمي، وهو ما كبده استهجانا وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي طالب ناشطون فيها بتحديد أماكن الانتحار من قبل أجهزة الدولة لتخفيف الضغط عن مترو الأنفاق!.
ولا توجد في مصر إحصائيات رسمية منشورة حول عدد حالات أو محاولات الانتحار، لكن التنسيقية المصرية للحقوق والحريات ( جهة حقوقية مستقلة ) أكدت في تقرير لها مؤخرا أن هناك تزايداً ملحوظاً في عدد حالات الانتحار هذا العام، فمنذ يناير وحتى بداية أغسطس تم تسجيل أكثر من 150 حالة قام بأغلبها شباب في الفئة العمرية ما بيم 20 و 35 عاماً.
أسباب متنوعة
رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري في الخارج د.عمرو عادل يؤكد في حديث لـ”المجتمع” أن الموت في حوادث الطرق والمستشفيات والسجون في مصر نتيجة لمعدلات الفساد غير المسبوقة والتي أصبحت غير قابلة للسيطرة وسط توحش مؤسسات الدولة على الشعب بشكل يوحي بحتمية انهيار كل شيء، كما أن طبيعة جرائم القتل البشعة والانتحارات المتتالية والمعلنة تشير الى انهيار قيمي نتيجة لتصدير التوحش للشارع.
وأوضح أن كل هذه الاثار كان لابد من إدراكها بعد مذبحة رابعة وما تلاها لأنها كان إعلان عال الصوت من الطبقة الحاكمة انها تحتقر الشعب ولا مانع من قتله كله بأقصى درجات العنف حتى تحتفظ بسلطة استعباد الشعب، كما أن مستنقع الفساد في مصر لن ينتج إلا الموت المهين.
وأضاف أنه بالتأكيد أن الموت هو الحقيقة الكبرى في حياتنا ولا نملك تغييرها ولكننا نملك قرارنا كيف نموت، فلا مشكلة أن يموت عشرات الآلاف للدفاع عن القيم والشرف والأفكار وكيفية الموت في أي مجتمع تعطي دلالات كبيرة عن مستقبل ومصير هذا المجتمع، ولذلك فدعوتي لشعب مصر أن القضاء على الفساد هو الحل الوحيد ان الموت إذا كان حتميا فلتجعلوه موتا كريما تحت راية الكفاح لا تحت أحذية الظلم والفساد”
الاستشارية الاجتماعية والأسرية منال خضر تشير إلى أن أصعب انواع الموت في مصر “الموت حيا”، حيث يموت الإنسان المصري كل يوم ألف مرة من جراء نزع إنسانيته تحت وطأة غياب الأمان الاقتصادي والاجتماعي والصراع بين الطبقات الفقيرة والغنية، بحيث يشعر بالعجز والميل للانعزال كأنه غير موجود في الحياة، وتذكر قصة سائق سيارة أجرة في مصر كان يسهر خارج منزله حتى قبل صلاة الفجر ليعود وأسرته نائمة لإحساسه بالعجز عن تلبية نفقاتهم في المدرسة والحياة، وتنقل عنه قوله ” انا كالمتوفي ولكن لازالت حيا.
وترجع خضر حالات الانتحار المتزايد إلى تزايد نبرة اليأس في أوساط الشباب نتيجة العجز عن الزواج وتكوين اسرة والاستقرار الاجتماعي والنفسي، وعجزه حتى عن علاج نفسه أمام استشاريين نفسيين ، في ظل تحول الوطن إلى سجن كبير نتيجة مظاهر الاستبداد، وبالتالي لا أمل منظور أمامه في أي جهة غير جهة الموت منتحرا رغم حرمة هذه التوجه، خاصة أنه يرى ذلك أسهل من موته عشرات المرات امام عدم القدرة علي تلبية أبسط الحاجات الإنسانية في الحياة أو أن يرى الأب ابنه مريضا حتى الموت ولا يستطيع علاجه.
وتحمل خضر السلطات الحالية حالات القتل في السجون والمستشفيات، وترجعها إلى حالة الاستحلال الاجتماعي التي تصاعدت عقب المجازر التي حدثت في مصر بشكل قتل حرمة الدم وبث الفتنة وخلق شحن اجتماعي سهل عملية القتل في السجون ببلادة نفسية ناتجة عن شحن اجتماعي ممنهج ضد فصيل بعينه، كما سهل عملية القتل بالاهمال الطبي في المستشفيات بعد أن باتت حرمة النفس والروح منعدمة في مصر وبات الانسان رخيصا للغاية ، ولذلك انتشر الاستحلال في المجتمع.
الداعية الشاب حسين رضا، يرى في حديث لـ”المجتمع” أن غياب البعد الايماني مع تصاعد الاستبداد السياسي والأزمة الاقتصادية دفع البعض الى التورط في قتل سجناء الراي في المعتقلات واهمال علاج عامة المواطنين في المستشفيات ودفع بعض الشباب الى الالحاد أو الانتحار، بعد استمرار ملاحقة الدعاة والحركة الاسلامية في المجتمع المصري بعد ازمة البلاد السياسة في 2013، وهو ما يلقى بالتبعية على الأزهر الشريف أن يكون صاحب دور منطلق من رسالته كمنبر للدعوة الاسلامية في ظل تصاعد مظاهر العلمنة والانحلال الاخلاقي الممنهج وتدهور الحالة الاقتصادية حتي يتم حل الازمة السياسية.