توقفنا فيما سبق عند قولنا في أهل الدعوة التأطيرية، إذا جاز التعبير، وكيفية صناعة أجيال تعتقد بقدسية الفراعنة المقدسة الجدد وهي نتيجة التأطير الإعلامي الفكري والسياسي! وبدأنا اليوم نعايش ثقافة غريبة ونستشعرها؛ وهي ثقافة العذر للطاغية بعد التقديس، بل بدأنا نرى ونعايش مع الجيل المؤطر، نجد لدى الكثيرين اليوم أسلوب تقديس المجرم بشكل غريب وكأنه عفوي، وهو نتيجة عمل طويل ليس بالقصير حقيقة، هذه النوعية ما أن نتكلم في أو نتعرض لسيرة الطغاة من أمثال صدام، وعبدالناصر، والقذافي، والسادات، ومبارك، والأسد، وهتلر، حتى ماركس، والحجاج.. وهلم جرا، ما أن تأتي بسيرتهم وجرائمهم سرعان ما نجد أثر التأطير بقولهم: نعم، ولكن أيامهم بلدانهم كانت أفضل، وأيضاً لهم إنجازاتهم في بلدانهم ولشعوبهم التي عجز عنها غيرهم، وما علموا أن حتى الشيطان الرجيم أحياناً يعمل ويقول الحق لينجو من موقف هو حوصر فيه؛ “صدقك وهو الكذوب”، وما علموا أن الحال الأسوأ اليوم هي بسبب بذرة بذرها هؤلاء الطغاة المجرمون أصلاً في بلدانهم أو أقاليمهم أو أمتهم.
وبالمقابل، حينما تذكر أمام هؤلاء العقول المؤطرة، تذكر عندهم الدعاة الصادقين والشهداء، تجد هذه النوعية التي صنعها التأطير، تجدهم خير من ينقب عن المثالب فيهم تنقيباً وإظهارها أنها الأصل، رغم أنها أحياناً كثيرة تكون أخطاء إنسانية اجتهادية، يجعلونها الأصل بشكل أو بآخر، وفي النهاية حتى يبرر تأطيره الإعلامي هذا فيقول مثلاً: محمد بن عبدالوهاب ليس معصوماً، أو البنا، أو قطب، أو العشماوي، أو مرسي، أو ابن عثيمين، أو القرضاوي.. إلخ، فهم بشر يخطئون ويصيبون -هي حقيقة- ولكن هكذا يعمل التأطير الإعلامي في الثقافة العفوية التي يسعى لتأصيلها العدو وخدمه في ثقافة الشارع المسلم، التنقيب في أهل الصلاح والفلاح وأخطائهم ويجعلها أصلاً وشراً، والتنقيب في أهل الجريمة والشرور والقتل والقذارة بحثاً عن الأعذار والخير فيهم تنقيباً! ومن ثم مع مرور الزمن يجعل التأطير أهل الخير وأهل الجريمة والشر مسعاهم واحد، الدنيا والحكم والرياسة فقط، ومن ثم من يمتطي الدين مستغلاً تعاطف الناس معه، هو الأكثر شراً وخسة وإجراماً، حيث استغلاله الدين وعواطف الناس.
ومثل ذلك قول أهل التعالي العاملين على زرع البغض في الأمة وفي بسطاء الناس، وذلك قولهم في الأعراب على أساس أنهم أهل الجزيرة العربية علماً، وما علم هؤلاء المتعالمون أن الأعراب ليست أعراقاً أو جذوراً لأصول وأنساب، بل هي تعبر عن نمط حياة عربياً كان صاحبها أم عجمياً! إلا أن أهل التأطير الإعلامي يصرون أنهم أهل الجزيرة العربية بشكل أو بآخر، وهم المعنيون بقوله تعالى: (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً) (التوبة: 97)، هم أهل الجزيرة حتى وإن سكنوا المدن والقصور! ويتناسون قوله تعالى من أجل التأطير: (وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ) (التوبة: 99).
الأعراب هم سكان البوادي والبراري يا من تدعي الذكاء والتعالم، نعم أهل البراري الذين يتبعون مساقط المطر ومنابت الكلأ سواء كانوا في ومن جزيرة العرب من العرب، أو من الأعاجم عموماً في بلدان الأعاجم، فالإعراب ليس عرقاً، الأعراب دليل على أسلوب حياة ومعيشة كما أسلفنا.
قال أبو السعود في الآية: (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) هذا من باب وصف الجنس، يوصف بعض الأفراد، وذلك مثل قوله تعالى: (وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً) (الإسراء: 67)، وللعلم أيضاً المدينة ذكر فيها النفاق، ولكن أهل التأطير لشيء في نفس يعقوب لا يذكرون ذلك قال تعالى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) (التوبة: 101)، وقال تعالى يثني على الأعراب في مواقع أخرى: (وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ) (التوبة: 99).
أيضاً في انتقاد علماء الباطل، خدم السلطان باسم الدين ما أن تنتقد أحداً من علماء السلطان، سرعان ما يتقافز أهل التأطير بقولهم: “لحوم العلماء مسمومة”، وهي مقولة لابن سعد، ولكن لا يذكرون قول الله تعالى في هؤلاء علماء التزلف والنفاق الذين هم محور أساسي من محاور تدمير الأمة وضياعها وانحدارها، وكيف يحقرهم الله تعالى في كتابه العظيم، قال تعالى فيهم عموماً: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (الفرقان: 44)، ويقول الله تعالى في كتابه في هذه النوعية من اليهود ومن يسير مسيرتهم عموماً: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الجمعة: 5)، ويقول جل جلاله: (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث) (الأعراف: 176).