نظمت جمعية مجموعة التفكير الاستراتيجي في إسطنبول بالتعاون مع معهد المصلحة الوطنية من واشنطن السبت الماضي المنتدى الفكري حول السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط .. رؤى وتحولات بمشاركة قادة الفكر والسياسة من عدة دول عربية وتركيا ودول أجنبية.
وحضر المنتدى الصحافية كارين عطية الصحفية في “واشنطن بوست” الأمريكية، والرئيس العام الأسبق للحزب الجمهوري مايكل ستيل، والعضوان السابقان بالكونجرس جيمس موران ونيك راهال، ودوغ باندو من “هافنيغتون بوست”، وخالد الجندي من معهد بروكينغز، ورئيس تحرير مجلة المجتمع الكويتية محمد سالم الراشد، و د.عبد الله الشايجي من جامعة الكويت.
وشهدت الندوة حضوراً كبيراً؛ إذ ناقش الحاضرون السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط في 4 جلسات، وشارك بجلسات المؤتمر العديد من أعضاء الكونجرس الأمريكي والباحثين والأكاديميين والمفكرين والسياسسين والتنفيذيين العرب والأتراك والأمريكان وكذلك عدد من مراكز البحث والتفكيروالدراسات بالمنطقة.
وأما القضايا الأساسية التي شكلت أجندة الندوة فكانت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشأن الإعلان الرسمي لإلحاق هضبة الجولات السورية بالاحتلال الصهيوني الذي يحتلها منذ عم 1967م، ومواقف واشنطن إزاء ما يحدث مؤخرا في الشرق الأوسط بوجه عام ومصر بوجه خاص.
وقال رئيس جمعية مجموعة التفكير الاستراتيجي محمد سالم الراشد في افتتاح المنتدى: يأتي هذا المنتدى لفهم منطلقات السياسة الأمريكية وتوجهاتها المؤثرة في المنطقة.
وأوضح الراشد الأسباب التي دفعت المجموعة الى إقامة مثل هذا المؤتمر، مؤكداً على أهمية الحوار وتبادل الأفكار وطرح الرؤى والمبادرات والنقاش المستمر بين .المفكرين والخبراء من .الجانب العربي والتركي والأمريكي للوصول الى مساحات مشتركة تحقق المصلحة لشعوب المنطقة وتنزع فتيل الأزمة بينهم
وبين أنه بعد الحرب العالمية الثانية إلى اليوم وتأثير الولايات المتحدة الأمريكية مشهود ونافذ في هذه المنطقة، مضيفاً بأن قرارات الولايات المتحدة تؤثر على واقع المنطقة الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وبالتالي اصبح من الضرورة تدارس مثل هذه التأثيرات على منطقتنا العربية والإسلامية.
وتطرق الراشد إلى التصريحات الأمريكية بشأن الجولان ثم ردة فعل تركيا على هذه التصريحات وهذا أثر على انخفاض الليرة التركية وبالتالي أي قرار سياسي تصدره الولايات المتحدة حول شؤون المنطقة لا يؤثر فقط على سياسات الدول بل يؤثر على المواطن العادي الذي يعيش في هذه المنطقة.
وقال: لو طرحنا سؤالا من هي أقوى دولة في العالم اليوم؟ فالإجابة: أمريكا.. ما هو اقوى اقتصاد في العالم؟ بالطبع الاقتصاد الأمريكي.. من هي أقوى قوة عسكرية في العالم؟ هي أمريكا.. لكن لو سألنا كم قدمت أمريكا فيما يتعلق بالسلام؟ سيتردد الجمهور في الإجابة.. كم من الديكتاتوريات حمت أمريكا في هذه المنطقة؟ سيجيب الجمهور بإجابة أخرى.
وبين الراشد أن العالم اليوم أمام دولة تملك القوة وقراراتها مؤثرة لكن بالنسبة لشعوب المنطقة لا تحسن إيجاد حالة من السلام الاجتماعي أو تؤثر بشكل ما على السلام الاجتماعي والأوضاع الاقتصادية.
من جانبه، أكد رئيس مؤسسة المصلحة الوطنية د.خالد صفوري على أهمية انعقاد مثل هذة المؤتمرات والتي تتيح الفرصة للحوار الجاد والنقاش المثمر والفعال بين العديد من المؤسسات الفكرية العربية والأمريكية والتركية في محاولة لإيجاد مساحة أكبر من التفاهم بين الطرفين وكذلك الضفط على الادارة الامريكية الجديدة للتخلي عن دورها الغير واضح تجاه العديد من القضايا .والأزمات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط والذي يتعارض حاليا مع مصالح شعوب المنطقة
وقال مستشار الرئاسة التركية د. ياسين أقطاي في مقال نشر في صحيفة “يني شفق” التركية بعنوان “ماذا تريد أمريكا منا وماذا نريد منها؟”: كان من المثير في هذه الندوة أن نرى كل المشاركين من دول شرق أوسطية وهم يؤكدون أنهم لا يرغبون في الحصول على دعم الولايات المتحدة، وكان ذلك على عكس المتوقع أن يشددوا على أهمية الرسالة التقليدية التي تشير إلى الدعم الأمريكي للقوى الديمقراطية في الشرق الأوسط.
وبين أن الآليات السوسيولوجية لشعوب الشرق الأوسط تضغط – في الواقع – باتجاه تطور يسير نحو الديمقراطية وانتشار الحريات. ويكفي ألا تلقي الولايات المتحدة بظلالها على هذه الوتيرة.
ومضى بقوله: ليس لدينا ما ننتظره من الولايات المتحدة التي ينبغي لها أن تعلم أن سياستها الحالية في الشرق الأوسط لا تصب في مصلحتها كذلك. ذلك أن الشرق الأوسط أكبر بكثير من “إسرائيل” كما تعتقد واشنطن، ولهذا فهي تضع تل أبيب في مركز كل سياساتها هناك. فالشرق الأوسط ليس عبارة عن “إسرائيل” التي عندما تتلقى كل غضب شعوب الشرق الأوسط ستسقط لا محالة، كما أنها ستجر كذلك معها الولايات المتحدة إلى الهوة التي ستسقط بها
وتابع: إن الولايات المتحدة تضحي في سبيل “إسرائيل” باتساقها وكل سمعتها ومكانتها بصفتها قوى عالمية تسعى لحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، كما أنها لا تدع الفرصة لأحد بأن يتخذها حليفا له يثق به.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تكون قد شاركت في كل الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها تلك الأنظمة التي تحظى بالدعم الأمريكي، وهو ما يجلب المزيد من الكراهية للولايات المتحدة التي صارت لهذا السبب تحديدا على وشك الفقدان الكامل لمكانتها الأخلاقية المتألقة بصفتها قوة عظمى. ومما يشير بوضوح إلى هذه النقطة نذكر أنها فقدت صفتها كمركز للآمال والتوقعات الخاصة بالديمقراطية أو القيم المعاصرة.
وختم بقوله: إن “إسرائيل” تكبد الولايات المتحدة الكثير من الخسائر، بيد أن الأخيرة – للأسف – ليست حتى مدركة لهذه الحقيقة.
وعلى مدار أربع جلسات، ناقش الحضور العديد من النقاط والمحاور التي تتعلق بالسياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والمتغيرات التي طرأت عليها في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترمب.
ففي الجلسة الأولى وتحت عنوان (الحرية والديمقراطية وقضايا الاستبداد في منطقة الشرق الأوسط – قضية من أجل الكرامة ) أكد المشاركون (كارين عطية – محررة الرأي العالمي في واشنطن بوست، خالد الجندي – زميل غير مقيم في برنامج السياسة الخارجية بمعهد بروكينجز، د. سيف الدين عبدالفتاح – أستاذ العلوم السياسية جامعة صباح الدين زعيم، د. أيمن نور المرشح الرئاسي المصري السابق، د. ياسين أقطاي – مستشار رئيس الجمهورية التركية)، على أهمية وخطورة الدور الذي تلعبة الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط فيما يتعلق بقضايا الحريات والديمقراطية والاستبداد، مؤكدين أنة ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية ( وبما لها من نفوذ وتأثير بالمنطقة ) أن تعمل على الوقوف مع شعوب المنطقة ومساندتها في قضايا الحريات والديمقراطية ومحاربة الاستبداد والمستبدبن، كمحاولة منها لتصحيح الصورة الذهنية لدى شعوب المنطقة عن الولايات المتحدة الأمريكية والتي ظهرت كداعمة ومساندة لقضايا الاستبداد والمستبدبن متجاهلة شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي تتشدق بها بالمحافل الدولية المختلفة مما أدى الى تراجع الدور الأمريكي بالمنطقة، ويرجع هذا الى ارتكاب الادارة الامريكية الجديدة للعديد من السياسات الخاطئة تجاه قضايا الحريات والديمقراطية بمنطقة الشرق الأوسط.
وفي الجلسة الثانية وتحت عنوان (السياسات الأمريكية بالشرق الأوسط – بحثا عن استراتيجية)، أكد المشاركون (النائب نيك رحال – عضو مجلس النواب الأمريكي عن ولاية فريجينيا 1977- 2015، دوغ باندو – عضو متقادم بمعهد كاتو متخصص في السياسة الخارجية والحريات المدنية، د. أحمد رمضان – كاتب وباحث مختص في العلاقات الدولية، البروفيسور محي الدين أتامان- جامعة أنقره للعلوم السياسية) بأن الولايات المتحدة الأمريكية وفي ظل الإدارة الأمريكية الحالية، تفتقد الى استراتيجية محددة تجاة العديد من قضايا المنطقة وتعيش حالة من التراجع ومن عدم الوضوح في مواقفها وقرارتها ويتضح ذلك في الدور الأمريكي وتخبطة والتدخل في شؤون دول المنطقة التي تشهد حالة من الصراع في الوقت الراهن، بل قامت تلك الإدارة بارتكاب العديد من الأخطاء الجسيمة مما أثر على استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة.
أما الجلسة الثالثة والتي كانت تحت عنوان (هل سيكون هناك حرب أمريكية على إيران) فقد أكد المشاركون (جيم موران – عضو الكونجرس الأمريكي ولاية فريجينيا 1991 – 2001 ، د.عبدالله الشاجي – أستاذ العلوم السياسية جامعة الكويت، جون فوند – كاتب الشؤون الوطنية في مجلة National Review ومشارك في Fox News، د. حقي ايجور- نائب مدير مركز الدراسات الإيرانية في أنقرة)، على أن العلاقات الأمريكية الإيرانية تشهد حالة من التذبذب والتوتر وعدم الاستقرار في العديد من القضايا المهمة بالمنطقة، مثل موقف الولايات المتحدة الأمريكية من بعض الميليشيات المقاتلة بسوريا والعراق والمدعومة من قبل إيران وكذلك أزمة الملف النووي الإيراني والذي يشهد حالة من الصراع المستمر بين الطرفين وكذلك الحصار الاقتصادي المفروض على طهران، مما يجعل الملف مرشحا و مفتوحا للعديد من التوقعات في المستقبل.
وفي جلستة الختامية والتي كانت تحت عنوان (الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا في الشرق الاوسط – إدارة الصراع وتنمية التعاون) أكد المشاركون (مايكل ستيل – حاكم ولاية ماريلاند في عام 2003م وترأس اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري من عام 2009 إلى عام 2011م، بيلجيهان اييك – طالبة دراسات عليا في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، د. طلحة كوسة – رئيس وأستاذ مشارك للعلوم السياسية بجامعة ابن خلدون، د.علي باكير – باحث أوّل، منسّق لبرنامج “دراسات الخليج” في مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام)، على أهمية الدور الذي تلعبة كلاً من تركيا وأمريكا بالمنطقة وأنة من الضروري تجنب حالة الصراع الحالية بين البلدين وأن على الإدارة الامريكية الحالية أن تتخذ من تركيا حليفاً قوياً في المنطقة وأن تسعى الى تنمية العلاقات بين البلدين بما يحقق مصالح وتتطلعات شعوب المنطقة، مؤكدين على أهمية الدور الذي تلعبة الدولة التركية في السعي الى استقرار المنطقة والمساهمة في وضع حلول للعديد من القضايا والأزمات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط.
هذا وقد حظي المؤتمر بحضور جماهيري واسع من مختلف المؤسسات الفكرية والبحثية والأكاديمية ومؤسسات المجتمع المدني ورؤساء الأحزاب والتنفيذيين والسياسيين ورجال الدولة من العرب والأتراك ، الى جانب الممثليين الدبلوماسيين والسفراء وملحقي المكاتب الثقافية بالقنصليات العربية المختلفة ، كما شهد المؤتمر تغطية اعلامية واسعة وحضور العديد من الصحفيين ووكالات الأنباء والصحف والمواقع الإخبارية المختلفة